ذكرى الشهيد … سيرة عاشق وعُشّاق على دربه حائرون

سواليف – فادية مقدادي
الذكرى السابعة والأربعون .. وما زال حيا فينا .. أم بذكراه ما زلنا أحياء ؟
سؤال خاطر لا يغيب عن الأذهان ، ليس في ذكرى استشهاد عاشق الوطن الشهيد وصفي التل فقط ، بل في كل يوم ، وفي كل حادثة تتجاذب الوطن ، وفي كل قرار يتم اتخاذه على حساب الوطن والشعب ، وفي كل قادم أتى ليشغل كرسي رئاسة الوزراء منذ سبع وأربعين عاما .
وصفي
حالة لن تتكرر ….
رجل المواقف والقرارات
رجل المشروع الوطني الذي أجهض في بداياته
ذاكرة الوطن
قاموس الوطنية
أيقونة الأردن
وصفي التل اورث الاردنيين قدوة اتعبتهم شعبا ودولة
رجل على هيئة وطن.

هذه بعض من غيض الوصف الذي يتداوله الأردنيون دائما في سيرة الشهيد ، حتى من الأجيال التي جاءت بعده ، سمعوا عنه ولم يروه ، ولكن سيرته التي تربوا عليها من آبائهم ما زالت تعصف بهم كلما جدّ جدٌّ ، كلما لاح خوف على مستقبل الأردن ، انهض يا وصفي ، انهض أيها العاشق .. فالوطن المعشوق يستغيث .
اليوم في ذكرى الشهيد الذي لم يغب يوما ، فلا غابت الذكرى ولا غاب الشهيد ، نستذكر بعض أقواله التي يستحضرها الأردنيون في كل وقت ، هذا بعض ما قال وصفي :

– ( ان الأردن ولد في النار …. لم ولن يحترف ) .

– ‘إن المواطن الذي يعيش في أمن حقيقي، هو وحده القادر على العطاء، وهو الذي يعرف كيف يموت بشجاعة، في سبيل بلده وقضيته، أما المواطن الذي يعيش في الرعب والفوضى، فلا يملك شيئا يعطيه لبلده أو قضيته أو حتى لأحد من الناس’.

– ” حينما يتعلق الأمر بالوطن , لا فرق بين الخطأ والخيانة … لأن النتيجة ذانها ” .

– ليس هناك حل سلمي مع الكيان الصهيوني , والسبب لأن الحل السلمي مضيعه للوقت وتكريس للأحتلال والاغتصاب .

– ” كلنا مسؤولون عن الفتنة, أنا وأنتم , وكل من تولى المسؤولية , لأننا تركنا الأمور تتفاقم وتركنا المياه نسيل من تحتنا ولم نقم بالنصيحة القاسية عند الحاجة , لقد كانت الفتنة محصلة أخطاء وتأمر “.

“.. الذين يعتقدون أن هذا البلد قد انتهى واهمون، والذين يعتقدون أن هذا البلد بلا عزوة واهمون كذلك، والذين يتصرفون بما يخص هذا البلد كأنه (جورعة) مال داشر واهمون كذلك”..

هذه العبارات لم تكن يوما في قاموس وصفي إنشاء وأقوالا عابرة ، بل كانت ممارسات يومية ما زالت المواقف التي ترجمها على أرض الواقع بأفعاله تروى حتى اليوم .
وفي ذكرى وصفي نستذكر بعضها

تقول الرواية ومن رواها :
ان وصفي ذهب مع زوجته سعدية الى السوق، فأعجبها، خاتم ووضعته بإصبعها، الا ان ثمن الخاتم حال دون شرائه، فأعاده وصفي من يدها، وعند خروجه، قالت له سعدية، زوجة رئيس وزراء ولا تستطيع شراء خاتم؟
ليرّد عليها، راتب رئيس الوزرا يا سعدية، لا يستطيع شراء الخاتم وعلينا التزامات أخرى..!!

وصفي كانت يده نظيفة وعينه تحرس الوطن وقلبه مع الشعب، لذلك تبقى سيرته في سريرة محبيه.
هو من ينطبق عليه قول.
بعض الغائبين..يزدادهم الرحيل حضورا

في منتصف الستينيات قرر عدد من وجهاء القرية الذهاب الى عمان ومقابلة رئيس الوزراء وصفي التل للشكوى عن تأخر وصول الكهرباء الى القرية بالرغم من وصولها الى احدى القرى المجاورة، حيث علموا أن وصفي قد خصص يوم الاثنين للأستماع الى مظالم المواطنين.

وقد حدثه من ذهبوا انه لدى وصولهم الى مبنى رئاسة الوزراء طُلِب منهم الجلوس في غرفة الانتظار مع مواطنين آخرين لهم مظالم والانتظار لحين وصول الرئيس للاستماع لهم.

وقال انهم انتظروا نحو الساعة حتى حضر وصفي، فبدأ مباشرة بالتحدث الى من يجلس في أول الغرفة حيث سلم عليه واستمع الى مظلمته وقوفا ثم انتقل الى الشخص الذي يليه وهكذا حتى وصل الى الشخص الذي يجلس بجانب وفد قريتنا وبدأ بالتحدث اليه على مسمع منهم. فيقول من سمع ان الرجل قال لوصفي، وقد بدا عليه الحزن، أنه تم اعتقال ابنه لأنه “سبَّ وصفي التل” وقد عرض لوصفي ورقة تبدو وكأنها صادرة من مركز امني تشير الى اعتقال ولده وانه يرجو من وصفي ان يطلق سراحه.

فيقول احد وجهاء القرية الذي كان واقفا بجانب ذلك الرجل أن ذلك اثار وصفي وبدا عليه التأثر وما كان منه الا ان اخذ تلك الورقة من الرجل وكتب علي ظهرها: “يلعن ابو وصفي التل اللي بتسجنو الناس مشانه” وطلب من الرجل تسليم تلك الورقة لمركز الامن الذي تم اعتقال ابنه فيه.

روي عند توليه رئاسة الوزراء وانتقاله لبيته في الكمالية، كان قد طلب قبل التعيين بأن يتم تمديد خط هاتف له، وبسبب بعد المكان عن اقرب عمود هاتف احتاج لإضافة ثلاثة أعمدة زيادة عن المطلوب ما رتب زيادة في كلفة التمديد مبلغ ستة دنانير ثمنا للأعمدة الإضافية، وعند عرض المعاملة على دولته دون المشروحات التالية على الكتاب:
معالي وزير المالية..
«يرجى تقسيط مبلغ «الستة دنانير» على فترة ثلاثة شهور.. وخصم القيمة بمعدل دينارين كل شهر من راتبي».

في أحد المؤتمرات الصحفية أخطأ الشهيد وصفي التل في النحو، فقال له احد الصحفيين , دولة الرئيس مخزونك النحوي قليل! .. فكان رد وصفي: لكن مخزوني الأردني كثير وهذا يكفي.
بعد استشهاد التل قرر المغفور له الملك الحسين أن يسدد كافة الديون المترتبة على ذمة الشهيد، فأوكل القيام بذلك إلى صديق وصفي الوفي المرحوم الاستاذ محمد عودة القرعان مدير الاقراض الزراعي حينها، وتبين أن مجموع الدَّين على ما أذكر بحدود ثلاثة وتسعين ألف دينار، وشاءت الأقدار أن أكون موجودا في مكتب الاستاذ القرعان عندما التقى بجميع الدائنين وأخبرهم بأن المغفور له الملك الحسين سيتكفل بالدَّين، وكانت المفاجأة التي أذهلتني أن الديون كانت عبارة عن أثمان إطارات تراكتور وبكب فورد وطرمبة ماء ومحراث وثمن بذور وديزل.

وبعد كل هذا ما زالوا يتساءلون
لماذا نحب وصفي ؟
إنه حكاية عاشق للأردن .. وعشاق على دربه حائرون .
إنه مشكاة ما زال زيت مصباحها لم ينطفئ منذ سنين ، فزيتها لا شرقي ولا غربي ، زيتها من وطن واحد أحبه الشهيد ، وطن شرق النهر وآخر غربه ظل في وجدان الشهيد قضيته الكبرى .


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى