اطلق قمرنا يا حوت!

اطلق قمرنا يا حوت! / #يوسف_غيشان

لا أعرف تماماً، إذا ما كنت قد شاركت فعلاً في المسيرة، أم أن الأمر حصل على السماع، وربّما على القراءة التي ابتكرت مخيلة لم تكن موجودة أصلاً، لكنّي متأكد أنّني شاركت نسبيّاً، ولو على شكل متفرّج جانبيّ في تظاهرات الاستسقاء التي كانت تمرّ في شارع حارتنا الوحيد منتصف الستينيّات، حيث يحمل الناس لعبة قماشية ما، على خشبة، وهم يرددون بصوت كوريالي:
يا أمّ الغيث غيثينا
يليها الكثير من الكلمات والشعارات التي تدعو السماء بأن تحنّ على الأرض، وتمطر ماءً غزيراً لتسقي الزروع والضروع.
أمّا ما أتحدث عنه هنا، فهو التظاهرات الاحتجاجية التي كانت تنطلق فجأة كلما حصل خسوف للقمر …. حيث يتجمع الناس وهم يحملون طبولاً أو ( طناجر ) تصدر صوتاً مزعجاً بالضرب عليها بالعصي ، ويشرعون في الصراخ والتطبيل وهم يقولون :

  • اطلق قمرنا يا حوت!
    وهذا هو الشرف الذي لا أستطيع قوله بثقة تامة، لكنّي لا بدّ شاهدت مثل هذا، ربّما في الحلم، أو أن الوالدة الرؤوم تحدثت في الموضوع بوجودي …. بالفعل (أي دنت نو).
    على كلّ، يبدو أن هذه هي التظاهرات الاحتجاجية الوحيدة التي لم تكن تقمع في العالم العربي بالغازات المسيّلة للدموع وبالرصاص الحيّ والمتوفّى، ناهيك عن الاعتقالات والضرب والسحل ولعانة الحرسة، والوالدين.
    ويبدو أيضاً، أنّها التظاهرات الوحيدة التي كانت تنجح في تحقيق أهدافها، إذ لا يمرّ أكثر من ساعة – في أطول الحالات -إلاّ ويضطر الحوت الذي ابتلع القمر، إلى إخراجه من جوفه كاملاً، وإعادته إلى مكانه الطبيعي لينير الليالي…. ويعود المتظاهرون إلى بيوتهم راضين بعد أن نجحوا في تحرير القمر.
    كان حوتاً طيّباً أو جباناً أو أهبلاً، ذلك الحوت، لصّ الأقمار، فكان يتراجع ويجبن بسهولة أمام صرخات الناس العاديّين، ويعيد القمر إلى مكانه قبل أن تنتهي التظاهرة الاحتجاجية …. لكنّ أحفاد ذلك الحوت، الحيتان المتعدّدة التي تستولي، في العالم العربي وسائر دول العالم الثالث، على حياتنا ومماتنا وتبتلع اقتصادنا وقراراتنا السياسية والسيادية …. هذه الحيتان لم تعد تخشانا، ولم تُعد أي قمر ابتلعته …. لا بل هي مستمرة في ابتلاع أقمارنا وأفلاكنا، وقريباً ستجهز على المجرّة بأكملها ، إذا تركناها واكتفينا بأن نصرخ باستجداء :
  • إطلق قمرنا يا حوت !!

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى