وراء الحدث

#وراء_الحدث
د. #هاشم_غرايبه
ينشغل العالم الآن بمباريات بطولة كاس العالم المقامة في قطر، ويرتفع الحماس ويخفت تبعا للنتائج التي تحققها فرق الدول المتنافسة.
ليست الرياضة من اهتماماتي الأولى، ليس إقلالا من شأنها، فأنا أومن بمقولة العقل السليم في الجسم السليم، وإنما لأن كثيرا من الاهتمامات تتقدم عليها، بل أراها ترفا لا نستحقه الآن، فالحال المائل الذي تعيشه أمتنا، إذلالا وتجويعا، لا يتيح لنا الاستمتاع بها، فالمستعبد لا يهتم بالمنافسات بين مستعبديه، فلا يفرحه فوز سيده على سيد آخر، طالما الاثنان سيبقيانه في القفص، والجائع لا تتيح له أصوات قرقرة أمعائه الخاوية الاستماع الى تغريد العصافير.
لذا لن أقدم تحليلات رياضية ولا تنبؤات بالنتائج، بل سأعرض ملاحظاتي على مجمل الحدث.
1 – لا شك أن استضافة دولة عربية شقيقة لهذا الحدث العالمي الأبرز لأول مرة، أمر مفرح لكل الأمة، وخصوصا بعد مواجهة قطر لوحدها – وبلا مساندة من أي من أشقائها العرب الذين يدّعون القومية والوطنية – مواجهتها لعداء الغرب المتعصب ضد كل ما هو عربي اسلامي، وتم ابتزازها بجشع، وممارسة التحريض ضدها باستعلائية المتغطرس، والذي تواصل منذ لحظة اعلانها كدولة مستضيفة لدورة 2022 وحتى افتتاحها.
لذلك يمكن القول أن مجرد صمود الأشقاء القطريين في مواجهة أعاصير العداء الأوروبي، ونجاحهم بإقامة (مونديال 2022) هو انتصار يسجل للأمة، خاصة في زمن الهزائم المتتالية.
2 – على الصعيد السياسي، شارك بعض العرب الذين يجمعهم العداء لمنهج الله، من أنظمة مرعوبة ومنتسبي تيارات سياسية مهزومة، شارك هؤلاء بالتحريض ضد قطر كونها حاضنة لقناة الجزيرة، والتي اثبتت اكتساحها الساحة الإعلامية العربية، لانفرادها بمتابعة أحداث الثورات العربية المجيدة، التي هددت الأنظمة العربية العفنة، وكادت أن تسقطها جميعا، لولا الثورة المضادة المدعومة من القوى الاستعمارية، لذلك فثأر هؤلاء من (الجزيرة) تمثل بالتشكيك بقدرة قطر على انجاح هذا المشروع العملاق، وتندروا على الكلف الهائلة له، لكنهم انكفأوا خاسئين عندما رأوه قائما بأبهى صورة، فصمتوا وهم يعضون الأنامل غيظاً.
3 – تبين زيف دعاوي الذين يحسدون قطر ويعادون نظامها السياسي لرفضه الانضمام الى التحالف الرباعي السيء الصيت، فظلوا يشككون في جدوى هذا المشروع، لكنه تبين أنه سيحقق أرباحا مادية كبيرة، علاوة على المنافع المعنوية الهائلة من هذه التظاهرة السياحية الضخمة، بالتعريف بالتقدم الثقافي والحضاري والعمراني للعرب المسلمين، الذين ترسخت صورة نمطية مزورة عنهم طوال القرون الماضية، وألصقت بهم بهتانا صفة الإرهاب والتخلف.
4 – كما أثبت المنظمون مقدرتهم على الزام كل المشاركين باحترام ثقافة وعقيدة المستضيف، حينما منعوا وبكل حزم، المحاولات الهمجية لتجاوز ثوابت العقيدة وفرض ثقافة الأوروبيين المنحلة.
5 – لقد تبين في المباريات الأولى، كم أن هذه الأمة موحدة وان قسموها أقطارا، فقد عمت فرحة طاغية لفوز الفريق السعودي على الأرجنتين، وقد يكون من احتفل بذلك من ابناء الأمة أضعاف من هم من السعودية، وارتفعت المعنويات بدرجة عالية، رغم أن الأمل في وصول أي من الفرق العربية والاسلامية الى المستوى التالي ضئيل، لكن ذلك بيّن كم نحن عطاش الى أي نجاح وعلى أي مستوى.
6 – ثبت أهمية توظيف النشاطات الجماهيرية (كالمباريات الرياضية)، لخدمة النهوض بالأمة وجمع كلمتها، أو إلهاء الشعوب عن المطالبة بحقوقها وإغراقها بالسلبيات.
فرأينا كيف أن مشجعي إيران كان لهم تأثير سلبي على أداء فريقهم في مباراتهم الأولى بسبب معارضتهم لنظامهم السياسي، بالمقابل حين فاز فريقهم في المباراة الثانية توحدوا جميعا في الفرح والاحتفال.
بالمقابل يتم في إقامة بطولات كرة القدم المحلية في الأردن إذكاء النزعات الإقليمية، بين مكوني الشعب من أصول فلسطينية ومن أصول أردنية، عن طريق تأسيس أندية قامت على أسس إقليمية.
وهنا لا بد من التساؤل: هل من الصعب على الدولة الأردنية أن تمنع نوادي يدل مسماها على توجه إقليمي، وأن تؤسس كما في كل أقطار العالم على أساس المنطقة الجغرافية التي تغطيها؟.
ثم ألا يفترض بمن يقطن الأردن أن يكون انتماؤه له؟، وهل يتناقض ذلك مع ولائه لقضية الأمة الأولى وهي استعادة فلسطين؟.
أم أن تنامي النزعات التفريقية بين أبناء الشعب الأردني مطلوبة لإلهائه عن تلك القضية من جهة، وعن فساد الفاسدين من جهة أخرى!؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى