وراء الحدث

#وراء_الحدث

د. #هاشم_غرايبه

مع تطورات الأحداث في سوريا خلال الأيام القليلة الماضية، تعود الأضواء لتتركز على هذا القطر العربي الهام، بعد تناسٍ وتقاعس من الأمة عن إنقاذه، دام عشر سنوات عجاف، نال فيها الشعب السوري الأمرين، قمعا من نظامه الحاكم والقوى التي هبت لنجدته (روسيا وإيران)، وتقتيلا وافقارا وتهجيرا أوصل هذا الشعب العربي المسلم الى درجات من التهلكة، وفقدان الأمان والديار، فتشرد الملايين منهم نجاة بحياتهم وخوفا على أعراضهم، في كل أصقاع الدنيا، ومن لم يملك منهم طولا أن يهاجر، مكث تحت الخوف والجوع والفقر، ينتظر الخلاص.
بعد انكشاف قصة داعش، واسدال الستار على مسرحية الإرهاب، لم يعد أحد يشتري مقولات مثل: العصابات المسلحة والإرهابيين، فلم يبق في الذاكرة الا القصف التدميري للطيران الروسي لحلب وأخواتها، والبطش الوحشي للميليشيات الطائفية لإيران ووكلائها، فنستعيد ما كنا نكرره دائما، أنه وان استتب الأمر للنظام، فالنار باقية تحت الرماد، ودوام حال الظلم من المحال.
ذلك أنه ما كان ليقوى النظام الظالم على التصدي لشعبه لولا الدعم الأجنبي، وبديهي أن الدول التي تفعل ذلك وتضحي بقواتها لا تفعله لوجه الله، ولا بدافع الصداقة، وإنما لتنال نفعا وتحقق مكاسبا، لذا فالضرر على الشعب السوري من هذا التدخل كان مضاعفا أضعافا أربعة:
1 – تدمير وخراب هائل من قبل طيران متطور لا يملك الثائرون ما يصده، كونهم محاصرون من كل جانب.
2 – وشراسة بالغة من قوات أجنبية معادية أصلا لمعتقد أهل البلد، فلا ترقب فيهم إلاً ولا ذمة.
3 – وخسارة اقتصادية بالغة جراء تدمير البنى التحتية والممتلكات الخاصة التي أفنى الناس عمرهم في بنائها.
4 – وإنقاذ النظام القمعي المخابراتي الذي كان آيلا للسقوط، بعد اذ عمت الثورة كل مدينة وقرية.
السؤال الآن: هل سيتمكن الشعب السوري من استئناف ثورته وتحقيق مبتغاه، أم ستعود القوى الطامعة للتدخل من جديد، وتحمي هذا النظام مرة أخرى!؟.
في حقيقة الأمر، ونظرا لتشابك المصالح وتقاطعها في في بعضها، وتعارضها في البعض الآخر، يصعب التنبؤ.
لو استعرضنا التغيرات في مصالح القوى بين الأمس واليوم سنجد المعطيات التالية:
1 – القوة العظمى (أمريكا) بالطبع هي اللاعب الرئيس، ومعروف أن القوى غيرها وهي (روسيا وتركيا وإيران والعراق والدول الخليجية) فرعية وليست قادرة على التدخل بقرارها الخاص، واللاعب الأهم الخفي هو الكيان اللقيط، لذا تطغى مصالحه ومطالبه على أي أمر، والثابت الوحيد الذي يفهمه جميع اللاعبين الفرعيين أن الهدف الاستراتيجي لأي عمل تسمح به أمريكا، هو أن لا ينتقص من حماية الكيان.
2 – أصبح معروفا (بغض النظر عن مكابرة داعمي النظام الأسدي)، أن أمريكا كانت تود إضعاف نظام الأسد لأن سوريا بعمقها الاستراتيجي وليس النظام الحاكم، مهددة لبقاء الكيان، لذا عملت على تدميرها ذاتيا، فشجعت الأنظمة العربية العميلة لها على دعم الثوار بداية، مع محاولة أن يتسلم الحكم علمانيون، ولما أحست باستحالة ذلك وأن الثوار توجههم إسلامي، قلبت تحالفها، فقطعت الأنظمة العربية امدادها، وتحولت فشاركت في المعارك ضدهم، فرأينا لأول مرة طائرات ف-16 عربية، لم تشارك يوما في التصدي لطائرات العدو، لكنها رأيناها تقصف أرضٍ سورية، بتوجيه القيادة الأمريكية.
ولما لم يكف ذلك، فقد أوحت الى الروس بالتدخل جويا، والإيرانيين برياً، وكان ذلك حاسما في جعل الكفة تميل لصالح النظام، فنجا، لكنه بقي مهيض الجناح، لا يسيطر إلا على المركز.
3 – خلال الفترة المنصرمة نمت مشاعر البغض بين القوات الموالية للنظام، وبين والقوات الإيرانية والروسية من جهة أخرى، بسبب التعالي الذي تمارسه والذي يشعر السوري بالمهانة في بلده، لذلك سنرى كثيرا من العسكريين السوريين ينضمون الى الثوار، كما سيرحب المدنيون كثيرا بخروج القوات الأجنبية.
4 – لقد ثبتت امريكا لها مسامير جحا كثيرة في سوريا، من قواعد عسكرية ومناطق يحتلها عملاء لها (قوات قسد)، لذلك لن يقلقها زوال نظام الأسد، وبالتالي لن تسمح للقوى الإقليمية بحمايته كما السابق، بل سيكون همها اختراق النظام الجديد، ليكون شبيها بالأنظمة في المنطقة.
مما سبق نتوصل الى الاستنتاج بأنه اذا لم تهرع أمريكا لنجدة النظام الأسدي، فسينهار في وقت قياسي، ويبدو أن الثوار راهنوا على أنشغال منجديه بهمومهم.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى