#وراء_الحدث
د. #هاشم_غرايبه
كل العالم كان يترقب نتيجة الانتخابات الأمريكية، ما عدا العرب، فالخيار على رأي أحد المعلقين، كان بين نجاح أبي لهب أو حمالة الحطب، بعد اذ تبارى المرشحان في مدى الانحياز للعدو المجرم، وتأييد عدوانه ودعمه بالسلاح والمال.
في حقيقة الأمر، لم يكن فوز ترامب مفاجئا لمن يتابعون تعاظم التوجهات اليمينية في كل بقاع الغرب، والتي دائما ما تكون استجابة للنزعة الاستعلائية.
ولو رصدنا نشأة النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا، لن نجدها بعيدة كثيرا عن تعاظم النزعة الأنجلو سكسونية في غرب أوروبا، فكل تلك تفرعات من النظرة الاستعلائية الغربية التي تسمى نظرية تفوق العرق الأبيض، فكل شعب أوروبي يشعر أنه أفضل من الشعوب الأوروبية الأخرى، وتغذي أحلام العظمة عند قادتهم تلك النزعة وتنميها، لاستثمارها في تحشيد شعوبهم وتجنيدهم لغزو الآخرين وقهرهم ونهب مقدراتهم.
ولما أنهكوا بحروب بينية بين الأمم الأوروبية، دامت قرونا طويلة، تبادلوا فيها النصر والهزيمة، لكن من غير أن تخضع أمة منهم الأخرى إلا فترة مؤقتة، أيقنوا جميعهم بأن صراعاتهم لن تحقق الا الخسارة، فتوجهوا بأطماعهم تجاه الأمم الأخرى في القارات الأخرى، ووجدوا ضالتهم في تقاسم السيطرة على مختلف بقاع العالم.
لذلك لم تكن الحروب الصليبية حروبا دينية إلا بقدر استغلال نزعة التعصب الأوروبية التاريخية ضد المسلمين، فدوافعها كانت مزيجا من الاستعلائية والطمع الاستعماري.
بعد استعمارهم للأمريكتين، ورغم تفوق المنتمين منهم للقومية الجرمانية عدديا، الا أن السيطرة سياسيا حسمت لصالح الانجلوسكسون، وظهر ذلك حينما جرى التصويت لاختيار اللغة الرسمية للولايات المتحدة، ورغم أن النتيجة كانت لصالح الألمانية، إلا أن الاختيار كان للإنجليزية، خاصة مع دحر وإبعاد متحدثي الاسبانية جنوبا الى المكسيك وأمريكا الجنوبية.
هكذا ومع هجرة البروتستانت (أو طردهم)، أصبحوا هم الغالبية في أمريكا الشمالية، والمعروف أن عقيدتهم كانت اختراقا آخر من الحركة الصهيونية للمسيحية، والتي أتاحت إنشاء المحافظين الجدد، الذين يتبنون فكرة المسيحية الصهيونية، والتي تتبنى عقيدة الشعب المختار الذي هو فوق كل الشعوب الأخرى التي يسمونها الغوييم، ويعتبرونها كائنات بشرية لكن ليس لها حقوق إنسان، بل خلقها الله لخدمتهم، لذلك رأينا التطبيق العملي لتلك العقيدة في العدوان على القطاع، اذ انتفضت كل شعوب الغرب منددة بمقتل بضعة مستوطنين ذات يوم، واعتبرت ذلك جريمة لا تغتفر، فيما لم تعر اهتماما لمقتل عشرات الآلاف من سكان القطاع يقتلون يوميا ومنذ أكثر من عام.
وبما أن الطبقة السياسية الأمريكية بغالبيتها من المحافظين الجدد، الذين يجمعون بين عقيدتي تفوق العرق الأبيض وعقيدة المسيحية الصهيونية التعصبية، لذلك لا يمكن أن تجد فارقا بين سياسة المرشحين للرئاسة.
صحيح ان السياسة الخارجية لأمريكا لا يرسمها الرئيس بل الدولة العميقة، لكن ستكون للحقبة الترامبية القادمة سمات مميزة، وأهم ما يتعلق بعالمنا العربي:
1 – لم يدع ترامب إبان رئاسته السابقة شرا بأمتنا لم يفعله، لذلك فهو سيبتدع الجديد، فهو معروف بميله الى إذلال الآخرين، ولن يجد من ينصاع ويرضخ غير حكام العرب، لذلك سوف يبادر الى إعادة حلب الدول النفطية، والى ابتزاز المزيد زيادة على الخمسين مليارا السابقة التي أخذها لقاء سكوته عن قضية الخاشقجي، هذه المرة سيستنزف أرصدتهم بتمويل مشاريع (صفقة القرن).
2 – سوف يعاود إحياء فكرة صفقة القرن، والجديد فيها هذه المرة تمرير فكرة الترانسفير وإنشاء وطن بديل لسكان القطاع في سيناء، ولسكان الضفة في الأردن، ولصعوبة التنفيذ سيلجأ الى تمويه العملية وتبنيها من قبل الأنظمة العربية على أنها مشاريع انمائية ضخمة، ممولة من قبل أنظمة الخليج، وتبدأ بالربط البري بين دبي وحيفا، والبحري عبر قناة بنغوريون.
ما سيشجعه على فكرته الخيالية هذه ما يعرفه لحقيقة الأنظمة العربية، فهي سابقا رفضتها إعلاميا أمام شعوبها، لكنها من الباطن رضخت فوافقت، وما أوقف التنفيذ الا تغير الرئاسة الأمريكية.
لذا في ظل الواقع القائم، لا يمكن للأمة أن تركن لمعارضة أنظمتها، بل تهب جماهيرها لاحباط المؤامرة.
ونبراسها صمود مقاومي الاحتلال في القطاع، والذي أثبت أنه لا أمل للأمة إلا باتباع قادتها لمنهج الله، بدليل أن من اتبعوه صمدوا وكسروا أنف العدو المتغطرس، والذين عادوه واتبعوا منهج الغرب العلماني سقطوا في فخ أوسلو فانهزموا.