وراء الحدث

#وراء_الحدث

د. #هاشم_غرايبه

فوجئ الجميع بالمؤتمر الدولي الذي عقد بالأمس في البحر الميت في الأردن تحت عنوان تلبية الاحتياجات الانسانية الطارئة في غزة.
المفاجأة الأولى كانت في عقده بهذه السرعة ومن غير إعلان مسبق وبلا تلك الاجراءات الطويلة المعتادة للدعوات والتنسيق والتنظيم، خاصة وان المشاركين فيه كانوا ممثلين من أعلى المراتب ل 75 دولة، إضافة الى الامين العام للأمم المتحدة وممثلي أغلب المنظمات الدولية.
المفاجأة الثانية في أنه أول مؤتمر على المستوى العربي سمح للدول العربية بعقده منذ بدا العدوان على القطاع، فرغم جسامة الحدث، فلم يعقد العرب سوى المؤتمر السقيم في الرياض، والذي لم يصدر عنه إلا غثاء، فلم يتجرأ على إدانة العدوان، ولم يتطلب حتى وقفه، وشكل لجنة متابعة لم تجتمع ولم تبحث ولم تتابع شيئا.
والثالثة أن وزير الخارجية الأمريكي “بلينكن” الذي جاء لزيارة الكيان اللقيط للمرة السادسة من بدء العدوان، حضره، فهل هي مصادفة، أم أن عقد المؤتمر رتب على عجل ليواكب زيارته.
في تفسير تلك المفاجآت يتوجب علينا استذكار الثوابت التي هي الأساس الذي تستند عليه ووفقه مجريات الأمور في منطقتنا العربية، وأهمها:
1 – في ظل النظام العربي القائم طوال القرن الماضي، لا يوجد قرار عربي سيادي، لا على المستوى المحلي الداخلي لكل قطر، ولا على مستوى السياسة الخارجية، فالهاجس الأساس في أي قرار هو: هل هو من المسموح به من قبل القوة المهيمنة (أمريكا وأعوانها الأوروبيين)، أم هو من المحظورات.
لذلك لا يوجد تفسير لأي قرار يتم على المستوى القطري العربي أو القومي في أكبر الأقطار العربية أو أصغرها، وله مساس من قريب أو بعيد بمصالح أو أمن الكيان اللقيط ، إلا أنه إما تم الإيعاز به مباشرة من الراعي الأمريكي – الأوروبي، أو أن الراعي سمح به، وحتى لو كان مجرد مبادرة ذاتية، فهي محسوبة بحيث تنال رضا الراعي ومباركته.
بناء على ذلك فكل المؤتمرات الدولية التي تعقد في كافة الأقطار العربية لا علاقة لها بالمصلحة القطرية أو القومية العربية.
2 – إن تحقيق المصالح الغربية هو قوام سياسات الراعي، ولا قيمة لديه لمصالح الأنظمة وشعوبها، إلا بما يحفظ ويديم تقبل الشعوب العربية لأنظمتها الساسية القائمة، لذلك وهذا يفسر تنفيذ مشاريع تنموية أو إجراءات اصلاحية سياسية أو اقتصادية، فهي بناء على نصح الراعي الذي يلحظ تذمرا وتململا لدى هذه الشعوب، ولكي تنفس من بعض الكرب اتقاء للانفجار.
وبناء عليه فلا شك أن الدافع لهذا المؤتمر، هو القلق مما اصبح يعتمل في نفوس الشعوب من ثوران جراء سكوت الأنظمة وتخاذلها عن واجبها في التصدي للعدوان الفاجر على القطاع، لذلك أراده منظموه بهذه الصورة المفرغة من المضمون، يناقش حل تبعات المشكلة (المعاناة الانسانية)، وليس المشكلة ذاتها، ولا حتى بحث اجراءات وقفها.
3 – بدءا من عنوان المؤتمر، وصولا الى تحديد محاور النقاش فيه، وانتهاء بتحديد المخرجات والنتائج، نلاحظ أن كل ذلك تمثيل لوجهة نظر الغرب حول هذا الموضوع، ولا انعكاس فيه للمتطلبات العربية ولا حتى لأبسط المتطلبات المنطقية.
فهو يتجاهل تماما من تسبب بالمأساة التي جاء ليتعامل معها، فليس يذكر المتحدثون المصاب الأكبر المتمثل بالعدوان الهمجي بأعتى أسلحة الدمار التي ينتجها الغرب ذاته الذي يتباكى على انعدام وصل الماء والدواء والغذاء للمدنيين المحاصرين منذ عشرين عاما، ولا يذرف دمعة على من قضوا تحت ركام بيوتهم المدمرة بفعل القصف وليس بفعل زلزال لا قبل لأحد بمنعه، ولا يقدم المشاركون أية ملامة لمن حرق الأطفال أو أعدم نزلاء المستشفيات، بل يتحدثون عن تحسين طرق إيصال المساعدات من غير لوم من يقطع الطريق ويقتل من يحملها، وكأن منع وصولها تم بسبب الأحوال الجوية أو الطبيعية.
نتوصل في النتيجة أن اعتقاد البعض أن مثل هذه المؤتمرات ستنجح في تنفيس الهيجان الذي يعتمل في النفوس، هو وهم غير صحيح، أو يظن أن الشعوب ستنسى وتغفر للمقصرين هو مخطئ.
ليعلم الواهمون إن قطار التطبيع الذي توقف بسبب العدوان، لن يعاود المسير، بل سينكفئ ويعود القهقرى، ولن يمكن للأنظمة بعد اليوم تسويقه، فقد أحيى السابع من تشرين الأمل في النفوس بالتحرير والعودة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى