وراء الحدث

#وراء_الحدث
د. #هاشم_غرايبه
مع انتهاء مباريات كأس العالم في كرة القدم، التي أجريت في قطر، يجدر بنا تقييم هذا الحدث، والذي نال اهتماما واسعا، حتى من قبل من لا يتابعون الرياضات العالمية (مثلي)، كون هذه التظاهرة العالمية تجري لأول مرة في وطننا العربي.
منذ أن حصلت قطر على تنظيم هذه البطولة قبل اثني عشر عاما، لم يتوقف أعداء الأمة من الأوروبيين عن محاولة إفشال ذلك، كما حاول ذلك مناصرو أنظمة (سايكس – بيكو) الاستبدادية، لنقمتهم على قناة الجزيرة بسبب انفرادها بتأييد الثورات الشعبية العربية عام 2011 على الطغاة، فقاموا بالحشد الدعائي ضد نظام قطر السياسي، وبث التشكيك في الجدوى من إقامة هذا المونديال.
ولأن قطر نالت نقمة التحالف الرباعي (مصر والسعودية والإمارات والبحرين)، بسبب رفضها الانخراط معه في موقفه المستجيب لمطلب العدو الصهيوني باعتبار حركة المقاومة الإسلامية (حماس) منظمة إرهابية، فقد شككت أجهزة إعلام هذا التحالف بقدرة قطر على تحقيق هذا المشروع الضخم.
هكذا التقى معادو الأمة الخارجيين مع منافقيها الداخليين، كالمعتاد في كل الحقب التاريخية، سواء في المنازلات القتالية أو السياسية أو المنافسات التجارية أو حتى الرياضية.. إذ سرعان ما تجد هذا التحالف يلتئم للنيل من الأمة وعلى أي صعيد.
الآن وقد نجحت قطر في هذا الإنجاز، وبشكل باهر، أخرس الحاقدين والمشككين والمثبطين، يمكننا تقييم أهم النتائج التي تحققت.
1 – على صعيد إثبات الذات تقنيا وإداريا وتنظيميا، لا مجال لإنكار التفوق عن كل ما أنجزته الدول المتقدمة، ليثبت أن أمتنا لديها القدرة على منافسة العالم الأول، وتنجح بل وتتفوق إن امتلكت قيادتها السياسية العزيمة على الصمود، والإرادة على تغليب المصلحة العامة.
2 – على صعيد منافسة الفرق العربية فقد ثبت من خلال وصول الفريق المغربي الى نصف النهائي، ومن خلال تغلب المنتخب السعودي والتونسي على كلي الفريقين المتنافسين على البطولة النهائية، أن لدى أبناء هذه الأمة الإمكانية للوصول الى القمة بين كل الأمم، بقليل من إخلاص المسؤولين.
3 – لقد أثبتت جماهير المشجعين أننا أمة واحدة، ففوز الإنكليز مثلا يتحمس له الإنكليز فقط، ولا يفرح فوزهم الفرنسيين ولا الألمان ولا الإسبان، وكذلك مع باقي الأمم، كل منتخب دولة لا يفرح لفوزه إلا بضع عشرات الملايين، أما مباراة فيها أي فريق عربي، تجد أن متابعيهم لا يقتصرون على القطر الذي يمثلونه، بل كل العرب، ففي المدرجات، يصطفون جميعا، ومن كل الأقطار العربية معه، بل يتابعهم على التلفاز أكثر من مليار مسلم من كل بقاع الأرض، تشرئب عيونهم إليهم، وبالحماس ذاته، ويدعون لهم بالفوز.
4 – لعل أكبر المكاسب الإعلامية كانت في تعرّف الأجانب على هذه الأمة عن كثب، فالأوروبيون عموما شعوب جاهلة، معلوماتهم الثقافية مستقاة من الإعلام المتحيز، الذي طالما صور المسلم: الرجل في أذهانهم ذو لحية مشعثة وعيون مرعبة، والمرأة مقموعة محبوسة في البيوت.
فلا شك أن اطلاعهم المباشر على ديار الأمة وحضارتها، واحتكاكهم بأفرادها أدى غرضا تنويريا لهم، عوض تقصير سفارات وإعلام الأنظمة المتخاذل.
5 – من ضمن الإنجازات الحضارية كان الإصرار على الالتزام بثقافة الأمة وقيمها، فكان الحزم بمنع مظاهر المثلية وحظر ادخال المشروبات الكحولية الى الملاعب، وعدم الرضوخ للضغوط والتهديدات بالمقاطعة، لكن الصمود وصلابة الموقف اثمرا في انصياع الجميع، فكانت النتيجة تحقق المراد، ونال المنظمون الاحترام والتقدير، بل إن كثيرا من النساء الغربيات أبدين التقدير لهذا القرار، وأكدن أنهن يحسسن بالإطمئنان أكثر مما هو في بلادهن، وأنهن شعرن بالراحة لانعدام التحرش بهن من السكارى، الذي كن يواجهنه في ملاعب بلادهن مما كان يدفعهن للإحجام عن حضور المباريات.
6 – انكشف زيف الادعاء الغربي بفصل الرياضة عن السياسة بحرمان الروس من المشاركة، فيما تم التغاضي عن احتلال العراق وافغانستان.
وأخيرا فالمكاسب المعنوية لقطر خاصة وللأمة عامة أعظم كثيرا من المكاسب المباشرة آنفة الذكر، وتفوق كثيرا المكاسب من الدخل السياحي المتحقق، وهي تعوض النفقات الهائلة التي أنفقت.
وتبقى كل كلفة أنفقت في بناء وإعمار البلاد نافعة… وخير من الأموال التي تكدس في خزائن الغرب.
فالإنفاق فيما ينفع البلاد والعباد يخلفه الله، لكن كنز المال عند أعداء الله سيكون حسرة عليهم في الدنيا وندامة في الآخرة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى