ودمع لا يُكفكَف يا #دمشق
د. #حفظي_اشتية
على #جبل_قاسيون الأشمّ مقابل جبل الشيخ العظيم، وقف التاريخ الجليل يقلّب صفحات الزمان، عبر ستة الآف عام وأزيَد، فتوالت الحضارات تترى:
-كانت شمس #حضارات الدنيا لمّا تزل في خدرها بعدُ عندما نبغت حضارة كيش في #سوريا في الألف الرابع قبل الميلاد، ثم انتقلت إلى العراق لتؤسس مدينة “أكّاد”، وتطلق شعلة الحضارة الأكّادية.
ثمّ ظهر الأموريون في سوريا ليكونوا بعدئذ منبع حضارة بابل في العراق، وملكها حمورابي صاحب الشريعة الإنسانية العادلة الأولى.
واصطبغت #الشام بالصبغة العربية مع الهجرات الكنعانية من الجزيرة العربية، التي انبثقت عنها حضارة الفينيقيين الذين أسسوا المدن الساحلية الخالدة مثل: صيدا وطرطوس، وكانوا سادة البحار بلا منازع، فجابوا المتوسط، وأسسوا على الساحل التونسي مدينة” قرطاجة” لتبقى شوكة في حلق اليونان وروما.
وأهدى الكنعانيون للبشرية الأبجدية الكنعانية القديمة، التي اشتقت منها أبجدية “أوغاريت” السورية، وهي هدية عظمى قُدمت للإنسانية.
ثم ظهر الآراميون، وامتدوا إلى العراق لتظهر الحضارة البابلية وملكها العظيم نبوخذ نصّر.
وتوالى اصطراع الحضارات عبر الزمان بين راحلة ومقيمة، بائدة وسائدة، فلمع الحيثيون، واليونان، والرومان، ليظهر الدين الإسلامي الحنيف أخيراً، فتطير أجناد العرب المسلمين لتُطيح بحضارة الفرس والرومان في بضع سنين، ويقف هرقل على إحدى روابي سوريا صائحا نائحا:
وداعا يا سوريا، وداعا لا لقاء بعده!!!
وكأنّ صرخته تلك كانت حكما أبدياً بأنّ هذه الأرض كانت عربية، وعادت عربية، وستظل عربية إسلامية، فلقد عبرت جحافل المغول والتتار والصليبيين، ثم زالت، وتتالت محاولات طمس عروبتها وما زالت …. زرعوا الفتنة بين الإخوة في الدين، فقسا القوي على الضعيف، وتأرجحت المشانق في ساحة المرجة، ووقعنا جميعا ضحايا مكر وخداع المستعمرين، فعادوا ليصرخ اللنبي في فلسطين: الآن انتهت الحروب الصليبية، بينما كان غورو يرفس برجله النجسة قبر صلاح الدين في دمشق صائحاً: ها قد عدنا يا صلاح الدين.
وعلى مدى أكثر من قرن منذ ذلك الحين ما زلنا نعاني، وندفع المهر تلو المهر من دمائنا أنهارا وأنهارا!!!
-وقد جاءت كارثة الزلزال الأخيرة لتؤكد المؤكَّد :
مضت أيام منذ حصول الكارثة، فجّرت فينا كلّ مخزون الآلام…. مَن منا ذاق طعم النوم الطبيعي؟ أو تهنّأ بشراب أو طعام؟ أو تنعّم بالدفء وهو يرى إخوته غارقين تحت معاناة تنوء بحملها الجبال : تدميراً وهلعاً وموتاً وجراحاً وظمأً وجوعاً وصبراً مرّاً وجزعاً ويأساً….. ؟؟؟!!!!!!
وقد زاد ألمنا، وأثار حنقنا، وأيقظ دفين أحزاننا هذا الاختلال في المعايير الإنسانية عند هذا العالم الغربي اللئيم:
لقد دمروا بلداننا بحجة الشفقة على شعوبنا من حكوماتها، وذرفوا الدموع السخينة الإعلامية المزيفة على أحوالنا، وأرادوا اقتيادنا غصباً لتعلّم أبجديات ديمقراطياتهم المعوجّة المختلّة، نصروا بعضنا على بعضنا وهم لنا كارهون، وزرعوا الفرقة بيننا، وحوّلونا إلى مِزق وأشتات هيهات أن تجتمع…..
وها قد (تجلّت رحمتهم بأعجب صورها) إذ حجبوا أدنى أساسيات المساعدات والإغاثات الإنسانية عن الشعب السوري بكل أطيافه وكافة أماكنه وألوانه…..
فهل من متّعظ؟ وهل من معتبر؟ وهل من مدّكر؟ وهل من مقتنع بأننا “أي العرب” في هذا العالم الوحشي وحدنا، وأنه لابدّ من جمع شملنا، والتكاتف فيما بيننا، ونُصرة الضعيف فينا، وإغاثة الملهوف المحتاج لأخيه منّا…
لمَ يتراخى كثير من عظماء الأدباء والكتّاب والمثقفين عن رفع الغشاوة عن عيوننا، والدعوة إلى ضرورة الالتئام والتعالي على الجراح، فقد كان الأدب دوما مشعل هداية للتائهين، قالها أحمد شوقي قديماً:
” لم تَثُر أمّةٌ إلى الحق إلّا بهُدى الشعر أو خطا شيطانِه
قد قضى الله أن يؤلّفنا الجر حُ وأن نلتقي على أشجانِه
كلما أنَّ في العراق جريحٌ لَمَس الشرقُ جنبَه في عُمانِه”
وكأنّ أحمد شوقي أيضاً يصف حالنا هذه الأيام، ويصيح بنا من وراء سُجُف الزمان :
سلامٌ من صبــا بـردى أرُّقُّ ودمعٌ لا يكـفـكَـفُ يا دمشــقُ
وبي ممّا رمتـكِ به الليــــالي جراحاتٌ لها في القلب عُمقُ
نصحتُ ونحنُ مختلفون داراً ولكنْ كلُّنا في الــهمّ شــــرقُ
ويجمعنا إذا اختــلفتْ بــــلادٌ بيانٌ غيـرُ مختـلفٍ ونطــــقُ
أمّا ربنا العظيم فيقول وهو أصدق القائلين:
(واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا) فهل نحن فاعلون قبل فوات الأوان؟؟؟!!!