وداعًا يا صاحب القلب الكبير.. عمي جاسر: رحلة فداء وحب لا تنتهي
رحل عمي جاسر (باجس) إلى رحمة الله تعالى، وشيع جثمانه الطاهر وسط حزن عميق ملأ قلوب المقربين منه، ووسط دموع غسلت عيون من أحبوه، وهم يدعون الله له بالرحمة والمغفرة.
كان رحمه الله أستاذًا في التاريخ، وكان حديثه بلاغة تنبع من قلبه، وكأن الكلمات تخرج من فمه كالرصاص كيف لا، وهو المقاوم الفدائي في فلسطين، الذي اعتقل في زنازين الاحتلال، التي كانت جدرانها شاهدة على صموده وتضحياته.. وُلد في أرض فلسطين، وترعرع في أرض عمان، فكانت هذه الأرضان موطنًا للفخر والحب في قلبه.
جاسر، رحمه الله، الف كتابًا حيًا، مليئًا بالقصص التي لا تعد ولا تحصى.. أستاذًا في التاريخ، في السياسة، في اللغة العربية، وكان الرجل النبيل المهذب الذي اختزن في قلبه الحكمة.
كان جاسر، رحمه الله، يعشق ابنته الكبيرة، التي كانت قرة عينه، وكان يتمنى لها السعادة في كل لحظة، ورمشه وجفن عينه كانا يعيشان من أجلها.. كان يحب الكحل في عيون ابنته نهى، ويعشق ابتسامة فتاته الصغيرة ايمان، ويبتسم داخل قلبه من ايمان مهى، ويحب ظرفة ومزحات ابنه مراد، ويدعوا الله في قلبه دوماً ان يحفظ له قرة عينه محمد وراتب اللذان موجودان خارج البلاد لكنهم لم يفارفقوا يوما او ساعة صورتهم عنه.
ويهوى احفاده كلهم، وجلسة مع زوجته كان ملك الدنيا بما فيها..كانها تبدو له حكايات وتفاصيل لا ترويها كتب ولا مؤلفات
أما في ذاكرته، فكانت هناك امرأة واحدة فقط، اختزلت الكون بما فيه، وهي زوجته أسماء. فقد قضى عمره بجانبها، عاش معها لحظات الفرح والحزن، تناقشا معًا، ضحكا معًا، عاشا سويًا في كل لحظة. كانت هي كل ما يمتلكه، والعكس صحيح.
كان عمي جاسر إنسانًا بسيطًا، لم يضر أحدًا، ولم يتشاجر مع أحد، وكان حلمه أن يعيش ما تبقى من عمره مع زوجته وأبنائه. كانت أحلامه بسيطة، فهو رجل يعشق شرب الشاي، والجلوس للتأمل، والاستماع لنشرات الأخبار والتلفاز. كان يميل إلى الوحدة والعزلة، فلم يشتكِ منه أحد قط.. عاش بسلام وهدوء، وغادر الحياة بهدوء، دون أن يزعج أحدًا أو يثقل.
ابريق من الشاي لديه بالنسبة له تغنيه عن ملذات الدنيا كأنه يتذوق منه قصائد وشعر، كأنه يتذوق من مشروبات الجنة، كان الشاي لديه هو رفيقه وهو الذي يونسه في وحدته، كانه كان يحكي مع الشاي قصصاً وكأنه صديقه.
عمي جاسر، في الجنة نلتقي، أنا وأنت وجميع أحبابك وأحبائنا، حيث لا مكان للشر أو الحقد أو الحزن.. هناك، تلتقي بحوريتك أسماء، وهي تلتقي بعريسها جاسر، في موطننا الأبدي، حيث لا ألم ولا فراق.