وثائق سرية أخفيت لأكثر من 81 عاما تكشف حقائق جديدة لتقسيم فلسطين

#سواليف

أكاديمي صارم، وضابط متوسط الرتبة، وحاكم محلي متغطرس، هم ثلاثة #بريطانيين وضعوا الأسس  الأولى لتقسيم #فلسطين وبداية #النكبة، حينما اجتمعوا ضمن لجنة واحدة، رسمت الخريطة الأولى لكل ما حصل.

بدأ كل ذلك قبل النكبة بـ10 سنوات، حينما أرسلت #بريطانيا المستعمرة حينها لجنة للتحقيق في أسباب #ثورة_فلسطين الكبرى عُرفت باسم لجنة بيل.

وقد تسابق أفراد هذه اللجنة لنيل رضا رؤسائهم وقدّموا ما اعتبروه حلًا ناجعًا لذلك الصداع الذي لا ينتهي، لتظهر أول خريطة قسّمت فلسطين لدولتين.

ولأكثر من 81 عامًا، ظلّت محاضر جلسات اللجنة السرية حبيسة الأرشيف البريطاني، وفي سطور تلك المحاضر تكمن الحكاية.

وتكشف إحدى الوثائق حقائق جديدة حول #تقسيم_فلسطين وتلقي الضوء على نكبتها. ولأن لكل شيء بداية، فالبداية الفعلية لهذه الوثيقة ترجع إلى الثورة الفلسطينية الكبرى. 

وتقول أستاذة التاريخ في جامعة مكغيل ليلى بارسونز، هناك فئة من الوثائق عن العالم الاستعماري تعتبر حساسة لدرجة أنها لم تُطرح في نظام الأرشفة، واحتفظ بها سرّا في مكتب وزارة الخارجية.

وبحسب بارسونز، “فحتى عام 2017 أي بعد 81 عامًا، تم إخراج هذه الوثائق من الأرشيف السري في وزارة الخارجية إلى الأرشيف الوطني وأصبحت متاحة لنا”.

وقد حصلت بارسونز على تلك الوثائق السرية من خلال باحث ما بعد الدكتوراه كان يعمل في الأرشيف الوطني، فرأى ملفًا جديدًا بدا له شيقًا فوجد أن الشهادات السرية موجودة بداخله، وأرسل لها نسخة منها.

الثورة الفلسطينية الكبرى

في عام 1930، زاد استحواذ اليهود على الأراضي العربية بنسبة 300% مقارنة بالعام السابق.

وعزّزت وجودهم في فلسطين موجات هجرة ترافقت مع حركة بناء متزايدة للمستوطنات تحت حماية بريطانيا، فحوصر العرب في أرزاقهم وأراضيهم.

حضرت لجنة بيل للوقوف على أسباب اندلاع ثورة فلسطين

حضرت لجنة بيل للوقوف على أسباب اندلاع ثورة فلسطين

وتفجّرت الأوضاع إثر اكتشاف شحنة أسلحة سرية ليهود وصلت من بلجيكا عبر ميناء يافا، وخُبئت داخل براميل مخصصة لاستيراد الأسمنت.

وفي عام 1935، قاد الشيخ عز الدين القسام أبرز جهود المقاومة المسلحة في حينها، ليعتبر استشهاده خلال اشتباكه مع القوات البريطانية بمثابة شرارة انطلاق الثورة الفلسطينية الكبرى.

وأرغمت هذه الثورة والإضراب الذي رافقها بريطانيا على حشد قوات عسكرية في فلسطين أكثر من تلك التي كانت موجودة في شبه القارة الهندية آنذاك.

وعند ذاك المنعطف التاريخي، أرسل ساسة لندن اللورد روبرت بيل على رأس لجنة تحقيق إلى فلسطين عُرفت رسميًا باسم اللجنة الملكية لفلسطين للوقوف على أسباب استياء السكان في تلك المستعمرة، واقتراح تغييرات على سياسة الاستعمار البريطاني.

وصول لجنة بيل إلى القدس

وفي صبيحة يوم شتوي من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1936، وصل بيل ورفاقه إلى القدس. استمعت اللجنة إلى عشرات الأشخاص ونُشرت محاضر الشهادات في حينه، فيما أخفيت محاضر الشهادات السرية.

وتعتبر بارسونز “أن لجان التحقيق كانت جزءًا في غاية الأهمية من بنية الحكم الاستعماري البريطاني، وكانت أداة رئيسية للتعامل مع الأزمات. وفي هذه الحالة كانت الأزمة هي الثورة الفلسطينية عام 1936”.

وتقول: “كان أخطر تحدٍ يواجهه الحكم البريطاني منذ بدء الانتداب. لذا وكعادة البريطانيين فقد قاموا بإرسال لجنة في محاولة لتهدئة الأمور ومنح فرصة للجيش”.

بقيت محاضر لجنة بيل السرية محفوظة بشكل سري طيلة 81 عامًا.

بقيت محاضر لجنة بيل السرية محفوظة بشكل سري طيلة 81 عامًا.

وتلفت إلى أن مقرّ الوكالة اليهودية في لندن كان يستقبل عددًا من المسؤولين والمنظمات الصهيونية التي كانت تمارس ضغوطًا قوية لتنظيم هذه اللجان.

وبحسب أستاذة التاريخ، أدت الضغوط إلى مشاركة بعض أعضاء المنظمات في اللجنة المذكورة للاطلاع على ما يحصل في التحقيقات.

وبلغ عدد الشهادات العلنية 260 شهادة والسرية 61، لكن الأخيرة جاءت أطول بكثير من تلك العلنية.

العرب قاطعوا اللجنة 

كان العرب يطالبون بوقف هجرة اليهود، لكن طلبهم رُفض فقاطعوا اللجنة. وأدلى المسؤولون البريطانيون بشهاداتهم وكذلك الصهاينة.

وبعد الضغط على العرب بهدف إعطاء شرعية لعمل اللجنة، فاستسلم الفلسطينيون لتلك الضغوط وتخلوا عن المقاطعة في يناير/ كانون الثاني 1937، لتقتصر مشاركتهم لاحقًا على الجلسات العلنية فقط.

وقد نصّ قانون الاستعمار البريطاني على الاعتراف بالوكالة اليهودية آنذاك ممثلًا رسميًا لليهود ولتقديم المشورة فيما يتعلّق بتنظيم هجرتهم إلى فلسطين، لكن ما قامت به لجنة بيل كان إفراطًا في تفسير هذا البند بصورة جائرة، كما تقول سطور تقريرها.

واعتبرت أستاذة التاريخ أن قبول الفلسطينيين بالمشاركة في شهادة سرية كان سيعتبر تخليًا عن الوقوف مع الثورة، كما قد يتهمون بالتعاون مع البريطانيين.

وتستبعد بارسونز أن تكون مشاركة العرب في الشهادات السرية قد تُحدث فرقًا آنذاك، “لأن كل شيء كان قد خطط في الأساس ضدهم”.

شهادات حاسمة في تقرير اللجنة

وبحسب الوثائق، كان دوغلاس هاريس الضابط البريطاني ذو الرتبة المتوسطة عاملًا في القوة الاستعمارية، وكان من أشد المتحمسين لقرار التقسيم، حتى إن حجم شهادته السرية أمام اللجنة أكبر بخمس مرات من شهادات الآخرين. وقدّم خرائط استُخدمت للوصول إلى خريطة التقسيم النهائية كما ترجح الدراسات.

وتضم الشهادات شهادة لويس أندروز حاكم لواء الجليل الذي ناصب العرب العداء طوال فترة توليه السلطة في فلسطين، وكان يرى في التقسيم حلًا ناجعًا للقضاء على الفوضى ولإخلاء مسؤولية الاستعمار ورجاله تجاه ما يحدث. وقد قُتل بعد أسابيع فقط من تقديم اللورد بيل تقريره النهائي.

وبحسب بارسونز، فقد “لعب أندروز دورًا هدامًا في هذه الجلسات السرية، لأنه أخذ دور المتحدث الرسمي عن وجهة النظر العربية، لكنه كان يدفع اللجنة نحو قرار التقسيم”.

أرفق تقرير لجنة بيل بخريطة استخدمت في ما بعد كأساس لخارطة التقسيم الأممية عام  1947.

أرفق تقرير لجنة بيل بخريطة استخدمت في ما بعد كأساس لخارطة التقسيم الأممية عام 1947.

أمّا الرجل الثالث والأكثر حضورًا في صفحات الشهادات السرية، فكان ريجنالد كوبلاند وهو أكاديمي صارم مختص في التاريخ الاستعماري وقادم من أوكسفورد. وعمل الأخير بمهمات عدة تتعلق بالمستعمرة البريطانية قبل أن يشارك في لجنة بيل. وهو الرجل الذي ألمح لحاييم وايزمان خلال استجوابه من قبل اللجنة أن يطالب بتقسيم  أرض فلسطين رسميًا.

وتلفت أستاذة التاريخ ليلى بارسونز إلى أن اللجنة لم تكن تعرف الكثير عن فلسطين وكانت تتعلم من خلال التجربة.

ذرائع تبرّر التقسيم

كان المشرفون على اللجنة يبحثون عن ذرائع تبرر خيارهم في التقسيم، بعضها سياسي لحفظ ماء وجه الإمبراطورية وأخرى شخصية تتعلّق بطموحات فردية لا أكثر.

ويبدو ذلك واضحًا في الحوار الذي دار بين كوبلاند وحاييم وايزمان، حيث تقول الوثيقة: “دون تراجع أعاد كوبلانج وايزمان إلى مبدأ التقسيم الأساسي من خلال طرح السؤال، هل يمكن أن يكون اتفاقًا نهائيًا وسلميًا لإنهاء الانتداب بالاتفاق وتقسيم فلسطين إلى نصفين، حيث تكون السهول دولة يهودية مستقلة مثل بلجيكا مع علاقات معاهدة مع بريطانيا، وبقية فلسطين بالإضافة إلى الأردن تكون دولة عربية مستقلة مثل الجزيرة العربية؟”، فأجاب وايزمان: “اسمحوا لي ألا أعطي إجابة نهائية الآن”.

وبزيارة ميدانية اقتصرت على شهرين فقط، نُشر التقرير النهائي وجاءت التوصية بالتقسيم بصورة موجزة في آخره مع خريطة مرفقة استخدمت فيما بعد أساسًا لخارطة التقسيم الأممية عام 1947.

عكست اللغة التي كُتبت فيها توصيات تقرير لجنة بيل جهلًا حقيقيًا للذين كتبوها لما يجري في فلسطين.

عكست اللغة التي كُتبت فيها توصيات تقرير لجنة بيل جهلًا حقيقيًا للذين كتبوها لما يجري في فلسطين.

وفي حديثها ، تؤكد بارسونز أنه يمكن الوثوق في هذه الوثيقة باعتبارها دليلًا حقيقيًا لما حدث في غرفة الجلسات السرية، لكنها لا تعكس ما الذي حدث في الاجتماعات غير الرسمية، حيث يعتقد أنه نوقش خلالها تفاصيل التقسيم. وتضيف: “تلك المناقشات غير الرسمية خارج القاعة مهمة جدًا في صناعة التاريخ”.

وتتحدث عن دور الشهادات البريطانية التي شكلت رقمًا كبيرًا من مجمل الشهادات في قرار اللجنة.

وتضيف: “أعتقد أنه ليس من الصواب القول إن الصهيونية لم تفكر على الإطلاق في التقسيم قبل أن تأتي لجنة بيل إلى فلسطين، وبالتأكيد لدينا دليل على أن وايزمان قد فكر في الأمر وناقشه مع زملائه، لكن من المؤكد أن كوبلاند هو من كان المحرض الفعلي”.

لقد عكست اللغة التي كُتبت فيها توصيات تقرير لجنة بيل جهلًا حقيقيًا للذين كتبوها بما يجري في فلسطين، وهو ما بدى في التعبيرات الحتمية والحاسمة التي استُخدمت. 

كما تعتبر بارسونز أن لجنة بيل كانت بالنسبة للفلسطينيين كارثة حيث كانت التوصية بالتقسيم أسوأ ما قد يحدث للفلسطينيين، وقد أدّى ذلك إلى تصاعد الثورة الفلسطينية وتكثيف الوحشية البريطانية في قمعها.

وبحلول عام 1939 عندما سحق البريطانيون الثورة، قاموا بنفي أو سجن كل القادة الفلسطينيين، ما أدى لإضعاف القيادة السياسية الفلسطينية مع دخولها تلك السنوات الحاسمة التي سبقت عام 1948.

وعلى الجانب الصهيوني، رأى الصهاينة أن البريطانيين لأول مرة كانوا مستعدين في سياسة رسمية لدعم دولة يهودية ذات سيادة في فلسطين، وبدأوا في التخطيط على أساس تلك الخريطة.

المصدر
العربي الجديد
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى