سواليف
ثارت “وثائق بنما ” التي نشرها “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين”، ومقره واشنطن على موقعه الإلكتروني، الأحد 3 أبريل/نيسان 2016، عاصفة من الجدل وردود الفعل في عدد من الدول خاصة من ورد ذكرها في الوثائق التي أظهرت تورُّط بعض القادة السياسيين بالعالم في أعمال غير مشروعة.
أستراليا ونيوزيلندا تتحريان الأسماء
وتتحرى سلطات الضرائب في أستراليا ونيوزيلندا أمر عملاء محليين وردت أسماؤهم في التسريبات وذلك للتحقق من حالات تهرُّب ضريبي محتملة.
ومن المرجح أن تقام دعاوى قضائية بعد تسريب أكثر من 11.5 مليون وثيقة من ملفات مؤسسة “موساك فونسيكا” القانونية وكشف تفاصيل عن مئات الآلاف من العملاء.
و”وثائق بنما” هي محور تحقيق نشره، أمس الأحد، الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين، وأكثر من 100 مؤسسة إخبارية أخرى في مختلف أنحاء العالم.
وذكرت صحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” الألمانية أنها حصلت على عدد هائل من الوثائق وتبادلتها مع منافذ إعلامية أخرى.
وتغطي “وثائق بنما” المسربة فترة تتجاوز 40 عاماً من 1977 حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويزعم أنها تظهر أن بعض الشركات التي توجد مقارها الرسمية في ملاذات ضريبية تُستغل فيما يشتبه أنها عمليات غسل أموال وصفقات سلاح ومخدرات إلى جانب التهرب الضريبي.
وقال جيرارد رايل، مدير الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين: “أعتقد أن التسريب سيثبت أنه أقوى ضربة توجه لعالم المعاملات الخارجية بسبب حجم الوثائق”.
وقالت صحيفة “الغارديان” البريطانية إن الوثائق كشفت عن شبكة من صفقات معاملات خارجية وقروض سرية بقيمة ملياري دولار تقود إلى أصدقاء مقربين من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. ولم يتسنّ لرويترز تأكيد هذه التفاصيل على نحو مستقل.
ولم يرد ديمتري بيسكوف، وهو متحدث باسم الكرملين، على طلب من رويترز للتعقيب اليوم الاثنين.
وقال بيسكوف الأسبوع الماضي إن التقارير التي تناولت تعاملات مالية لعازف التشيلو سيرغي رولدوغين، وهو صديق لبوتين، وغيرها من التقارير ذات الصلة جزء من حملة ذات دوافع سياسية لتشويه سمعة الرئيس قبل سلسلة من الانتخابات.
وذكرت هيئة الضرائب الأسترالية، اليوم الاثنين، أنها تتحرى أكثر من 800 عميل ثري لـ”موساك فونسيكا”.
وأضافت الهيئة في بيان: “ربطنا الآن بين أكثر من 120 منهم وبين مقدم خدمات شريك موجود في هونغ كونغ”. ولم تذكر هيئة الضرائب الأسترالية اسم الشركة الموجودة في هونغ كونغ.
وقال مايكل كرانستون، نائب مفوّض هيئة الضرائب الأسترالية، إن هيئته تعمل مع الشرطة الاتحادية الأسترالية ومفوضية مكافحة الجريمة في أستراليا وجهاز مكافحة غسل الأموال؛ للتحقق من البيانات الواردة في الوثائق. وأضاف أن بعض الحالات قد تحال إلى قوة مهام الجرائم المالية الخطيرة.
ويشمل الـ800 شخص الذين يجري التحقيق بشأنهم بعض دافعي الضرائب الذين جرى التحقيق معهم فيما سبق، إلى جانب آخرين تقدموا لهيئة الضرائب بموجب مبادرتها للكشف عن الدخل خارج البلاد. وسمحت المبادرة الطوعية للكشف عن الدخل التي انتهت في أواخر عام 2014 بالتقدم للهيئة وتفادي العقوبات القاسية والاتهامات الجنائية.
لكن هيئة الضرائب قالت إن الأفراد الذين يخضعون للتحقيق بينهم أيضاً عدد كبير من دافعي الضرائب الذين لم يتقدموا من قبل.
“اختراق” قاعدة بيانات
ونفى رئيس “موساك فونسيكا” ارتكاب أي مخالفة، لكنه أقر بحدوث اختراق ناجح لكنه “محدود” لقاعدة بيانات المؤسسة.
ووصف مدير المؤسسة رامون فونسيكا الاختراق والتسريب بأنه “حملة دولية ضد الخصوصية”.
وقال فونسيكا الذي ظل حتى مارس/آذار مسؤولاً كبيراً في حكومة بنما في مقابلة عبر الهاتف مع رويترز، أمس الأحد، إن المؤسسة التي تتخصص في تأسيس شركات المعاملات الخارجية “أوفشور” أسست أكثر من 240 ألف شركة، وإن “السواد الأعظم” منها استخدم “في أغراض مشروعة”.
وأشارت الوثائق أيضاً إلى تورُّط أفراد في أسرة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في شركات معاملات خارجية، وبينهم ابنته مريم وابنه حسين. ونفى وزير الإعلام الباكستاني برويز رشيد أي تجاوز من جانب شريف.
وقال: “يحق لكل شخص فعل ما يريد بالأصول التي يملكها.. يمكنه إلقاءها في البحر أو بيعها أو تأسيس صندوق لها. هذه ليست جريمة بموجب القانون الباكستاني ولا القانون الدولي”.
ونفى حسين نواز، ابن رئيس الوزراء الباكستاني، في تصريحات لقناة “جيو” التلفزيونية أي شبهة غير قانونية بشأن ملكية الأسرة للشركات أو أنشطة الشركات نفسها.
وقال: “لا أخفي شيئاً ولست بحاجة إلى أن أخفيه.. هذه الشركات مشروعة بموجب القانون البريطاني حتى لا يضطر المرء إلى دفع ضرائب غير ضرورية”.
وذكرت أيضاً وكالة الضرائب في نيوزيلندا أنها “تعمل عن كثب” مع شركائها في معاهدة ضريبية للحصول على التفاصيل الكاملة لأي دافع ضرائب في نيوزيلندا قد يكون متورطاً في ترتيبات عبر “موساك فونسيكا”.
من ناحية أخرى ذكرت تقارير إعلامية أن البيانات المسربة تشير إلى صلة بين عضو في لجنة القيم بالاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) ومسؤول كروي في أوروغواي اعتقل العام الماضي في إطار تحقيق أميركي واسع النطاق بشأن مزاعم فساد في مجال الكرة.
وذكرت لجنة القيم في الفيفا في بيان، أمس الأحد، أن خوان بيدرو دامياني، وهو عضو في غرفة قضائية باللجنة، يخضع للتحقيق بسبب علاقة عمل محتملة بينه وبين يوغينيو فيغيريدو، وهو مسؤول من أوروغواي، اعتقل في زيوريخ العام الماضي.
وقال دامياني لرويترز في مونتيفيديو إنه قطع علاقاته بفيغيريدو عندما اتهم الأخير بالفساد
بريطانيا تطلب الوثائق
وطلبت بريطانيا، اليوم الاثنين، نسخة من الوثائق لتفحص البيانات وتتعامل مع أي تهرب ضريبي محتمل.
والتسريب الذي كشف تفاصيل عن مئات الألوف من العملاء مؤسسة “موساك فونسيكا” القانونية في أماكن مختلفة قد يكون محرجاً لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي انتقد علناً التهرب الضريبي.
وذكرت وسائل إعلام بريطانية أن والده الراحل إيان كاميرون ورد اسمه ضمن أكثر من 11.5 مليون وثيقة من ملفات الشركة إلى جانب عدد من أعضاء مجلس اللوردات عن حزب المحافظين الذي ينتمي له ومشرعين سابقين ومانحين للحزب. ورفض مكتب كاميرون التعليق.
هولاند يعد بتحقيقات في فرنسا
وأكد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الاثنين، أن ما كشفته التحقيقات الأولية عن الملاذات الضريبية سيؤدي الى تحقيقات في فرنسا، وشكر الذين كشفوا هذه المعلومات، متوقعاً أن تجني خزينة الدولة منها “موارد ضريبية”.
وقال هولاند إن “كل المعلومات التي ستسلم ستخضع لتحقيقات مصلحة الضرائب ولإجراءات قضائية”. وأضاف أن “كل التحقيقات ستجرى وكل الإجراءات ستنفذ وستجري محاكمات على الأرجح”.
وتابع الرئيس أن “معرفة هذه المعلومات نبأ سار لأنه سيكون لدينا موارد ضريبية من الذين قاموا بعمليات تهرّب”. وأوضح أنه في 2015 “أبلغ الذين قاموا بتهرب بضرورة إعادة 20 مليار يورو، استعادت الخزينة 12 ملياراً منها”.
وأضاف “لذلك أشكر المبلغين وأشكر الصحافة التي تحركت، ولا شك لديّ بأن محققينا مستعدون تماماً لدراسة هذه الملفات، وهذا جيد من أجل الأخلاق ومن أجل ماليتنا العامة”.
وقال الرئيس الفرنسي: “بفضل هؤلاء المبلغين أصبحت لدينا الآن معلومات. هؤلاء المبلغون يقومون بعمل مفيد للأسرة الدولية ويجازفون ويجب حمايتهم”.
عائلة رئيس وزراء باكستان تردّ
من جهتها دافعت عائلة رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف، الاثنين، عن امتلاكها شركات أوفشور بعد أن ورد اسمها في أوراق تم تسريبها في بنما، في إحدى أكبر التسريبات في التاريخ.
وتعتبر مسألة الحصول على عائدات مسألة حساسة بشكل خاص للحكومة الباكستانية التي حصلت على صفقة إنقاذ بقيمة 6,6 مليار دولار من صندوق النقد الدولي، وتبلغ نسبة الضرائب على إجمالي العائد المحلي 11%، وهي من بين الأدنى في العالم.
وأظهرت التسريبات التي اشتملت على 11,5 مليون وثيقة من مكتب “موساك فونسيكا” للمحاماة، كيف أن عدداً من أكثر الأشخاص نفوذاً في العالم هرّبوا أموالهم الى ملاذات آمنة.
ومن بين هؤلاء أولاد نواز شريف الأربعة: مريم التي يُعتقد أنها ستكون خليفته السياسية، وحسن وحسين اللذان تظهر السجلات أنهما تملكا شركة عقارية في لندن من خلال شركات أوفشور أدارها مكتب المحاماة.
وصرّح عمر شيما من مركز التحقيقات الاستقصائية في باكستان لوكالة فرانس برس: “نواز شريف لا يملك أي شركة باسمه، إلا أن امتلاك أولاده شركات يثير التساؤلات”.
وشارك المركز الباكستاني مع “الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين”، الذي أمضى شهوراً في تفحّص الوثائق قبل الكشف عنها على الإنترنت أمس الأحد.
وصرح شيما بأنه “يوجد أكثر من 200 باكستاني حددهم تقريرنا، ومن بينهم محامون وأعضاء في البرلمان وعدد من رجال القضاء”.
ودعا زعيم المعارضة عمران خان الى التحرك ضد نواز شريف. وقال في تغريدة: “تم التأكيد على موقفنا مرة أخرى بعد الكشف عن إيداع ثروة شريف في الخارج”، مضيفاً أن لجنة المحاسبة في البلاد وسلطات الضرائب ومفوضية الانتخابات يجب أن تتحرك.
إلا أن حسين ابن شريف قال لإذاعة “جيو”، أكبر إذاعة خاصة في البلاد، إن عائلته “لم ترتكب أي خطأ”. وأكد أن “هذه الشقق لنا، وشركات الأوفشور هذه أيضاً لنا”.
وأضاف “ليس هناك ما يعيب فيها، ولم أخفها أبداً ولست بحاجة الى إخفائها”. وقال إنها “وبموجب القانون البريطاني وقوانين الدول الأخرى طريقة قانونية لتجنب الضرائب غير الضرورية عبر شركات الأوفشور”.
وأوضح حسين أنه غادر باكستان في 1992 وبالتالي فإنه لا يعتبر مقيماً فيها، مضيفاً أن قوانين الضرائب الباكستانية “تقول إنه إذا لم تكن مقيماً في باكستان لأكثر من 138 يوماً، فأنت غير مُلزم بالكشف عن أصولك”.
وبشأن دعوة عمران خان لمكتب المحاسبة الوطني للتحقيق، قال حسين: “نحن نقدم أنفسنا طوعاً أمام المكتب أو أية مؤسسة قضائية أو جهة تحقيق أخرى في باكستان”.
ونفى وزير الإعلام الباكستاني برويز رشيد كذلك ارتكاب أولاد شريف أية جرائم.
وأثناء توليه منصب رئيس الوزراء دعا شريف الى الاستثمار في باكستان. إلا أن التسريبات الأخيرة قد تثير تساؤلات حول السبب في وجود أموال عائلته خارج البلاد.
وذكر تقرير لوزارة التعاون الدولي البريطانية العام الماضي أن اقتصاد باكستان يواجه “أزمة وجود” بسبب معدلات جمع الضرائب المثير للشفقة وعدم القدرة على تمويل نفسها.
وقال المحلل المالي علي نادر إن استخدام شركات الأوفشور كان مشروعاً في بعض الحالات. إلا أنه أضاف: “نعتقد أن القادة السياسيين وقادة الأعمال سيخضعون لضغوط للدفاع عن أنفسهم وسط تحرك العالم لرصد الأموال والتهرب من الضرائب وتبييض الأموال والفساد بشكل أكبر”. وبيّن “قد يؤدي ذلك الى إجراء تحقيقات محلية”.
المطالبة باستقالة رئيس وزراء أيسلندا
ودعت رئيسة الحكومة الأيسلندية السابقة يوهانا سيغوردادوتير، رئيس الوزراء الحالي، الى الاستقالة بعد اتهامه في التحقيق الدولي حول أرصدة كبار المسؤولين في الملاذات الضريبية.
وقالت سيغوردادوتير في رسالة نشرتها على فيسبوك، مساء أمس الأحد، إن “على رئيس الوزراء (سيغموندور ديفيد غونلوغسون) الاستقالة على الفور”. وأضافت “يجب أن لا يكون للناس رئيس للوزراء يخجلون به.. أثبت رئيس الوزراء شكوكه بالعملة والاقتصاد الأيسلنديين من خلال إيداع أمواله في ملاذ ضريبي. ويبدو أن رئيس الوزراء لا يفهم ماذا تعني الأخلاق”.
وسيغوردادوتير (اشتراكية – ديمقراطية) التي ترأست الحكومة الأيسلندية بعد أزمة سياسية خطيرة في 2009، معروفة بنزاهتها واستقامتها.
ويتبين من الوثائق التي كشف عنها الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن رئيس الوزراء الحالي سيغموندور ديفيد غونلوغسون (وسط يمين) أسس مع زوجته شركة في الجزر العذراء البريطانية ليخفي فيها ملايين الدولارات.
وكان غونلوغسون الذي انتخب في 2013 بناءً على وعد بوقف الممارسات التي أدت الى توالي الأزمات المالية في الجزيرة، أعلن منذ ذلك الحين ثقته بالتاج الأيسلندي.
وفي 2008، كانت أيسلندا أول بلد في أوروبا الغربية يطلب خلال ربع قرن قرضاً من صندوق النقد الدولي. وهي تتخلص تدريجياً من عواقب الأزمة المالية التي واجهتها في تلك الفترة.
ويزعزع الكشف عن هذه المعلومات أيسلندا التي شهدت فائضاً مالياً في سنوات الألفين. وقد وقع أكثر من 16 ألف أيسلندي عريضة طالبوا فيها باستقالته، وستطلب المعارضة التصويت على حجب الثقة في البرلمان هذا الأسبوع.
وستجتمع اللجنة الدستورية للبرلمان اليوم الاثنين، كما ذكرت الإذاعة – التلفزيون الرسمي.
وتغطي “وثائق بنما” المسربة فترة تتجاوز 40 عاماً من 1977 حتى ديسمبر/كانون الأول الماضي، ويزعم التحقيق الذي نشره الأحد الاتحاد الدولي للصحفيين الاستقصائيين أن الوثائق تُظهر أن بعض الشركات التي توجد مقارها الرسمية في ملاذات ضريبية تستغل فيما يشتبه أنها عمليات غسل أموال وصفقات سلاح ومخدرات إلى جانب التهرب من الضرائب.
هافينغتون بوست