#وثائق إن ضاعت إسرائيل ضاعت
وجدة : مصطفى منيغ
ألجَمَت إسرائيل نفسها بتلقائية نابعة عن خيبة أمل ، أسوأ منها ما عرفت خلال إقامتها عن اغتصابٍ المكان لاَ أكثر ولا أَقَل ، فغدت رغم كلامها صامتة تحرِّك مقومات التعبير المباشر فلا يُسمَع منها حِسّ مقال ، تشعر بالظَّاهرة فلا تجد منها مناصاً إلاَّ بالإشارات عن كلِّ استعمال ، تريد منه إثبات وجود عمَّن أصبح يسأل ، مَن صنَع بها لتبدو بمثل التراجع المُذِلِّ غير المنتهي بزوال ، بل دائماً يظلّ يُعيدها للتفكير ألف مرة قبل الإقدام على القتال ، وما عايشته من إحساسٍ بالنَّقصِ في كل شيء بالمقارنة مع جُند حماس نُقِشَ فيما احتفظت به حتى في الخيال ، مِن هَلَعٍ مُلَوَّن باصفِرارِ الشُّحوبِ واحمِرار على جلدِها يُسال .
… قد تنقدها الهُدنة في استرجاع القدرة على الكلام لنقل التلاسن العقيم لوسطها الداخلي المصدوم على جميع المستويات مهما كان المجال ، فلا الحكومة هادئة كما يتطلَّبه الموقف ولا الشارع مرتاح البال ، فعلامات الهزيمة تستبق الإعداد الإستعجالي لإعادة الكرَّة لتكسير عزيمة الهلال ، كما يتجلى لحاملي راية نجمة داوود الطامعين بتنفيذ المراحل الأخيرة لتعميق الاحتلال ، الهدف الأسمى الذي لا أحد من الفلسطينيين به يقبل ، ومِن سوء طالع إسرائيل خوضها غمار حرب بين أحضان مجهول لا تدري بموجبه شيئا عمَّن سيتحداها فوق ساحة الوَقعِ الجَلَل ، لتندهش من أخطاء تقديرات أجهزة مخابراتها التي كان يُضرَب بدهائها كل الأمثال ، وتحاول بجيش دفاعها تكريس الانتقام من المدنيين العُزَّل ، متباهية بما هو مُحرَّم في جميع القوانين الدولية الإنسانية لتصبح قاطفة ثمار الفشل ، الذي انطلقت به إسرائيل لمراحل العجز البيِّن مُتداول على امتداد أجيال ، جائز أن تكون داخل إحداها قد تبدَّدت كبخارٍ متصاعدٍ بدفعٍ مِن تفاعل هواء مُبلَّل يتبادل ، عسى يلتقط التاريخ بقايا صورة تَهَشُّمِ غرورِ كيان صاحبتها انطلاقاً من سابع أكتوبر المنصرم غيَّرت إسرائيل ما سادها من حال ، إلى قطيعة بالتدرُّج من هزيمة إلى فقدان السُّمعة إلى المَسكنة المفعمة بضعف انتكاسة منتشرة الدلالات والأبعاد من جنوب البسيطة إلى الشمال .
… المُضحِك أنَّ إسرائيل بالرَّغم مِن إخفاقِها الكُلِّي تتبجَّح باختيار مصير غزَّة حُكماً و نِظاماً وتنظيماُ سبيل تغيير أُسُسِملامحها السياسية وتركيباتها الجوهرية المُقاوِمَة الآنية بالتَّمام والكمال ، متجاهلة جذور تلك الأرض المزروعة منذ قِدَمِ القِدم تعداد زمانها يفوق كل احتمال ، في تلك المنطقة بالذات من خلال تِّقنية طبيعية بعيدة كل البعد عن طاقة الفهم البشري المحدود مهما عِلْم المَعنيِّ تَجَلَّل ، باستثناء الإحساس الموهوب لحِكمة معيَّنة المرتبط أساساً بتربية تلقائية موروثة بعقلية مستوطنيها الأصليين أباَ عن جَد كل يمرِّر للآخر أعزَّ مِشعل ، المحصَّنين بإرادة أقدارٍ لن تستطيع إسرائيل مهما حاولت المَسّ ولو بذرة منها لتبقَى متماسكة الأوصال ، وبمن فوقها كما كانوا على نفس التشبُّث بما عُرِفوا به من تصرُّفات وأفعال ، أولها الحرية متبوعة بالكرامة مرفوقة بالأنفة مزدانة بنور الإيمان لدى النِّساء كالرِّجال .
… مقاتلو حماس اقتحموا وكر المخابرات الصهيونية ليتمكنوا بيسر فائق (يوم السابع من أكتوبر المجيد) من الحصول والاستيلاء المطلوب على جميع الوثائق والآليات وما يُسَخَر في العمليات المخابراتية الدقيقة وأزيد من ذلك إلقاء القبض على مسؤولي ذاك الوكر الذي تعتبره إسرائيل ركنا أساسيا من الأركان الأمنية العاملة على تقديم مجمل البيانات والمعلومات لإقدام الدولة العبرية على تنفيذ خططها ومنها العسكرية . من ضمن الوثائق ما يتضمن أسماء عملاء إسرائيل داخل غزة ، وبيانات تخص بعض الحكام وارتباطهم بالتوافق الملاحظ الجاعل من هذه الدولة غير قلقة لتنفرد خلال مرحلة معينة بالقضاء على الفلسطينيين وإلحاق أراضيهم لفائدة التوسُّع الاستيطاني الإسرائيلي ، وأشياء تمكِّن من القول أن أمريكا تتعامل في المنطقة بوجهين مختلفين ، أحدهما يبتسم لإسرائيل والأخر كلما قابل فلسطين تجهَّم ، ملفات خطيرة الآن بين أيدي حماس ، ممَّا يجعل إسرائيل تتخبَّط مع كيفية اجتياز مثل المصيبة التي حتمت عليها تغيير ما شيدت عليه خطط العشر سنوات القادمة ، ممَّا يجعلها متحمِّسة لمواصلة حرب مختلفة داخل غزة ، ليس من أجل تحرير أسراها ولا فرض احتلال جديد على القطاع ، ولكن لاسترجاع وثائق إن ضاعت ، إسرائيل بما بنته منذ سنوات طوال ضاعت
مصطفى منيغ
مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا