والسماء ذات الحبك

والسماء ذات الحبك
الدكتور منصور أبوشريعة العبادي \ جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية

لقد وصف القرآن الكريم أجرام السماء الدنيا بأوصاف كثيرة لم يتمكن البشر من فهم مدلولاتها إلا في هذا العصر الذي تمكن فيه علماء البشر في مجالي الفيزياء والفلك من كشف معظم مكونات السماء الدنيا أو ما أسموه الكون المشاهد. وبما أن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لم يقم بتفسير الآيات المتعلقة بالكون فلقد كان جل ما قام به علماء التفسير هو تفسير معاني هذا الأوصاف وأنى لهم أن يفعلوا غير ذلك وهم يجهلون في الأصل وجود معظم هذه الموصوفات. فعلى سبيل المثال عندما قام المفسرون بتفسير قوله تعالى “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)” الذاريات أوردوا جميع المعاني المحتملة لكلمة الحبك وبما أن الحبك له ارتباط وثيق مع حبك القماش والنسيج فقد ذهبوا إلى القول بأن المعنى هو السماء ذات الشدة والمتانة أو ذات الزينة أو ذات الطرائق وغير ذلك من الأقوال. ولقد كشفت أبحاث علماء الفيزياء الفلكية مع نهاية القرن العشرين وهم يحاولون رسم صورة متكاملة لبنية الكون المشاهد حقائق مذهلة عن هذه البنية وخصوصا ما يسمى بالنسيج الكوني (cosmic fabric) أو الشبكة الكونية (cosmic web). وفي هذا النسيج الكوني وجد العلماء أن عناقيد المجرات الفائقة (galaxy superclusters) ليست موزعة بشكل منتظم في الفضاء بل تتجمع على شكل خيوط مجرية (galaxy filaments) متقاطعة تاركة بينها مناطق خالية من المجرات أو ما يسمى بالفجوات (voids) وهذه الخيوط المجرية أضخم ما تم إكتشافه من أجرام سماوية. وتظهر هذه الخيوط والفجوات للناظر إليها على شكل شبكة الصيد أو بيت العنكبوت أو النسيج المحبوك وهو ما أشار إليه القرآن بكل دقة في قوله تعالى “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)” الذاريات.

ونعد لتوضيح لماذا لم يقم نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم بتفسير الآيات المتعلقة بالكون للصحابة الكرام. فمن القواعد المتبعة في تدريس معظم أنواع العلوم في المدارس والجامعات هي أن لا يدرس الطالب موضوعا ما إلا إذا توفرت لديه الخلفية العلمية الكافية لفهمه أو ما يسمى بالمتطلب السابق. ولقد ورد عدد من الاحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه القاعدة ففي صحيح البخاري عن علي رضي الله عنه قال (حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله) وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود قال (ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) وعن ابن عباس قال (أمرنا معاشر الأنبياء أن نخاطب الناس على قدر عقولهم). وفي القرآن الكريم وردت آيات كثيرة تؤكد على أن الناس أعداء ما يجهلون كما في قوله تعالى “بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (39)” يونس. لقد ترك الله عز وجل للبشر بما وهبهم من عقول كشف أسرار الكون ليتبين لهم عند اكتشاف مكوناته ومقارنتها مع ما جاء في القرآن الكريم من وصف مختصر ودقيق لها أن الله عز وجل حق كما أكد على ذلك سبحانه في قوله “سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)” فصلت، وفي قوله سبحانه “وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (93)” النمل.

أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها

مقالات ذات صلة

يتباهي البشر ويعجبون بما يبنون من مباني وقصور ولكن قليل منهم من يتفكر ويعجب من هذا البناء العظيم الذي بناه الله عز وجل لهم وهي هذه السماء الدنيا التي قال فيها سبحانه “أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ (6)” ق. ولقد تمكن علماء البشر بما وهبهم الله عز وجل من عقول وبما أحاطهم بشيء من علمه سبحانه من كشف الطريقة البديعة التي تم بها بناء هذا الكون المشاهد لكي يعيش البشر فيه آمنين مطمئنين. فقد بدأت محاولات فهم الطريقة التي بني بها هذا الكون منذ ما يزيد عن ألفي وخمسمائة عام بعد أن طرح الفيلسوف اليوناني فيثاغورس فكرة أن كروية الأرض وذلك في منتصف القرن السادس قبل الميلاد. ولقد قام الفلكي اليوناني إراتوستينس في القرن الثالث قبل الميلاد بقياس محيط الأرض بشكل تقريبي وبذلك تم تبني نظرية الأرض الكروية في مختلف الأوساط العلمية. وعلى الرغم من أن نموذج الأرض الكروية فسر كثير من الظواهر الفلكية إلا أنها فشلت في تفسير كثير من حركات النجوم والكواكب التي كان يعتقد أنها تدور حولها. وفي عام 1539م قام الفلكي البولندي كوبرنيكوس بوضع نظرية مركزية الشمس والتي أكد فيها أن الأرض وبقية الكواكب هي التي تدور حول الشمس وأن الأرض أيضا تدور حول نفسها كل يوم مرة واحدة. وفي عام 1609م قام الفلكي الالماني يوهانز كبلر بوضع ثلاثة قوانين تجريبية تحكم حركات الكواكب التي تدور حول الشمس مما سهل من تفسير حركات جميع الكواكب. وفي عام 1687م أثبت العالم الانجليزي اسحق نيوتن نظريا قوانين كبلر التجريبية باستخدام قانون الجاذبية وقوانين الحركة التي اكتشفها بنفسه. وقد قام العلماء فيما بعد بالاعتماد على قوانين نيوتن بتحديد خصائص الشمس وجميع الكواكب حولها وكذلك أقمارها من حيث أحجامها وأوزانها وأشكال وأبعاد مدراتها وتحديد مسارات المذنبات ودراسة ونجوم درب التبانة.

وفي عام 1750م اقترح الفلكي الانجليزي ثوماس رايت فكرة أن درب التبانة هي مجرة تتكون من عدد كبير من النجوم تدور في مدارات حول مركز المجرة كما تدور الكواكب حول الشمس. وفي نهاية القرن الثامن عشر تمكن الفلكي الفرنسي تشارلز ميسير من تحديد ما يزيد عن مائة جرم تقع خارج درب التبانة ومع استخدام التلسكوبات الكبيرة في القرن التاسع عشر تبين أن أجرام ميسير ما هي إلا مجرات تقع خارج مجرة درب التبانة. وفي بداية القرن العشرين تمكن علماء الفلك باستخدام التلسكوبات العملاقة من تحديد أشكال المجرات وأحجامها وبعدها عن الأرض وكذلك اكتشاف أعداد هائلة منها. وفي عام 1929م اكتشف الفلكي الأمريكي إدوين هابل (Edwin Hubble) بالاعتماد على قياس مقادير الإزاحة الحمراء (red shift) في الطيف المنبعث من أعداد كبيرة من المجرات أن البعيدة منها تنحسر بسرعات أكبر من القريبة ثم قام بوضع القانون المعروف بقانون هابل (Hubble’s law). لقد جاء هذا الاكتشاف تأكيدا لما وصل إليه الفلكي والرياضي الروسي الكسندر فريدمان في عام 1922م حيث قام بإعادة حل معادلات النسبية العامة التي وضعها ألبرت أينشتاين في عام 6191م وتبين له أن الكون في حالة توسع دائم وذلك على عكس ما توصل إليه أينشتاين الذي أثبت أن الكون ساكن. إن مثل هذه الظاهرة لا يمكن تفسيرها إلا من خلال افتراض أن هذه المجرات قد انطلقت من مكان واحد في هذا الكون وتطايرت في جميع الاتجاهات. وفي عام 1931م اقترح القس البلجيكي لامتير (Lemaître) سيناريو للطريقة التي نشأ بها الكون وهو أنه قد ظهر نتيجة لانفجار ضخم (massive blast) لما يسمى بالبيضة الكونية (cosmic egg) والتي كانت تحتوي على جميع مادة وطاقة هذا الكون وقد أطلق على هذا الإنفجار فيما بعد اسم الانفجار العظيم (Big Bang). ومع نهاية القرن العشرين تبين أن المجرات لا توجد بشكل منفرد بل توجد على شكل مجموعات محلية ومن ثم تتجمع المجموعات على شكل عناقيد مجرية ثم تتجمع العناقيد على شكل عناقيد مجرية فائقة.

ويقدر العلماء بشكل تقريبي عدد المجرات في الكون المشاهد بثلاثمائة بليون مجرة يحتوي كل منها في المتوسط مائة بليون نجم وما يتبعها من كواكب وأقمار وغازات وغبار ما بين نجمي. وقد قدر العلماء كتلة الكون المشاهد برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 3 بالرقم 10 مرفوع للأس 52 كيلوغرام أي ما يعادل 15 ألف بليون بليون كتلة شمسية (solar mass). أما كمية الطاقة الموجودة في هذا الكون فتقدر برقم يساوي حاصل ضرب الرقم 4 بالرقم 10 مرفوع للأس 69 جول. وهذه الطاقة تشمل الطاقة الكامنة في كتلة الكون والطاقة الحركية للإلكترونات في دورانها حول أنوية الذرات والطاقة الحركية للأقمار والكواكب والنجوم وهي تدور في مداراتها المختلفة وللمجرات وهي مندفعة بسرعات خيالية في الفضاء. ومن الواضح أن مصدر هذه الطاقة الهائلة لا بد أن يكون قد صدر من إنفجار كوني ضخم ملأ الكون بهذه الكمية الهائلة من الجسيمات الأولية أو الدخان حسب التعبير القرآني والتي كانت تندفع بسرعة وبطاقة حركية خيالية بعيدا عن مركز الإنفجار. إن هذه الطاقة الحركية الهائلة هي التي وضعت الأقمار حول كواكبها والكواكب حول شموسها والشموس حول مراكز مجراتها وهي التي تدفع بالمجرات الضخمة بالإندفاع بسرعات خيالية لمستقراتها. وإذا كان البشر قد استخدموا الصواريخ لوضع الأقمار الصناعية في مدارات حول الأرض فإن الله عز وجل وضع الأجرام السماوية في مداراتها المختلفة من خلال هذا الإنفجار العظيم حيث تكونت دوامات من ذرات المادة في مختلف أنحاء الكون وهي تنطلق بهذه السرعات الخيالية نتيجة لفعل الجاذبية بينها. ومن الصعب تخيل سيناريو آخر غير الإنفجار الكوني يمكنه أن يفسر وضع هذا الكم الهائل من الأجرام السماوية في مداراتها المختلفة وبهذه السرعات الخيالية.

لقد جاء في القرآن الكريم كثير من الآيات القرآنية التي ترسم صورة في ذهن المتلقي عن بنية هذا الكون وأبعاد وأحجام أجرامه. فقد أشار القرآن إلى أن الكون مكون من سبع سموات يطبق بعضها على بعض أي أنها على شكل كرات كل سماء تحيط بالسماء التي قبلها كما جاء في قوله تعالى “الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (3)” الملك وقوله تعالى “أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15)” نوح. ويحيط بالسموات السبع كرسي الرحمن والذي يحيط به عرش الرحمن مصداقا لقوله تعالى “وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255)” البقرة وقوله تعالى “قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) ” المؤمنون. وأشار إلى أن السماء الدنيا أو الأولى أو ما يسميه العلماء الكون المشاهد قد زينها الله بالنجوم والبروج والكواكب كما جاء في قوله تعالى “وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)” الملك. وأشار إلى أهم مبدأ يقوم عليه بنيان هذا الكون وهو أن الكون لن يكون مستقرا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حركة دائمة وذلك في قوله تعالى “لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)” يس. وأشار إلى ضخامة هذا الكون بأن أقسم الله عز وجل بمواقع النجوم وذلك في قوله تعالى “فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)” الواقعة. وأشار إلى أن النجوم تتجمع على شكل مجموعات أسماها العلماء المجرات وذلك في قوله تعالى “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)” البروج. وأشار إلى أن المجرات تتتشكل في داخل خيوط ضخمة من الغازات وتكون هذه الخيوط ما يشبه الشبكة أو النسيج وذلك في قوله تعالى “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)” الذاريات. وللتدليل على عظمة خلق أجرام السماء أكد القرآن الكريم على أن التعقيد في خلقها أكبر من تعقيد خلق الناس على ما في خلقهم من تعقيد وذلك في قوله تعالى “أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29)” النازعات وقوله تعالى”لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (57)” غافر.

وكل في فلك يسبحون

لقد أشار القرآن الكريم إلى أهم مبدأ يقوم عليه بنيان هذا الكون وهو قوله تعالى “لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)” يس. فلقد وجد العلماء أن هذا الكون لا يمكن أن يكون مستقرا أبدا إلا إذا كان كل جرم من أجرامه في حالة حركة مستمرة ولو حدث أن توقف أي جرم عن الحركة لانجذب فورا إلى أقرب الأجرام إليه بسبب قوة الجاذبية التي أودعها الله عز وجل فيها. ولقد اختار الله سبحانه وتعالى نوعين من أنواع الحركة لهذه الأجرام لكي تبقىى مستقرة بالنسبة لما حولها من أجرام ودون أن تتصادم مع بعضها البعض إلا نادرا. فأولها الحركة الدائرية والتي تقوم بحفظ الأقمار حول الكواكب والكواكب حول الشموس والشموس حول مراكز المجرات. ولوقف هذه المتوالية اختار الله عز وجل الحركة الخطية لحفظ المجرات من الإنجذاب لبعضها البعض فجعلها تتحرك في خطوط مستقيمة وباتجاهات متباعدة من مركز ما سمي بالإنفجار الكوني العظيم . إن حركة الأجرام الدائرية حول مراكز دورانها يمكن أن تبقى إلى ما لانهاية حيث أنها تسبح في فضاء لا وجود لقوى الاحتكاك فيه ولكن حركة المجرات الخطية لا يمكن أن تستمر إلى ما لانهاية وذلك بسبب تأثير قوة الجاذبية لجميع مجرات هذا الكون على كل مجرة. ومما يدل على إبداع من خلق هذا الكون أن قوة الانفجار هذا قد تم حسابها بشكل بالغ الدقة بحيث يكون لهذا الكون عمرا محددا لا يعلمه على وجه التحديد إلا الله عز وجل حيث قدرالعلماء ما مضى من عمر الكون ما بين ثمانية وخمسة عشر بليون سنة فسبحان القائل “بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (117)” البقرة.

وزينا السماء الدنيا بمصابيح

لقد أشار القرآن الكريم إلى أن السماء الدنيا أو الأولى أو ما يسميه العلماء الكون المشاهد قد زينها الله بالنجوم والبروج والكواكب كما في قوله تعالى “وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ (5)” الملك وقوله تعالى “وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (12)” النحل وقوله تعالى “وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)” الحجر وقوله تعالى “إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ (6)” الصافات. ولقد أشار القرآن الكريم كذلك إلى مواصفات بعض أنواع هذه النجوم كما في قوله سبحانه “وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ (2) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (3)” الطارق وقوله سبحانه “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)” التكوير وقوله تعالى “وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (49)” النجم. وبغض النظر عن طبيعة النجوم التي تتحدث عنها هذه الآيات إلا أنها تؤكد على وجود أنواع مختلفة من النجوم في هذا الكون وأنها عظيمة الشأن وما أقسم الله بها إلا للفت أنظار البشر إلى عظيم شأنها وعجيب صنعها. ولقد أشار القرآن كذلك إلى أن هذه النجوم لها نهاية وليس كما كان يظن البشر من أنها أزلية كما في قوله تعالى “إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ (1) وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ (2)” التكوير وقوله تعالى “إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ (1) وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ (2)” الانفطار وقوله تعالى”فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (8)” المرسلات وقوله تعالى “وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)” النجم. إن المصطلحات التي استخدمتها هذه الآيات كالتكوير والإنكدار والطمس والإنفراج والإنتثار والهوي في وصف أحوال النجوم تدل دلالة واضحة على الأحداث التي تجري في النجوم عند نفاد وقودها فالتكوير هو إنهيار النجم على نفسه والإنكدار هو تغير حال النجم إما بالتمدد أو بالإنفجار والطمس هو إنطفاء النجم وتوقف إشعاعه والإنتثار هو تطاير النجوم والكواكب وخروجها عن مداراتها.

لقد قسم العلماء النجوم إلى ثلاثة أقسام رئيسية تبعا لكتلتها الإبتدائية وهي النجوم صغيرة الكتلة (small-mass stars) وتتراوح كتلتها بين عشر إلى نصف كتلة الشمس والنجوم متوسطة الكتلة (intermediate-mass stars) بين نصف إلى ثمانية أضعاف كتلة الشمس والنجوم عالية الكتلة (high-mass stars) وهي التي تزيد كتلتها عن ثمانية أضعاف كتلة الشمس. أما إذا قلت كتلة النجم عن عشر كتلة الشمس فإن ضغطه ودرجة حرارته لا تكفي لإشعال فتيل التفاعل النووي فيه ويطلق اسم القزم البني (brown dwarfs) على مثل هذا النجم غير المشع. وفي النجوم صغيرة الكتلة يكون معدل حرق الهيدروجين بطيئا بسبب إنخفاض درجة حرارة باطنها لذا يطول عمرها الذي يبلغ مائة بليون سنة وهي تشع ضوء أحمر بسبب تدني درجة حرارة سطحها وتسمى الأقزام الحمراء (red dwarfs). إن مثل هذه النجوم لا يمكنها أن تحرق إلا الهيدروجين وعند نفاذه فإنها تنطفأ وتنكمش على نفسها لتتحول إلى أقزام بيضاء (white dwarfs) ومن ثم إلى أقزام سوداء(black dwarfs).

أما النجوم متوسطة الكتلة فتبدأ حياتها كنجم أولي (protostar) ثم يمر في مرحلة إنتقالية يتمدد خلالها النجم ويتقلص بشكل دوري ويسمى بالنجم المتذبذب (T-Tori star) ثم يستقر ليصبح ما يسمى بالنجم الإعتيادي (main-sequence star). وعندما تقل كمية الهيدروجين في باطن النجم عن حد معين ينهار النجم بشكل مفاجيء ويتقلص حجمه وتزداد درجة حرارته إلى ما يزيد عن مائة مليون درجة وهو الحد اللازم لبدء عملية الإندماج النووي للهيليوم لينتج بذلك الكربون والأوكسجين. وبسبب الحرارة العالية التي تنتجها عملية الإندماج النووي للهيليوم يتمدد النجم بشكل كبير ويزداد حجمه وتقل درجة حرارة سطحه لتعطي ضوء أحمر ولهذا يطلق عليه العملاق الأحمر (red giant). وبعد نفاد الهيليوم تتوقف عملية الإندماج النووي وينهار النجم مرة أخرى بشكل عنيف بسبب كبر حجمه فترتفع درجة حرارة باطنه بشكل كبير ولكن ليس للحد الذي يمكنه من حرق عناصر مما يؤدي إلى إنفجاره وقذف معظم طبقاته الخارجية إلى الفضاء بينما يتحول ما تبقى منه إلى قزم أبيض ومن ثم إلى قزم أسود.

أما النجوم عالية الكتلة فتبدأ حياتها كنجم أولي ومن ثم تتحول إلى نجم إعتيادي ولكن بعمر أقصر من النجوم متوسطة الكتلة بسبب المعدلات العالية لحرق الهيدروجين وبقية العناصر. وهذه النجوم بسبب إرتفاع درجة حرارة باطنها قادرة على حرق الهيدروجين وكذلك الهيليوم في عملية الإندماج النووي وتنتج كميات هائلة من الطاقة وتشع ضوء أميل إلى الأزرق ويزيد شدة لمعانها ما بين ألف ومليون مرة عن لمعان النجوم متوسطة الكتلة. وعندما ينفد مخزون هذه النجوم من الهيدروجين والهيليوم تنهار بشكل مفاجيء وترتفع درجة حرارة باطنها إلى ما يزيد عن 700 مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق الكربون لينتج النيون والصوديوم . وعند نفاد قلب النجم من الكربون ينهار مرة أخرى وترتفع درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ألف ومائتي مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق النيون لينتج المغنيسيوم والأوكسجين. وعند نفاد قلب النجم من النيون ينهار مرة أخرى وترتفع درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ألف وخمسمائة مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق الأوكسجين الذي ينتج السيليكون والفوسفور والكبريت. وعند نفاد قلب النجم من الأوكسجين ينهار مرة أخرى وترتفع درجة حرارة باطنه إلى ما يزيد عن ثلاثة آلاف مليون درجة وهو الحد اللازم لحرق السيليكون لينتج الحديد والنيكل والكوبلت والكروم والكالسيوم والزنك والتيتانيوم. وبسبب الحرارة الهائلة التي تنتج عن الحرق النووي لهذه العناصر يبدأ النجم بالتمدد بشكل رهيب ويشع ضوءا أحمرا ولذا يسمى النجم بالعملاق الأحمر الفائق (red supergiant).

إن الحرق النووي للعناصر ينتج في النهاية الحديد وهو عنصر في غاية الإستقرار ولا يمكن حرقه نوويا رغم أن درجة حرارة النجم قد تصل إلى عشرة بلايين درجة ولهذا فهو أعلى عنصر يمكن تصنيعه من خلال الإندماج النووي. ومن الجدير بالذكر أن العناصر الأعلى من الحديد يتم تصنيعها في خارج النجوم من خلال ما يسمى بالإمساك النيوتروني (neutron capture) وفيه تقوم العناصر الخفيفة بالإمساك بالنيوترونات المتوفرة بكثرة في الكون فتتحول إلى نظائر (isotopes) وعند تحلل هذه النظائر تتحول إلى العناصر الثقيلة المختلفة. إن الحديد الناتج يبدأ بالتراكم في باطن النجوم وبعد نفاد جميع العناصر القابلة للحرق النووي في داخل العملاق الفائق يبدأ بالإنهيار فترتفع درجة حرارة باطنه إلى مئات الملايين من الدرجات. إن الحالة التي سيصبح عليها حال النجم العملاق الفائق بعد الإنهيار يتوقف على مقدار كتلة القلب الحديدي له. فإذا بلغت كتلة القلب واحد ونصف كتلة الشمس فإن القلب الحديدي سينهار وترتفع درجة حرارته إلى عشرة بلايين درجة وعندها ستتحلل ذرات الحديد إلى نيوترونات ويتقلص حجم القلب بشكل مفاجيء بحيث يصبح قطره أقل من عشرة كيلومترات ولكنه يعود فيتمدد بشكل مفاجيء ليرسل موجة صدم (shock wave) في أنحاء النجم فتفجره بشكل رهيب ليقذف بمكوناته في الفضاء الخارجي ويسمى بالمستعر الأعظم (supernova).

أما إذا زادت كتلة القلب الحديدي عن واحد ونصف كتلة الشمس ولا تزيد عن ثلاثة أضعافها فإنه سينهار ويتحول إلى قلب من النيوترونات دون أن ينفجر ويسمى النجم بالنجم النيوتروني (neutron star). ولا يتجاوز قطر هذا النجم عدة عشرات من الكيلومترات وقد تصل كثافته إلى خمسمائة مليون طن لكل سنتيمتر مكعب وتبلغ درجة حرارة سطحه ستمائة ألف درجة كلفن ولهذا فإن الضوء الصادر عنها له لون أبيض. إن جاذبية هذا النجم تزيد بمائة بليون مرة عن جاذبية الأرض ويحتاج الجسم للإفلات منه إلى سرعة هروب تبلغ مائة ألف كيلومتر في الثانية. إن النجوم النيوترونية تدور حول محورها بسرعات خيالية قد تصل إلى سبعمائة دورة في الثانية ويطلق بعضها نبضات راديوية بشكل منتظم وتسمى هذه النجوم بالنوابض (pulsars).

أما إذا زادت كتلة القلب الحديدي عن ثلاثة أضعاف كتلة الشمس فإن القلب سيتحول أولا إلى قلب نيوتروني ثم ينهار القلب النيتروني بسبب شدة الجاذبية ليتحول إلى ثقب أسود (black hole). إن قطر الثقب الأسود قد يؤول إلى الصفر تقريبا مما يعني أن كثافته تؤول إلى مالانهاية وعلى هذا فإن جاذبيته تصبح لانهائية وله القدرة على جذب والتهام الأجسام التي تقع ضمن أفقه (black hole’s horizon) وتحطيمها وتحويلها إلى نفس حالة المادة التي يتكون منها. ويبدأ الثقب الأسود حياته كثقب أسود نجمي تتراوح كتلته بين ثلاثة أضعاف و عشرين ضعف كتلة الشمس ثم يتحول بسبب إلتهامه للأجرام المحيطة به إلى ثقب أسود متوسط الكتلة تتراوح كتلته ما بين مائة وعشرة آلاف كتلة الشمس ثم يتحول إلى ثقب أسود فائق الكتلة (supermassive black holes) قد تصل كتلته إلى بليون كتلة شمسية. وغالبا ما توجد الثقوب السوداء في مراكز المجرات ويستدل عليها من خلال دراسة طبيعة حركة النجوم التي تدور حولها وكذلك إنحراف مسار الضوء الذي يمر قريبا منها. وبسبب الجاذبية اللانهائية للثقوب السوداء فإنه يستحيل حتى على الضوء الإفلات منها ولذا فهي لا تطلق أي نوع من الإشعاعات وبالتالي لا يمكن رؤيتها وتبدو كمنطقة سوداء في الفضاء. إن الثقوب السوداء تعمل كمكانس كونية وتبتلع كل ما تصادفه في طريقها من أجرام. وقد تكون هذه الثقوب السوداء هي المقصودة في قوله تعالى “فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16)” التكوير فهذه المخلوقات تتصف بالخنوس دلالة على خفائها وبالجري دلالة على حركتها في هذا الكون وبالكنس دلالة على ابتلاع أي مادة تقع ضمن جاذبيتها والله أعلم.

ويوجد أجرام مشعة غير النجوم وهي الكوازارات أو أشباه النجوم ( Quasars) حيث تشع كميات ضخمة من الضوء والأمواج الكهرومغناطيسية وأشعة إكس وعند تحليل طبيعة الإشعاعات القادمة منها وجد العلماء أنها تختلف عن إشعاعات النجوم العادية مما ينفي أن تكون نجوما ولذا أطلقوا عليها إسم أشباه النجوم. ولقد تبين للعلماء أن شبه النجم هو عبارة عن سحب كثيقة وحارة تحيط بثقب أسود فائق الكتلة يقع في قلب بعض المجرات وتستمد طاقتها من التصادمات العنيفة الناتجة بين النجوم التي يبتلعها هذا الثقب الأسود العملاق. وتعتبر أشباه النجوم أشد الأجرام السماوية ضياءا حيث يفوق شدة إشعاع بعضها أربعة آلاف بليون ضعف إشعاع الشمس ولكنها تبدو خافتة جدا لبعدها عن الأرض وتقدر كتلة الواحد منها بمائة مليون ضعف كتلة الشمس. وعند قياس مقدار الإنزياح الأحمر لأشباه النجوم وجدوا أن معظمها يبتعد بسرعات عالية عن الأرض مما يعني أنها موجودة في مجرات بدأت بالتشكل عند بداية نشأة الكون أو ما يطلق عليها المجرات النشطة (active galactic nuclei).

فلا أقسم بمواقع النجوم

لقد سبق القرآن الكريم البشر بما يزيد عن ألف عام في الإشارة إلى ضخامة أبعاد الكون المشاهد مع التأكيد على أن البشر ليس بإمكانهم إدراك هذه الضخامة بالنظر المجرد. والدليل على ذلك أنه يوجد في القرن الواحد والعشرين أشخاص ممن يسمون أنفسهم بأنصار الأرض المسطحة يعتقدون أن الشمس تبعد عن الأرض خمسة آلاف كيلومتر فقط! وفي قول الله تعالى “فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76)” الواقعة إشارة واضحة إلى ضخامة هذا الكون فالله عز وجل أقسم بمواقع النجوم وليس بالنجوم نفسها للتدليل على أبعادها وليس أحجامها. وأكدت الآية أيضا على أن البشر لا يمكنهم إدراك عظمة القسم بمواقع النجوم إلا إذا علموا فعلا بالمسافات التي تفصل بين هذه النجوم وها هم البشر في هذا العصر قد علموا عظمة هذا القسم بعد أن شاء الله سبحانه أن يحيطوا بشيء من علمه حول أبعاد هذا الكون. وقد جاء في الحديث النبوي الشريف ما يؤكد على هذه الضخامة ففي الحديث الذي رواه أبو ذر الغفاري أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكرسي، فقال رسول الله: « والذي نفسي بيده ما السموات السبع والأرضون السبع عند الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة» سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني. ولقد تبين للبشر في هذا العصر أنه لا يوجد أيّ مبالغة في الصورة التي رسمتها الأيات القرآنية والأحاديث النبوية عن حجم هذا الكون. ولقد أشار القرآن الكريم كذلك إلى أن سفر الملائكة التي تحمل أوامر الله عز وجل من السماء إلى الأرض يحتاج إلى آلاف السنين رغم أن سرعة حركتها عالية جدا كما في قوله تعالى “يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)” السجدة وقوله تعالى “تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (4)” المعارج.

على الرغم من الأبعاد الهائلة التي تفصلنا عن نجوم هذا الكون إلا أن علماء الفلك والفيزياء قد تمكنوا من معرفة أبعادها وخصائصها الفيزيائية والكيميائية وذلك من خلال النظر إليها بالتلسكوبات أو من خلال دراسة الضوء الذي يصل منها إلى الأرض بمختلف أنواع الأجهزة كالمطياف الضوئي (Spectroscope). ومن أهم هذه الخصائص بعد النجم عن الأرض وكتلته وحجمه وكثافته وعمره ولونه ودرجة حرارة باطنه وسطحه ودرجة لمعانه‏ (Brightness) وشدة إضاءته‏ (luminosity) ومعدنيته (metallicity) ونوع التفاعلات النووية والإشعاعات الصادرة منه وسرعة دورانه حول محوره‏ وحول مداراته‏‏.‏ فمن حيث بعد النجم عن الأرض فيتراوح بين 4,23 سنة ضوئية أو ما يعادل 40 ألف بليون كيلو متر وهو النجم ألفا سنتوريا (Alpha Centauri) الذي هو أقرب النجوم إلى الأرض ويقع في نفس مجرتنا و وما يزيد عن 13 بليون سنة ضوئية. ومن حيث الكتلة فتتراوح بين عشر كتلة الشمس البالغة ألفي مليون بليون بليون طن كما في الأقزام الحمراء (red dwarfs) إلى مائتين وخمسين ضعف كتلة الشمس كما في المستعرات العظمى. أما أحجام النجوم فتتراوح أقطارها بين عشرات الكيلومترات للنجوم النيوترونية (neutron star) وألف وسبعمائة ضعف قطر الشمس للنجوم فوق العملاقة (supergiant) وهذا يعني أن حجمها قد يزيد بخمسة بلايين مرة عن حجم الشمس. وأما العمر بالسنين فيتراوح بين عدة ملايين للنجوم عالية الكتلة وعشرات البلايين للنجوم قليلة الكتلة بسبب إنخفاض معدل إستهلاكها للوقود النووي. أما لون الضوء المرئي للنجم كما نشاهده من الأرض فيعتمد على درجة حرارة سطحه حيث يبدأ من الأحمر عند ثلاثة آلاف درجة مرورا بالأصفر عند ستة آلاف درجة وينتهي بالأزرق عند ثلاثين ألف درجة. أما درجة حرارة باطن النجم فتتراوح بين ثلاثة ملايين درجة كما في الأقزام الحمراء وثلاثين بليون درجة كما في النجوم النيوترونية. وأما شدة إضاءة النجم‏ (luminosity) فهو مقياس لكمية الطاقة التي يشعها في الثانية الواحدة فالشمس تشع ما مقداره 400 بليون بليون ميجاوات وهناك نجوم يزيد إشعاعها بعشرة ملايين مرة عن إشعاع الشمس. ومن حيث عدد النجوم المترافقة فهناك النجوم المفرد‏ة كالشمس والنجوم المزدوجة (Binary Stars)‏ والنجوم المتعددة (Multiple Stars) والتي تدور في مدار واحد أو أكثر حول مركز ثقلها. ‏

ونظرا للأبعاد الهائلة التي تفصل ما بين الأجرام السماوية في هذا الكون فقد استخدم علماء الفلك وحدات جديدة لقياس هذه الأبعاد وهي السنة الضوئية (light year) والفرسخ الفلكي (Parsec). فالسنة الضوئية هي المسافة التي يقطعها الضوء في السنة الأرضية وتساوي 9,46 ألف بليون كيلو متر علما بأن الضوء يقطع مسافة 300 ألف كيلو متر في الثانية الواحدة. أما الفرسخ الفلكي فيساوي 3,27 سنة ضوئية أو ما يعادل 31 ألف بليون كيلومتر تقريبا. فالقمر على سبيل المثال يبعد عن الأرض 1،3 ثانية ضوئية أو ما يعادل 384 ألف كيلومتر والشمس تبعد عن الأرض حوالي 8 دقائق وثلث ضوئية أو ما يعادل 150 مليون كيلومتر بينما يبعد أقرب النجوم إلي الأرض وهو النجم ألفا سنتوريا (Alpha Centauri) 4,23 سنة ضوئية أو 1,3 فرسخ فلكي أو ما يعادل 40 ألف بليون كيلو متر . أما أقرب المجرات إلينا فهي مجرة المرأة المسلسلة أو الأندروميدا (Andromeda) وهي تبعد 2,36 مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 22 بليون بليون كيلومتر، ويبلغ قطر المجموعة الشمسية تسع ساعات ضوئية أو ما يعادل 10 بليون كيلومتر بينما يبلغ قطر مجرة درب التبانة مائة ألف سنة ضوئية أو ما يعادل 946 مليون بليون كيلومتر. ويقدر العلماء قطر الكون المشاهد (visible universe) وهو الكون الذي يمكن أن تراه المراصد الفلكية بما يقرب من 92 بليون سنة ضوئية بينما يبلغ عمره 13,7 بليون سنة. ويبلغ متوسط المسافة بين مجرتين متجاورتين 2,5 مليون سنة ضوئية أو ما يعادل 23 بليون بليون كيلومتر أما متوسط المسافة بين نجمين متجاورين فتبلغ في المتوسط سنتين ضوئيتين أو ما يعادل 19 ألف بليون كيلومتر وأما المسافة بين الكواكب المتجاورة فتقاس بمئات الملايين من الكيلومترات. أما السرعات التي تتحرك بها هذه الأجرام في الفضاء فهي في غاية الضخامة فعلى سبيل المثال فإن الأرض تدور حول الشمس بسرعة 108 آلاف كيلومتر في الساعة والشمس تدور حول مركز المجرة يسرعة 800 ألف كيلومتر في الساعة أما مجرة درب التبانة فتندفع في خط مستقيم بسرعة تزيد عن مليوني كيلومتر في الساعة.

والسماء ذات البروج

لقد أشار القرآن الكريم إلى مكونات أخرى غير النجوم وهي البروج وهي تجمع لعدد كبير من النجوم أو ما يسميه العلماء بالمجرات (galaxies) وذلك في قوله تعالى “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1)” البروج وقوله تعالى “وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ (16)” الحجر وقوله تعالى “تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61)” الفرقان. وتتكون المجرة من تجمع هائل من النجوم والغبار والغازات والمادة المظلمة تدور حول مركز مشترك يقع في قلب المجرة والذي غالبا ما يكون ثقبا أسودا عملاقا. وتكونت المجرات نتيجة إختلالات غير منتظمة (anisotropic irregularities) حصلت في مادة الكون المكونة من الهيدروجين والهيليوم والمادة السوداء والتي كان متجانسة آنذاك فتحول الكون إلى عدد هائل من السحب الضخمة التي بدأت بالدوران حول نفسها والإنكماش لتكون ما يسمى بالمجرات الأولية (protogalaxies). وفي داخل كل واحدة من هذه المجرات الأولية حصلت إختلالات في أرجائها لتكون سحب غازية بمختلف الأحجام والتي تحول كل منها إلى نجم. وتقول بعض النظريات أن النجوم ومجاميع النجوم قد ظهرت أولا ثم حصلت إختلالات أدت إلى تجاذب النجوم المتجاورة وبدأت تدور حول مركز مشترك لها وهو مركز المجرة. ويقدر العلماء بشكل تقريبي عدد المجرات في الكون المشاهد بثلاثمائة بليون مجرة يحتوي كل منها في المتوسط على مائة بليون نجم. وفي الغالب لا توجد المجرات بشكل منفرد بل توجد على شكل مجموعات محلية (local group) تتكون من عشرات المجرات ومن ثم تتجمع المجموعات على شكل عناقيد مجرية (Galaxy clusters) والتي تحتوي على مجرات يتراوح عددها بين خمسين وألف مجرة ثم تتجمع العناقيد على شكل العناقيد المجرية الفائقة (superclusters) والتي تحتوي على عشرات أو مئات العناقيد المجرية. وعلى سبيل المثال فإن مجرة درب التبانة تقع ضمن المجموعة المحلية (local group) والتي تتكون من 54 مجرة ويبلغ قطرها عشرة ملايين سنة ضوئية وهذه المجموعة تقع بدورها ضمن العنقود المجري (Virgo cluster) والذي يتكون من مائة مجموعة وهذا بدوره يقع ضمن العنقود المجري الفائق (Virgo supercluster) الذي يتكون من مائة عنقود وبقطر يبلغ مائة مليون سنة ضوئية.

وقد تم تصنيف المجرات تبعا لحجمها أو شكلها فمن حيث الحجم فإن أحجامها تتراوح بين المجرات القزمة (dwarf galaxies) التي لا يتعدى عدد النجوم فيها عشرة ملايين نجم وما بين المجرات العملاقة (giant galaxies) التي تحتوي على أكثر من مائة ألف بليون نجم وقد يصل قطرها إلى ثلاثة ملايين سنة ضوئية. وتعتبر مجرة درب التبانة أو اللبانة (milky way) من المجرات المتوسطة الحجم إذ يقدر عدد النجوم فيها بمائتي بليون نجم ويبلغ قطرها مائة ألف سنة ضوئية بينما تقدر كتلتها بستمائة بليون كتلة الشمس . وأما من حيث الشكل فقد تم تصنيفها إلى ثلاثة أنواع رئيسية وهي المجرات الإهليلجية أو البيضاوية (elliptical galaxies) والمجرات الحلزونية أو اللولبية (Spiral galaxies) والمجرات غير المنتظمة أو الغريبة (irregular galaxies). فالمجرات البيضاوية لها شكل بيضاوي بأحجام كبيرة وتحتوي على نجوم قديمة ومعمرة تدور حول مركز المجرة بمدارات عشوائية في مختلف الإتجاهات وتحتوي على سحب سديمية (Nebula) خفيفة ولا تحتوي نجومها على العناصر الثقيلة وغالبا ما توجد في مراكز عناقيد المجرات وتشكل ما نسبته أربعين بالمائة من مجرات الكون وهي أضخم مجرة في الكون المشاهد وتبعد عن الأرض بليون سنة ضوئية وتحتوي على مائة ترليون نجم ويبلغ قطرها ثلاثة ملايين سنة ضوئية. أما المجرات الحلزونية فهي على شكل قرص (disc-shaped) بتبعج في وسطه (bulge) وتخرج من أطراف هذا التبعج عدة أذرع (arms) على شكل لولب (spiral). وهذا النوع من المجرات لها أحجام متوسطة وتحتوي على نجوم قديمة في قلبها ونجوم حديثة في أذرعها وتدور حول مركز المجرة بمدارات تقع في نفس المستوى تقريبا وتشكل ما نسبته أربعين بالمائة من مجرات الكون ومن أمثلتها مجرتنا درب التبانة. وأما المجرات غير المنتظمة فكما هو واضح من إسمها لها أشكال غير منتظمة وتحتوي على سحب كثيفة ونجوم زرقاء وتشكل ما نسبته عشرين بالمائة من مجرات الكون ومن أمثلتها مجرتي ماجلان الكبرى والصغرى ويعتقد العلماء أن المجرات تبدأ حياتها كمجرات بيضاوية ثم تتحول إلى مجرات لولبية ومن ثم إلى مجرات غير منتظمة بفعل الجاذبية بين نجومها.

والسماء ذات الحبك

لقد اكتشف العلماء مع نهاية القرن العشرين أن عناقيد المجرات الفائقة (galaxy superclusters) ليست موزعة بشكل منتظم في الفضاء بل تتجمع على شكل خيوط (filaments) تاركة ورائها مناطق خالية من المجرات أو ما يسمى بالفجوات (voids) وهي أضخم ما تم إكتشافه من أجرام سماوية. وتظهر هذه الخيوط والفجوات على شكل شبكة الصيد أو بيت العنكبوت وقد أطلق عليها العلماء أسماء مختلفة كالخيوط المجرية (galaxy filaments) وهو الأشهر وتجمعات العناقيد الفائقة (supercluster complexes) والجدر العظيمة (great walls) وكذلك الجاذبات العظيمة (great attractors). إن هذه الخيوط في غاية الضخامة إذ قد يصل طول الخيط أو الجدار إلى ما يقرب من عدة بلايين من السنوات الضوئية وقد يصل عرضه لمائات الملايين من السنوات الضوئية أما ارتفاعه فقد يصل إلى عشرات الملايين من السنوات الضوئية. وغالبا ما يوجد عند رأسي الخيط عناقيد مجرية فائقة بينما يتكون بقية الخيط من عناقيد مجرية عادية. وقد يكون في قوله تعالى “وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ (7)” الذاريات إشارة إلى مثل هذه الخيوط المجرية فالحبك كلمة ترتبط بنسج الخيوط ولذا تبدو هذه الخيوط في السماء كالنسيج المحبوك.

لقد وضع العلماء عدة نظريات لتفسير هذه الظاهرة العجيبة في بنية الكون من أشهرها تلك التي تقول أن الجسيمات التي انبثقت من الانفجار العظيم خاصة في فترة الانتفاخ (inflation) اندفعت على شكل أمواج (ripples or waves) كأمواج البحر. وهذا يعني أن الجسيمات قد تركزت عند قمم هذه الأمواج بينما خلت القيعان منها وبهذا تجمعت مادة الكون الأولية في ما يشبه الخيوط. وفي داخل هذه الخيوط وعند تقاطعاتها تكونت النجوم ومن ثم المجرات منتجة ما يشبه نسيج القماش أو بيت العنكبوت ولذا أطلقوا عليه اسم النسيج الكوني (cosmic fabric) أو الشبكة الكونية (cosmic web). ومن أعظم الخيوط المجرية ذلك المسمى بالجدار العظيم (the Hercules–Corona Borealis Great Wall) حيث يبلغ طوله عشرة بلايين سنة ضوئية وعرضه 250 سنة ضوئية وارتفاعه 20 سنة ضوئية. وأما أضخم الفجوات فهي (the Keenan, Barger, and Cowie (KBC) void) والتي يبلغ قطرها بليوني سنة ضوئية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى