واقترب الوعد الحق
د. عبدالقادر عبدالرحمن
لم يكن وزير خارجية بريطانيا (آرثر #بلفور) أول من أعطى وعدا لليهود في #فلسطين، فقد سبقه بذلك القائد الفرنسي الشهير نابليون بونابرت، وعلى ذلك يظهر قدم مسألة الوعد بالتطلع لإقامة وطن قومي لليهود، هذا المصطلح المبتدع الذي لا يوجد له تفسير حتى في القانون الدولي، ذلك أن هذا الكيان أنشئ على أساس ديني عنصري ،حيث يعطي الحق في هذا الوطن القومي المزعوم بناء على الديانة، وهذا ما لم يكن معروفا قبل قيام دولة الاحتلال الصهيوني.
هذا الكيان الهش الذي يحمل في داخله عوامل ضعفه وانقسامه لا بل وعوامل زواله ،ذلك أنه أقيم على جمع تناقضات ديمغرافية شتى في بقعة جغرافية واحدة تحمل في طياتها أسباب فنائها، فهم وإن ظهروا متوحدين فإن قلوبهم شتى ،فلا أصل ولا عرق ولا حتى لغة جامعة لهم ،وبينهم من أسباب التفرق ما صدق فيه قول الحق “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”
وقد أظهرت #الحرب الأخيرة تلك التناقضات في أجلى صورها، حتى أن بعضهم لو طالت أمد الحرب كان سيحزم حقائبه ويعود أدراجه من حيث أتى ،تاركا أرض العسل واللبن الذي وعدته به الحركة الصهيونية.
ويأتي ذلك في سياق نتائج الحرب التي كشفت عن قدرات في تغيير معادلة الردع في الجانب الفلسطيني،فلم يكن أكثر المتفائلين من المحللين يتوقع أن تصل #صواريخ #المقاومة لتدك حصون العدو في قلب فلسطين المحتلة من حيفا إلى عسقلان إلى بئر السبع جنوبا،وتجعل قطعان مستوطنيه يهربون كالفئران إلى الملاجئ،حيث لم تغن عنهم قبتهم الحديدية شيئا، وباغتتهم صواريخ المقاومة من حيث لم يحتسبوا، ولاحقتهم في عقر مستوطانتهم المغتصبة.
وكذلك لم يكن عبثا او مصادفة أن هذه الحرب جاءت كردة فعل على جرائم العدو في بيت المقدس،وتحديدا في حي الشيخ جراح ،هذا الحي المقاوم الذي يحمل رمزية عظيمة،تذكر بتحرير القدس على يد الناصر صلاح الدين الأيوبي،حيث تبقى القدس خطا أحمر لا يمكن السكوت على تجاوزه.
واذا ما اردنا ان نكون متفائلين رغم كل الذي دمرته آلة الحرب الصهيونية فان هذه الأحداث قد أعادت -من حيث اراد العدو أم لم يرد – قضية فلسطين الى الواجهة من جديد باعبارها محور ارتكاز القضايا العربية وقضية العرب الأولى والتي عانت من تهميش وغياب طويلين منذ دخول دهاليز نفق عملية السلام والتي ساهمت في تقطيع أوصال الوطن الواحد،ورسخت الانقسام الداخلي في محورين مناقضين هما :محور المقاومة ومحورالسلام المزعوم .
ومن الارتدادات غير المتوقعة لهذه الحرب أنها أعادت للذاكرة العربية ما كان يعرف بفلسطين التارخية فليست حدود فلسطين محصورة في 67 فحسب بل فلسطين كلها من بحرها لنهرها ما زالت ترزخ تحت نير الاحتلال ، وهي حقيقة كادت تندثر مع الأيام بعد اتخاذ خيار السلام كخيار استراتيجي لا بديل عنه .
وأخيرا فإن من التبعات غير المقصودة لهذه الحرب إعادة توجيه البوصلة نحو العدو الحقيقي للعرب والمسلمين ،وهو العدو الصهيوني الذي احتل هذه الأرض المباركة بمزاعم توراتية محرفة كما في الإصحاح(15) فيقول الرب لإبراهيم عليه السلام “لنسلك أعطي هذه الأرض” ولم يدرك هولاء الشرذمة من شذاذ الآفاق أن مصيرهم المحتوم إلى زوال قريب بوعد الله الحق”{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخرة لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا “.
د. عبد القادر عبد الرحمن
drabdulqader72@gmail.com