سواليف
قالت صحيفة Washington Post، الثلاثاء 26 مايو/أيار 2020، إن رئيس النظام في سوريا، بشار الأسد، يواجه أصعب مرحلة منذ ثورة المعارضين على حُكمه في عام 2011، مشيرةً إلى أنه يواجه تحديات كثيرة، بدءاً من الانشقاق في عائلته، وانهيار الاقتصاد، والتوترات المتزايدة مع حليفته روسيا، وعودة نشاط المعارضة بالجنوب.
تشير الصحيفة إلى أنه وبينما لا يوجد مَن ينافس الأسد وعائلته على السلطة، مع استعادة النظام لأجزاء كبيرة من سوريا، إلا أن الخلافات بدأت تظهر داخل العائلة الحاكمة، بين رامي مخلوف، ابن خال الأسد والأخير.
الأسد في موقف ضعيف: تزداد الضغوط على الأسد مع ازدياد سوء الأوضاع المادية للسوريين، وقالت الصحيفة إن “الاقتصاد المتدهور يدفع السوريين إلى الفقر على نحو غير مسبوق في التاريخ الحديث”، لا سيما أن حليفتيه روسيا وإيران في وضع لا يسمح لهما بضخ مليارات الدولارات التي تحتاجها سوريا لعمليات إعادة الإعمار، كما يواصل الأسد رفض الإصلاحات السياسية التي قد تفتح الأبواب أمام التمويل الغربي والخليجي.
إضافة إلى ذلك، فإن الأسد يواجه بوادر تمرّد جديد يلوح في الأفق، داخل المناطق التي استعادت قواته السيطرة عليها، خاصة في محافظة درعا التي اندلعت فيها الشرارة الأولى للثورة على حكم عائلة الأسد في مارس/آذار 2011.
لينا الخطيب، من مركز تشاتام هاوس للأبحاث في لندن، قالت للصحيفة الأمريكية إن “الأسد قد يكون أكثر عرضة للخطر الآن من أي وقت في السنوات التسع الماضية من الحرب، أصبح يعتمد بشكل كبير على الدعم الإيراني والروسي”.
أشارت الخطيب إلى أنه “ليس للأسد الآن موارد محلية، وليس لديه شرعية دولية، وليس لديه القوة العسكرية التي كان يملكها قبل النزاع”.
صراع الأسد – مخلوف: أزمة أخرى يواجهها نظام الأسد مع انتقال الخلاف بينه وبين الملياردير مخلوف إلى العلن، الذي لجأ إلى فيسبوك ليشكو من محاولات النظام لمصادرة ممتلكاته، وذلك بعدما أصبح مخلوف غير قادر على التواصل بشكل مباشر مع الأسد.
أشارت الصحيفة إلى سلسلة الفيديوهات التي نشرها مخلوف، والتي قالت إنها تنطوي على تهديدات متزايدة، إذ أبدى مخلوف معارضته لدفع أكثر من 600 مليون دولار للنظام، حيث يقول الأخير إن رجل الأعمال مَدين بالمبلغ لمصلحة الضرائب.
لكن مخلوف -وبنبرة تحدٍّ- لمَّح إلى قدرته على إحداث دمار في الاقتصاد السوري من خلال سيطرته على شبكة من الشركات التي توظف الآلاف من السوريين وتضم شبكة “سيرياتل” القوية للهواتف المحمولة، وهي أكبر شركة في البلاد.
لم يكن مخلوف الوحيد الذي وجد نفسه في هذا المأزق مع النظام، إذ عمد الأخير إلى إجبار رجال أعمال آخرين استفادوا من الحرب على تقديم الدعم لاقتصاد سوريا المتعثر، فضلاً عن أن الأسد يحاول استعادة بعض النفوذ الذي أصبح مشتتاً بين رجال الأعمال الذين يشبهون أمراء الحرب، والعديد منهم بمن في ذلك مخلوف، يديرون الميليشيات إلى جانب مؤسساتهم التجارية، على حد قول الخطيب.
أما أيمن عبدالنور، وهو صديق سابق للأسد وانشق عام 2008، فيرى أن “الأمر مختلف عن الضغط على رجال الأعمال الآخرين، هذا داخل الدائرة الداخلية”.
اعتبر عبدالنور أن مخلوف لا يشكل أي تهديد لرئاسة الأسد، لكن أسرة مخلوف في حد ذاتها هي جزء مهم من الطائفة العلوية الحاكمة في سوريا، حيث قدمت شركات مخلوف والجمعيات الخيرية والميليشيات سبل العيش لعشرات الآلاف من السوريين، مما منحه قاعدة دعم داخل المجتمع العلوي المُستاء بشكل متزايد.
أضاف عبدالنور: “لقد أصبح مخلوف كبيراً، وهذا غير مسموح به في سوريا، ممنوع أن يكبر ويصبح مهماً”، وفقاً لما قاله للصحيفة الأمريكية.
أشارت الصحيفة إلى تعليقٍ كتبه أحد الموالين للنظام على فيسبوك، ويعطي مؤشراً على الشرخ الذي أحدثته فيديوهات مخلوف داخل الحاضنة الشعبية للنظام، وقال فيه: “سيد رامي نحن كلنا معك، أنت أبو الفقراء، وهم اللصوص الذين سرقوا الشعب”.
من جانبه، قال المحلل السياسي والصحفي السوري داني مكي إن مخلوف تحدى الرئيس علانية، وهو أمر لا يتم التسامح به عادة في سوريا، مضيفاً: “ما نراه الآن ليس مجرد معارضة، بل معارضة مفتوحة للرئيس ولمؤسسة الرئاسة من قِبَل رجل أعمال، السؤال الأكبر هو ما الذي يحدث للاقتصاد على المدى الطويل؟ إنه حقاً سباق مع الزمن بالنسبة للأسد لإيجاد مخرج من هذا، فلا يقتصر الأمر على بقاء النظام، بل على البلد بأكمله”.
تدهور مستمر للاقتصاد: يُضاف الاقتصاد المتعثر إلى قائمة المتاعب التي يواجهها الأسد، حيث أشارت Washington Post إلى فقدان العملة السورية أكثر من نصف قيمتها في الشهر الماضي، وتزامن ذلك مع تضاعف أسعار المواد الغذائية الأساسية، مما يعرض سوريا لخطر الوقوع في المجاعة، بحسب تقرير لبرنامج الغذاء العالمي.
لذلك رأت الصحيفة أن المشكلة الأكبر بالنسبة للأسد هي الاقتصاد الذي دمرته الحرب، والعقوبات الأمريكية والأوروبية التي تهدف للضغط عليه، وتمنع أي نوع من الاستثمار أو تمويل إعادة الإعمار.
ولفتت الصحيفة إلى مرحلة سيئة مقبلة سيواجهها النظام، عندما ستدخل في يونيو/حزيران 2020 العقوبات الأمريكية الجديدة الصارمة حيز التنفيذ بموجب قانون يُعرف باسم قانون قيصر، يستهدف أي فرد أو كيان في العالم يقدم الدعم للنظام.
علاقات متوترة مع روسيا: إضافة إلى هذه الضغوط، فإن العلاقة بين الأسد وروسيا تشهد توترات متزايدة خلال الأيام الماضية، حيث انتقدت العديد من المقالات الأخيرة في وسائل الإعلام الروسية النظام بسبب تعنته وفساده، وهو ما أثار تكهنات بأن دعم روسيا لرئاسته قد يتضاءل.
كان النقد الأكبر قد جاء من السفير الروسي السابق في سوريا، ألكسندر أكسينيونوك، الذي قال إن رفض الأسد تقديم تنازلات سياسية يتعارض مع مصالح روسيا، محذراً من أن روسيا وصلت إلى حدود التسوية في عملية السلام التي ترعاها موسكو، والتي تأمل أن تؤدي إلى إصلاحات سياسية.
من جانبه، رأى نيكولاي سوركوف، الأستاذ في قسم الدراسات الشرقية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، أن موسكو تشعر بالإحباط من رفض النظام الموافقة على الإصلاحات السياسية، ورأى أيضاً أن مثل هذه الإصلاحات، التي من شأنها أن تضعف سلطة الأسد المطلقة، تعتبر شرطاً أساسياً للمصالحة الحقيقية والدائمة.
لكن في المقابل، قال محللون روس إنه “لا يوجد سبب للاعتقاد بأن التعليقات تدل على أي تغييرات رئيسية في السياسة في موسكو”.
عودة المعارضة تقلق الأسد: يتمثل التحدي الآخر للأسد في محافظة درعا الواقعة جنوب البلاد، والتي ظهرت فيها بوادر تمرد جديد على حكم النظام، إذ أرسل قواته إلى هناك مع تعرض جنوده في المحافظة إلى عمليات خطف واغتيالات وكمائن أودت بحياة العشرات منهم.
في هذا السياق، قال الصحفي مكي إن “هذا يعطي شعوراً بأن الأسد لا يسيطر على الدولة، هذه أكثر خطورة وتحدياً من أي فترة في الحرب بأكملها، وما لم يتمكن من إيجاد حلول، فلن يحكم أبداً سوريا المستقرة”.