وادي رم..ثقافة الرمل..وفضاءات الحرية والتأمل..

وادي رم..ثقافة الرمل..وفضاءات الحرية والتأمل..
ا.د حسين محادين

(1)
ما اصعب المقارنة بين محدودية حركتنا افرادا ومجاميع في ظل حضر كورونا الضاغط على حواسنا المُربوطة بحدود منازلنا او حيّنا في الاكثر، وبين العيش ولو لأيام في احد مخيمات وداي رم الآسر حضورا..رمالاً وآفاق.
(2)
في الديسة او وداي رم تحديدا، يمكن ان نشرع حقاً في التعرف الى ثقافة الرمل وصيرورة معانيها المادية والتأملية الأخاذة حضورا ودهشات متوالده منذ القُبلة الاولى مع المدى الرحيب.
(3)
الرمل؛ سيرة ازلية الغموض لتشظي الصخور والطموحات الكبيرة -مثل اكثرنا كبشر- وصولا الى تحولها ذرات مستقلة ومتجاورة في الظاهر لكنها متفرقة في الواقع كالأسر والافراد وقيم الحياة المعاصرة الأخذة في التتفت كحبيبات هذا الرمل في وادي القمر، او رم، الديسة..ومع هذا فذرات الرمل هذه حادة الوخز ،لذيذة الحرارة لاهبة الحرارة وبرفق مع عابريها منذ الصباح كي تؤدي دورها الصامت في حياتنا والمجهول لجُلنا وهي أن تشفي اقدام واجساد روادها الحُفاة الباحثين عن السير والتفكر الحرّ على سطح استقامتها كصحراء، فلا تسمع لها شكوى او تبرم من عبث السائرين وشهوانياتهم المتمردة على حبيباتها الانثى وكانها اتقنت ملحمة الصمود وابجديات العشاق بكل لغات سياحها الكُثر؛ فيا للدهشة .
(3)
في رم فقط لم أملك خاصية التردد بين ان أحب الفضاء او اهلها المغالبون لقسوة الطبيعة والطيبون بكرم ابتساماتهم ولذيذ طعامهم وسمرة بشرتهم المعتقة بالنخوة والوضوح على الدوام،
هنا نعم في صحراء وطننا جنوباً..يمكنك انت ايضا أن تلمس بحرقة العطشان للماء؛ كيف يُجسد اهلنا الرائعون والممتطون سطوح رمالها بكل ثقة وفروسية المعبرة عن قدراتهم على ترويض نزق الصحراء وغموضها ونجاحهم الأميز كذلك في تحويلها لمخيمات ترحاب دفء ومعاني مدهشة للمّة الزوار الآسرة حول مواقد نيرانيهم المتقدة بالحب والصبر رغم ليل الصحراء القارص فتغدو سهراتهم مصاطب حب وبهاء وخدمات فائقة الرقيّ والحداثة امام السائحين الكُثر من أردنيين واجانب.
(4)
هنا في فضاءلت الحبلى بالمعاني الغنية بالفرح.
هنا حيث الدعاء الأقرب وصولاً للسماء من على جبالها الرملية الشامخة ببنيّة لونها واصرارها على تحدي العواصف والرياح منذ قرون ربما، هنا حيث العشاق، وعشاق الحياة وقيمهما الترويحية الحميمة هم الاقرب ارواحاً وإبصار الى زُرقاء السماء نهاراً والى احتمالية ملامستهم لاطياف القمر ليلاً رغبة مشتهاة وحلم مُنتظر.
هنا في وادي القمر حيث عبقرية المكان وتجليات الاغواء منه وابعد منه ايضأ، هنا العشاق وحدهم من سيُدرك كم تأخروا ربما بسبب حضر كورونا أو جراء غفلتِهم من قبل عن جماليات الاردن المكان والانسان المغالبة والصحراء، اقول ، تأخروا عن استثمارهم لمناجم البهجة ومواعيد الالتحام مع جذورهم البدوية الكامنة بدواخلهم دون انتباه لجمالياتها الرائعة حقاً رغم مظاهر تريّفِهم الحضري الراهن كأردنيين…تحية لرم ..اهلها والمستثمرون فيها لانهم يمنحوننا يوميا فرصة العودة الى الجذر والاتقاء نحو الفضاء ليل نهار.
* عميد كلية العلوم الاجتماعية-جامعة مؤتة.
*عضو مجلس محافظة الكرك”اللامركزية “.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى