وإني نذرتك للحياة…
بقلم: #سناء_جبر
لحظة إغماضة عينك، تطوف بك الدنيا يمينًا ويسارًا حتى لكأنك تشعر بنفسك راكبًا #دوامة #الحياة بلا توقف ولا هوادة، فتأخذك في رحلة تجوب بها غمار الذكريات والمواقف في أرشيف #الذاكرة ، فتارة تحلَ في بيت تعرفه وتخال نفسك غريبًا عنه لا تعرف كنهه. هناك في البعيد محطة احتضنت طفولتك يوم صرخت باكيًا وحبوت ودرجت حذرًا تخشى الوقوع ثم سلكت الدروب الوسيعة في ركب الأبوة والأمومة وخضت معارك مع نفسك ومن هم حولك وسرحت بعيدًا بعيدًا حيث المعقول واللامعقول… حيث الممكن والمُشتهى اللا ممكن … حيث الشعور والمنطق والعقل أضداد لا تتلاقى… تستمر في رحلتك ولا تود من جفنك أن ينفتح… رحلة ولا على البال، دون سابق إنذار ودون اختيار ولا قرار … في تلك الزاوية بالذات، تحنّ لكل لمسة جدار ولكل لبنة على جانبيّ الطريق تحفظها لأنك كنت تحجزها هناك مع رفاقك، وقْع خطاكم يحكي ضحكات وقهقهات أطلقتموها مع نسائم الفجر والغسق… تلقون بالنكات هنا وهناك، وفي منتصف الطريق يجهش أحدكم بالبكاء فتجتمعون حوله تربتون على كتفه وتمسحون دمعه وتتبدل الدمعات الحرّى لتضحى بسَمات وصورًا مطمئنة هادئة…
تجيش في صدرك نفثات من حب ووهج قد يكون شوقًا لتلك الأيام لكني أظن أنه شوق لمن كان معك في دربك وأمسك بيدك وشد على قبضة يدك أن امضِ وانظر أمامك بعزم ولا تخف فأنا معك…أتأخذنا تلك الومضات إلى صفحات ملأى بصور عِذاب تضج فينا حياةً وتصرّ على أن نذرف الدمع مدرارًا ، فأين هم الآن؟ وأين نحن؟ ولم الغياب؟ ولم هي الدنيا بقسوتها تلحُّ علينا أن لملموا شتات الذكريات واجعلوا منها زوّادةً لأيام ثقال لا بد فيها من التجلد والعزم والإصرار والبعد قدر الإمكان عن الخوف، وإن لم يكن ذلك ممكنًا فليس عليك إلا المواجهة بصمودٍ وثباتٍ… للأسف، تلك الوحدة التي كنا نهابها، أضحت حقًا علينا ومصيرًا لا يمكن إغفاله وغض الطرْف عنه، أما هؤلاء الأشخاص وقصصهم وحكاياتهم فستبقى وقود القلب والروح نشحذ به الهمة لنكون قادرين على المضيّ قدمًا في الطريق. المشكلة تكمن في تلك اللحظة التي نحاول فيها فتح جفن العين بعد أن اغمضناه وحصدنا كل تلك الصور التي تضج بالحياة وتملأ فينا عروقًا كادت تجف من فرط الألم والبكاء والأمل. بدأت تسقينا قطرات نقطة تلو أخرى حتى اندفع ينبوع الحب ذكريات حرّى نابضة بالحبّ، نفثت فينا القوة والصبر ونشرت ضوء الأمل فأحببنا تلك الإغماضة ولا نريد لها أن تتحرك ولا الأجفان منا أن تتفتح. لا بد من ذلك، فلن تبقى مغلقة سارحة في عالم سابق الزمن … تنفتح العيون لنجد أنفسنا على قارعة الأمل لكن تزودنا ببريق عذبٍ صافٍ من صور كانت قد اختبأت خلف أكوام من الدموع ومشاعر الاشتياق.
في تلك اللحظات، ألملم ما تبعثر مني وألوذ بنفسي حيث الأمان والسكينة وأتمنى لو أني لا أخرج من ذلك الحضن العامر بالدفء… لكن هيهات، فكلها أوهام وأضغاث أحلام، ولا بد من متابعة الركب والمسير ، علينا أن نقبض على قلوبنا بأيدٍ وقبَضاتٍ من عطاء وحب، وان نعاهد على الاستمرار في المحاولة ونفي بوعودنا ، ونبتعد قدر استطاعتنا عن الخذلان، خذلان أنفسنا أولًا قبل من أحبونا ونحبهم.
وأنت يا ولدي، إني نذرتك للحياة فامضِ في طريق الصعب ولا تتوقف عن المحاولة، وكن أنت نفسك كما ربّيتك، ابقَ الحنون البارّ المنتمي ولا تتخاذل فينكسرَ عودك… وكلّي ثقة بأنك ستبقى محطّ الثقة والقوة والسند، وستكون كما عهدتك العود الندّ الراسخ الذي يواجه الرياح العاتية بقلبٍ رابضٍ وحبٍ نابضٍ للوطن وانتماءٍ للعائلة والإخوان، وكما أناديك دومًا ستبقى عيون القلب التي بها أعيش وأغذي الروح. دمت لنا حبًا وأملًا وبرقًا ساطعًا في الطريق لا ينطفئ.