سواليف
هَل تُشَكِّل فَضائِح الفَساد في ماليزيا “جرَسَ إنذارٍ” لزُعَماء عَرب وزوجاتِهم؟
ماذا يعني العُثور على عَشرات الحَقائِب المَحشُوَّة بمَلايين الدُّولارات والمُجوهرات في مَنزِل الفاسِد عبد الرزاق؟
ومن أيِّ بابٍ ستَدخُل زوجته التَّاريخ؟
ولماذا نَقول شُكرًا لزَعيم النَّزاهة مهاتير محمد؟
لم يَعُد الزَّعيم الماليزي مهاتير محمد إلى منصب رئيس الوزراء، ويُنهِي تقاعُدِه الاختياري لأنّه يَطْمَع في السُّلطة، وقد تَجاوَز التَّسعين من عُمرِه، وإنّما لتَحقيق هَدفين أساسيين: الأوّل إنقاذ بِلاده واقتصادها من حُكمِ رئيسِ وزراءٍ فاسِد، وتَصويب العمليّة السِّياسيّة الدِّيمقراطيٍة في البِلاد بعد أن انحَرَفت عن مَسارِها.
السيد مهاتير، هذا الرَّجل المُتواضِع الزَّاهِد في الحُكم والمال، الذي جَعل من بلاده أحد أبرز النُّمور الاقتصاديّة في شَرق آسيا، وقادها على مَدى عشرين عامًا من حُكمِه نحو الأمن والاستقرار والتَّنمية بِشَقَّيها الاقتصاديّ والاجتماعيّ، وَضع الخِلافات الشخصيّة جانِبًا، وعقد صَفقةً مع خَصمِه السَّابِق أنور إبراهيم، وأخرَجَهُ من السِّجن في إطارِ صَفقةٍ سِياسيّةٍ تُعيدُه إلى مِقعَد القِيادة. كل هذا لأنّه يضع مصلحة بِلادِه وشَعبِه فوق كُل الاعتبارات الأُخرى، ويتسامَى فوق “الأحقاد”، ويُحَقِّق أبرز الأمثلة في التَّسامُح.
رئيس الوزراء الماليزي نجيب عبد الرزاق كان فاسِدًا، وأظهر شَرَهًا غير مسبوق، وأُسرَته والمُقَرَّبون مِنه في تكديس الأموال والمُجوهرات، وحياة البَذَخ، فانتهى نِهايةً مُعيبةً يستحقِّها، وكُل من يَسير على دَربِه.
الشرطة الماليزيّة أعلنت اليوم الجمعة أنّها ضبطت أكثر من 400 حقيبة يدويّة، ومبالِغ نقديّة تَصِل إلى 30 مليون دولار أثناء مُداهَمتها لمَنزِله وشُقق فاخِرة تابِعة له ولأفراد أُسرَتِه.
السَّخَط الشَّعبيٍ من استفحال الفساد وبُلوغِه مُعدَّلات غير مَسبوقة في أوساط السيد عبد الرزاق هو الذي أدَّى إلى عَودة السيد مهاتير إلى الحُكم عبر صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة التي أطاحَت بالحِزب الحاكِم بطَريقةٍ مُهينة، لأنّ الشَّعب الماليزي يَثِق بباني نهضته، ويُريد الإصلاح مُجدَّدًا على يَديه، واجتثاث الفَساد من جُذورِه.
نجيب عبد الرزاق ابن أحد الآباء المُؤسِّسين لماليزيا مَرَّغ اسم أبيه وعائِلته في التُّراب نتيجة فَسادِه وجَشعِه، وسيطرة حُب المال عليه، مِثلما دمَّر حِزبه الذي حَكم البِلاد ستَّة عُقود، وباتَ يُواجِه وأُسرته والمُقرَّبون مِنه اتِّهامات بنَهب مِليارات الدُّولارات في فَضيحةٍ ماليّةٍ تعود إلى عام 2015 مُرتَبِطة بالصُّندوق السِّيادي الذي أسَّسُه بعد تَولِّيه الحُكم عام 2009 تحت عُنوان تَحديث ماليزيا.
تخيَّلوا.. خمس شاحِنات جرى جلبها لنَقل هذا المَخزون الضَّخم من الصناديق المَحشُوَّة بمَلايين الدُّولارات والمُجوهرات، ومِئات الحقائِب النسائيّة اليدويّة الفاخِرة، والتُّحَف الثَّمينة من منزل عبد الرزاق وأقارِبه، 35 حقيبة يدويّة مليئة بالأموال في وِحدَةٍ سكنيّة، و37 حَقيبة في أُخرى تَضُم 26 عُملة أجنبيّة مُختَلفة مِثل الدولار واليورو والإسترليني تَبلُغ قيمَتها مُجتَمِعة 114 مليون رينغيت (العُملة المحليّة)، أو يُعادِل 29 مليون دولار.
إميلدا ماركوس زعيمة ديكتاتور الفلبين السَّابق دخلت التَّاريخ لأنّها كانَت تَملُك أكثر من ألفيّ زوج من الأحذِية في غُرفَة ملابِسها، وزوجة عبد الرزاق وابنته ستَدخُلان من زاوِية امتلاكهما 150 حقيبة يدويّة من الماركات الفاخِرة من نوع “ايرمس” “ولوي فيتون” وهي الماركات المُفضَّلة للأُم السيدة روسمة منصور المَكروهة من الشَّعب الماليزي الذي يُشَكِّل الفُقَراء نِسبَةً لا بأس بها في صُفوفِه، وهي المَعروفة بِبَذَخِها، ورحلات تَسوُّقِها في أسواق باريس ولندن ونيويورك.
ما يجري في ماليزيا يُشكِّل دَرسًا ليس فقط لزُعَماء الفساد في بُلدانِنا العربيّة وأتباعِهم، وإنّما أيضًا لزوجاتِهم اللَّواتي يَسِرن على خُطَى السيدة روسمه في اقتناء الملابِس والأحذية والحقائِب الفاخِرة، ويتسوَّقن في أفخم الأسواق الأوروبيّة والأمريكيّة، بينما أبناء شَعبِهم لا يَجِدون لُقمَة الخُبز ولا الدَّواء لمَرضاهُم.
شُكرًا للسيد مهاتير الذي لم يَتردَّد مُطلَقًا في العَودة إلى رِئاسة مجلس الوزراء ليس شَغفًا في الحُكم، ولا لِجَمع المال، والعَودة إلى الأضواء، وإنّما تَلبيةَ نِداء أبناء شَعبِه، لإنقاذ البِلاد من الانهيار واجتثاثِ الفاسِد وعصاباتِه وقِطَطِه السِّمان.
كم نحن في الدُّول العربيّة، جميعًا، ودون استثناء، نَحتاج إلى رجالٍ مِثله، وفتح فُروعٍ لمَدرسته، لتَعليم مناهِجه في الحُكم، بعد أن طفح الكَيل، وباتَ الفُقراء المَسحوقين هَدفًا للضَّرائِب والرُّسوم لتَمويل جشع الأغنياء وعصاباتِهم من الوُصوليين والانتهازيين، ومَصَّاصي الدِّماء، تَرى كم من الحقائِب الفاخِرة، والمُجوهرات الثَّمينة، والتُّحَف النَّادِرة في قُصورِ قِطَطِنا السِّمان؟
رأي اليوم