سواليف
قال الكاتب البريطاني الشهير، #ديفيد_هيرست، في مقال له نشره بموقع “ميدل إيست أي”، إن #المستبدين_العرب يواجهون #النضال الذي لم ينته حتى لو أنهم كسبوا #المعركة.
وركز في مقاله على #دول_الربيع_العربي والتي شهدت صعود الإسلاميين ثم إزاحتهم بتأثير الثورات المضادة.
وشدد على أن ما حدث قبل عشرة أعوام كان فقط الفصل الأول في نضال طويل وعظيم، وأنه “من المؤكد أن الفصل الثاني على الطريق”، متوقعا استكمال الربيع العربي بوقت لاحق.
وتاليا النص الكامل للمقال :
مرت الموجة الأولى من احتجاجات الربيع العربي التي تفجرت في عام 2011 إلا أن الجمرات مازالت متقدة في تلك الشوارع وفي قلوب وذاكرة الملايين
تلك كانت السنة التي نظمت فيها جنازة للربيع العربي، فالحكومات والبرلمانات التي إما هيمن عليها أو دعمها الإسلاميون وغيرهم ممن وصلوا إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع تمت الإطاحة بها في #تونس و #المغرب.
سقط آخر من كان واقفاً من الرجال.
في الصيف الماضي عندما جمد الرئيس التونسي البرلمان وعزل رئيس الوزراء وأعلن أنه سيحكم بالمراسيم – في تحرك وصفه مستشاروه بأنه “انقلاب دستوري” – وقعت تونس تحت نفس الظل السلطوي الذي ظلت طوال عقد مضى تحاول تجنبه.
وجد إسلاميو تونس أنفسهم معزولين ووحيدين، يعاملون كما لو كانوا ماركة سياسية سامة، خارج البوابات الموصدة لمبنى #البرلمان.
قلة قليلة من خصوم قيس سعيد العلمانيين كانوا في بداية الأمر على استعداد للخروج إلى الشارع نصرة لهم. وإحساساً منه بأن الرأي العام يتجه ضدهم، بادر راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة وكبير مفكري الربيع العربي، بالإقرار بأن حركته تتحمل جزءاً من المسؤولية عن الإخفاق في تحقيق مكاسب اقتصادية ملموسة.
بعد ذلك راح الجميع يكتبون نعي #الربيع_العربي.
أما الغرب، الذي لم يتوقف بتاتاً عن الخلط بين الإسلام السياسي والمتطرفين الذين يمارسون العنف، فتنفس الناس فيه الصعداء بشكل جماعي، وتساءلوا في أنفسهم ألم يتحول الربيع العربي إلى شتاء إسلامي؟ وأما الروس فرأوا في الربيع العربي “ثورة ملونة” أخرى من تصميم وكالة المخابرات الأمريكية، مثل تلك التي حدثت في يوغسلافيا السابقة وفي جورجيا ثم في أوكرانيا، ثورات بلغت من القوة حد القدرة على تفكيك الامبراطوريات.
ووجد الصينيون في هذا الموت الديمقراطي تبريراً لحملتهم المستمرة ضد الإيغور، بينما كانت للإيرانيين علاقة معقدة مع الإخوان المسلمين، إذ لم يرحبوا بتحدي الإخوان المسلمين لنموذج الجمهورية الإسلامية الذي يزعم تمثيلاً حصرياً للإسلام.
وأخيراً، وليس آخراً، هناك الأمراء العرب أنفسهم.
مزيج أورويلي
كانت تونس آخر فروة في خزانة الكؤوس التي تعرض فيها الديمقراطيات التي تمكن أولئك الأمراء العرب من تخريبها. شكل ذلك نصراً للجيل الأصغر من المستبدين، أمراء بلغ حكمهم درجة من الميكافيلية بدا معها آباؤهم وأعمامهم بالمقارنة كما لو كانوا اشتراكيين ممن يقرأون الغارديان. ومنذ ذلك الحين لم ينج سوى نموذج واحد للدولة العربية – حاكم مطلق، عسكري أو ملكي، لا فرق على الإطلاق – على رأس كيان يتشكل من البوليس السري والقوات الخاصة وصحفيين مشترين.
تحكم شعوبهم من خلال مزيج أورويلي تام من التحكم بالعقول والاضطهاد، فهم الذي تتحول الإنترنيت في أيديهم إلى أداة للرقابة الجماعية.
تتعفن المعارضة، سواء كانت علمانية أم إسلامية، داخل السجن، ويموت الكثيرون من أفرادها هناك. ومن لم يتمكن من الهرب ينتظر إلى أن يبلغ عنه جيرانه، ويكفي المرء أن تقرر تغريدة واحدة مصيره. أما من تمكنوا من الهرب فيظلون أسرى القلق على مصير عائلاتهم، والذين هم في حكم الرهائن.
تلك هي السنة التي يستمر فيها في مصر، في ظل إدارة بايدن، انبعاث الدكتاتور المفضل لدى دونالد ترامب، عبد الفتاح السيسي، الذي وصفه ترامب بقوله “إنه شخص رائع، لقد سيطر على مصر.” يُذكر أن بايدن عبر عن “امتنانه الخالص” للسيسي ولفريق وساطته لما قاموا به من دور مهم في التحرك الدبلوماسي الذي أنهى هجوم إسرائيل على غزة في شهر مايو / أيار الماضي.
وبدلاً من أن يكون شخصاً منبوذاً على الساحة الدولية، غدا الدكتاتور المصري نموذجاً يحتذى به في الإقليم، وإليه يلجأ قيس سعيد في تونس والجنرال عبد الفتاح البرهان في السودان طلباً للمشورة.
كان عناصر من المخابرات الحربية المصرية يتواجدون داخل قصر الرئاسة في قرطاج عندما انتزع سعيد السلطة. كما تواجد مدير المخابرات المصرية الجنرال عباس كامل في السودان قبل أيام من انقلاب البرهان، ويقال إنه هو الذي أملى على البرهان بوجوب التخلص من رئيس الوزراء عبدالله حمدوك.
بات السيسي، زعيم الانقلابات العسكرية في بلاده، في موضع من يصدر الانقلابات الآن. ومازالت واشنطن توفر له الدعم والحماية. عندما كان في حملته الانتخابية تعهد بايدن بألا يصدر مزيداً من الشيكات على بياض، ولكن عندما وصل إلى السلطة لم يتردد في التوقيع على العديد منها.
هل انتهت اللعبة؟
فهل انتهى الأمر بالنسبة للثورة التي اجتاحت العالم العربي في عام 2011؟ هل تبخرت كل تلك الآمال والأحلام المسكرة بالحرية والكرامة وتبخرت وطارت في الهواء؟ وهل كان مشروعاً شجاعاً ولكن محكوماً عليه بالفشل؟
كلا الطرفين في ميدان التحرير، العلمانيون والإسلاميون، ارتكبوا أخطاء كبيرة، وكلاهما وضعا ثقتهما في جيش خدعهما الواحد تلو الآخر.
لنأخذ على سبيل المثال الخطأ الأخير الذي ارتكبته حركة النهضة حينما دعمت ترشيح قيس سعيد. كان بإمكانهم النظر بتمعن أكبر في ماضيه، فكل المعلومات موجودة.
دامت التجربة في مصر سنة واحدة. كان محمد مرسي في المنصب، ولكن كما نعلم الآن لم يكن يوماً في السلطة. أما تجربة تونس فاستمرت لعشرة أعوام قُدمت فيها التنازلات الواحدة تلو الأخرى، ولكن في معظم الوقت لم تكن حركة النهضة لا في المنصب ولا في السلطة. ومع ذلك فقد وجه إليها اللوم على أخطاء ارتكبتها حكومات لم تعارضها. ولكن في تسرعهم لتحميل الضحية المسؤولية عن الجريمة، غابت عن المحللين نقطة صارخة تحدق في وجوههم.
بغض النظر عما إذا كانت جماعة الإخوان المسلمين قد ماتت ودفنت، فالدولة العربية نفسها في حالة من التردي بل ويمكن أن أقول إنها تنهار إلى حتفها.
فالذين خططوا للانقلابات هنا وهناك لا قبل لهم بحكم بلادهم، فهم ببساطة لا يعرفون كيف يحكمونها، وليسوا مؤهلين لذلك. تذكروا المطالب الثلاثة التي صدعت بها ثورة يناير في مصر: “عيش، حرية، عدالة اجتماعية.” في كل واحدة من هذه المطالب باتت مصر في عام 2021 أضعف مما كانت عليه عندما نفذ السيسي انقلابه العسكري ضد مرسي في عام 2013.
مصر الأضعف
في عام 2010 كان نمو الناتج المحلي الإجمالي يزيد عن خمسة بالمائة، بينما كان في عام 2020 3.6 بالمائة. في عام 2010 كان الدين الخارجي يشكل ما نسبته 15.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وأصبح في عام 2020 34.1 بالمائة. أما الدين المحلي العام فكان يشكل 76.2 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفي عام 2020 ارتفع الرقم إلى 81.5 بالمائة. وارتفع الدين الخارجي من 33.7 مليار دولار في 2010 إلى 123.5 مليار دولار في عام 2020.
كل هذه الأرقام مأخوذة من سجلات المصرف المركزي المصري نفسه. ولم تزدد هذه الأرقام إلا سوءاً بسبب كوفيد-19، حيث اتسع عجز الحساب الجاري من 11.2 مليار دولار إلى 18.4 بالمائة في السنة المالية المنتهية في يونيو / حزيران 2021 بعد أن تراجعت السياحة وارتفع العجز التجاري إلى 42.06 مليار دولار بعد أن كان 36.47 مليار دولار.
يقول محمد الولي، الخبير الاقتصادي والرئيس السابق لمجلس إدارة مؤسسة الأهرام، إن مصر تحمل على كاهلها جبلاً من الدين، وتشكل فوائد الديون الخارجية والمحلية ما نسبته 44 بالمائة من الميزانية، أي ضعف الرواتب وثلاثة أضعاف الدعم وأربعة أضعاف النسبة المئوية لاستثمارات الحكومة.
ستكون لانهيار الاقتصاد المصري آثار حقيقية، فلا أحد يثق بالبيانات الرسمية حول معدلات الفقر، والتي ارتفعت، بحسب الأرقام الرسمية، إلى 32.5 بالمائة ثم تراجعت قليلاً إلى 29.7 بالمائة في الفترة من 2019 إلى 2020. ولكن حتى الأرقام الأخيرة المحسنة مازالت أعلى بكثير مما كانت عليه عندما استولى السيسي على السلطة.
سجلت الأمم المتحدة في عام 2009 أن 21.6 بالمائة من السكان كانوا دون خط الفقر. ارتفعت هذه النسبة في عام 2021 إلى 30 بالمائة، بحسب بيانات البنك الدولي. وهذا يعني أن السيسي منذ أن جاء إلى السلطة أفقر ما لا يقل عن تسعة ملايين من المصريين.
ولذلك لم يكن عجباً أن تنشأ في محافظات الصعيد، على سبيل المثال، حيث يستوطن الفقر، مافيا قوارب التهريب التي تنظم رحلات الهجرة الخطرة إلى ليبيا ومن هناك إلى إيطاليا.
قال أحد أولياء الأمور: “يخرجون من هنا (في المنصورة) إلى السلوم، ثم يأخذهم الناس من الجبل وينقلونهم إلى بنغازي. وعندما يصلون إلى ليبيا، يتصل الشخص بممثله، الذي ينتظر إلى أن يتجمع لديه ما يقرب من مائة إلى مائتي شخص، ثم يضعهم في قارب ويرسلهم إلى البحر. إذا نجحوا فقد وصلوا وإلا لم ينجحوا فلن يصلوا.”
يشرح عبد العزيز الهواري، عم أحد الضحايا الطريقة التي يتم بها ذلك على النحو التالي: يتصل الأولاد بأولياء أمورهم ويطلبون المال منهم. “يتصل هؤلاء الأولاد بأولياء أمورهم، ويخبرونهم أين هم، ويقولون إن أصدقاءهم قد عبروا، ويطلبون 25 ألف جنيه. لو كانت لدى أولياء الأمور أي أمتعة فإنهم يضطرون لبيعها لكي يدفعوا الأموال لأولادهم.”
بات ساحل البحر المتوسط الآن وبشكل منتظم مسرحاً لمآسي متلاحقة.
بينما يصرف السيسي أمواله على مشاريع بنى تحتية مشكوك في جدواها الاقتصادية، مثل توسعة قناة السويس أو كوبري روض الفرج المعلق – والتي يتم الترويج لها إعلامياً على أنها إنجازات يتحدث العالم عنها – يموت الفقراء من شعبه وهم يسعون للفرار من البلد. يحدث كل ذلك بعد أن صبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة الكويت عشرات المليارات من الدولارات في خزينة مصر وفي جيوب الجيش.
تباينات جائرة فاحشة
لقد ابتليت المنطقة بأسرها بأنظمة حكم سيئة. طبقاً لبيانات منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة فإن 69 مليون شخص عانوا من الجوع في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال عام 2020، وذلك نتيجة للعديد من الضغوط الاجتماعية الناجمة عن الأزمات المطولة، والفوضى الاجتماعية، وانعدام المساواة، والتغيرات المناخية، والتداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد-19.
خذ العراق على سبيل الماثل، هذا البلد الذي ينعم بموارد نفطية وطبيعية هائلة، ومع ذلك فإن 25 بالمائة من السكان يعانون من الفقر وتبلغ نسبة البطالة بينهم 14 بالمائة، ويبلغ عدد الأيتام فيه خمسة ملايين، أي ما نسبته خمسة بالمائة من إجمالي عدد الأيتام في العالم.
أما بالنسبة لأمراء الخليج، فالحياة تمضي في ترف لا مثيل له على الإطلاق.
أصدرت محكمة في لندن مؤخراً حكمها في قضية طلاق الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي، من زوجته السابقة الأميرة هيا، وأثناء المداولات استمعت المحكمة إلى أن الزوجين أنفقا ما قيمته 2 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 2.69 مليون دولار) على الفراولة، بينما يبلغ المصروف السنوي لكل واحد من طفليهما، جليلة التي تبلغ من العمر 14 عاماً وزايد الذي يبلغ من العمر 9 أعوام، 10 مليون جنيه إسترليني (أي ما يعادل 13 مليون دولار أمريكي)، وكيف أنهما يتاح لهما استخدام اسطول من الطائرات بما في ذلك طائرة من طراز بوينغ 747 صممت خصيصاً لهما، وكيف أن الطفلين وأمهما يقوم على خدمتهم طاقم من الموظفين يصل عددهم إلى ثمانين.
هذه التباينات الجائرة لدرجة الفحش هي المادة التي تتكون منها الثورات.
لسوف ينهار سريعاً ما تبقى من سياسة بايدن وأوروبا في الشرق الأوسط تماماً كما حصل للكعكة التي نصحت ماري أنطوانيت شعبها بتناولها إذا ما أفاقوا ذات صباح مشرق في واشنطن ليشاهدوا على شاشات التلفاز رأس الشيخ محمد منصوباً على حربة يتراقص بها الناس في الشوارع.
بعد مرور عشرة أعوام، ازداد جفافاً الحطب الذي انطلقت منه شرارة النار في عام 2011. لقد مرت الاحتجاجات الجماهيرية التي اندلعت في شوارع مدن العالم العربي في عام 2011. إلا أن جمراتها مازالت متقدة في تلك الشوارع وفي قلوب وذاكرة الملايين.
ما حدث قبل عشرة أعوام كان فقط الفصل الأول في نضال طويل وعظيم، ومن المؤكد أن الفصل الثاني على الطريق.
(عن موقع “ميدل إيست أي” البريطاني)