هيا إلى المدارس..هيا إلى الحياة! / د. مفضي المومني.

هيا إلى المدارس..هيا إلى الحياة!

اكتب هذا المقال بعيدا عن السياسة والحكومة والنقابة…والتنظير والمطالبات… والتجاذبات…
تعيش بيوتنا هذه الأيام على غير ما اعتادت ايام دوام المدارس…من الفجر تبدأ مراسم الحياة… بعد الصلاة نوبات الصحيان للابناء حيث يعج البيت باصوات الأم والأب لإيقاظ الأبناء وتجهيزهم للمدارس… وتلكؤ الابناء واختفائهم تحت الحرام او اللحاف… وتستمر السمفونية وتستخدم الفاظ واتهامات من الآباء ويعلوا الصوت لينهض الأبناء متثاقلين لتبدأ مراسم الإعداد للذهاب للمدرسة… وعند العودة من المدرسة وبعد إنتظار الأهل والأم خاصة… تبدأ المرحلة الثانية من يوميات الحياة للمدرسة والتلاميذ… من غسيل او استحمام ومن ثم تناول طعام الغداء ومن ثم النوم او حل الواجبات او معركة متابعة افلام وبرامج الأطفال … وحسب مزاج الابناء… ثم مرحلة التدريس للأبناء والذي غالبا ما تتولاه الأمهات… وسماع كلمات ومقاطع… تبدد سكون البيت… (شو بيدرسوكو بالمدارس، يقطع هيك مدارس، خليكو عندي ادرسكو وبلا هالمدارس… شو بتعملوا بالمدرسه، سمعلي الدرس كمان مره، عيد كتابة الدرس عشر مرات، ولك افهم هلكتني، اطفي التلفزيون وتبع عندي، راجعني اذا بتنجح السنه، إنت مش تبع قرايه… الله يلعن…… والباقي عندكم!) نعم هذه الجمل تتكرر عند كل حفلة تدريس بيتيه، وقد يصاحبها استخدام وسائل العنف الأبويه التقليدية، كف على الوجه او مناطق اخرى… استخدام الزنار… المكنسة قديما… ال… ..وايضا الباقي عندكم… ومساء جولة تنبيهات للذهاب للنوم لانه صباحا ( بدك مدفع ما بيصحيك)… .ومن ثم المنظر الجميل صباحا الابناء ذاهبون للمدارس مدججين بالكتب التي تثقل حقائبهم، بعضهم نشيط وبعضهم نصف نائم… وفي المدرسة حدث ولا حرج صراخ صياح نط ركض ولعب ودراسة يمارسون كل عبثهم ونشاطهم ويعودون للبيوت في طوابير يزينون الطرقات والحياة… كل هذه السمفونية تمثل ابنائنا ويومياتهم في المدرسة… نعم العودة للمدارس عودة للحياة رغم صخبها وعنفوانها… وهناتها… تعودناها كل يوم… ومن اسبوعين ونحن على ابواب الاسبوع الثالث افتقدنا جميعا هذه الروح وهذه الحياة… التي تزين يومنا وتبعث فيه حلاوته والكل فرح… لأن هذه الأجيال هي من سيبعث الحياة والأمل لبلدنا… بنشاطهم وجدهم وذكائهم وعنفوانهم وطموحهم.
من قتل فينا الحياة، من تسبب بتعطيل الطلبة وتعطيل الحياة المدرسية والتي هي جزء من حياتنا اليومية التي نحب، احدهم فعل ذلك… الحكومة تقول انها النقابة والنقابة تقول انها الحكومة والناس تتعاطف مع المعلم وبين هذا وذاك، يبقى الإضراب تعطيلا للحياة التي نحب أن تعود… ولنا في قصيدة الشاعر السوري الراحل عمر بهاء الدين الأميري ـ الرائعة…والمؤلمة عندما يغيب صخب الأطفال وضجيجهم حيث قالها الشاعر السوري في الحنين إلى أولاده حينما سافروا وتركوه وحيدا .. . وقد قال عباس محمود العقاد عن هذه القصيدة ( لو كان للأدب العالمي ديوان لكانت هذه القصيدة في طليعته..) ، وانا اقول فينا بعض ما بكم ايها الشاعر عمر بهاء الدين الأميري فقد افتقدنا في الإضراب بعضا مما افتقدت:
أين الضجيج العذب والشغب
أين التدارس شابه اللعب ؟
أين الطفولة في توقدها
أين الدمى في الأرض والكتب ؟
أين التشاكس دونما غرض
أين التشاكي ماله سبب ؟
أين التباكي والتضاحك في
وقت معا والحزن والطرب ؟
أين التسابق في مجاورتي
شغفا إذا أكلوا وإن شربوا ؟
يتزاحمون على مجالستي
والقرب مني حيثما انقلبوا
يتوجهون بسوق فطرتهم
نحوي إذا رهبوا وإن رغبوا
فنشيدهم : ( بابا ) إذا فرحوا
ووعيدهم : ( بابا ) إذا غضبوا
وهتافهم : ( بابا ) إذا ابتعدوا
ونجيهم : ( بابا ) إذا اقتربوا
بالأمس كانوا ملء منزلنا
واليوم ويح اليوم قد ذهبوا
وكأنما الصمت الذي هبطت
أثقاله في الدار إذ غربوا
إغفاءة المحموم هدأتها
فيها يشيع الهم والتعب
ذهبوا أجل ذهبوا ومسكنهم
في القلب ما شطوا وما قربوا
إني أراهم أينما التفتت
نفسي وقد سكنوا وقد وثبوا
وأحس في خلدي تلاعبهم
في الدار ليس ينالهم نصب
وبريق أعينهم إذا ظفروا
ودموع حرقتهم إذا غلبوا
في كل ركن منهم أثر
وبكل زاوية لهم صخب
في النافذات زجاجها حطموا
في الحائط المدهون قد ثقبوا
في الباب قد كسروا مزالجه
وعليه قد رسموا وقد كتبوا
في الصحن فيه بعض ما أكلوا
في علبة الحلوى التي نهبوا
في الشطر من تفاحة قضموا
في فضلة الماء التي سكبوا
إني أراهم حيثما اتجهت
عيني كأسراب القطا سربوا
دمعي الذي كتمته جلدا
لما تباكوا عندما ركبوا
حتى إذا ساروا وقد نزعوا
من أضلعي قلبا بهم يجب
ألفيتني كالطفل عاطفة
فإذا به كالغيث ينسكب
قد يعجب العذال من رجل
يبكي ولو لم أبك فالعجب
هيهات ما كل البكا خور
إني وبي عزم الرجال أب

بنا بعض مما بك ايها الشاعر عمر الأميري… نفتقد اشياء كثيرة تثير الحياة في ايامنا المثقلة بالهم والغم والتعب وقلة الحيلة، وانقطاع الأمل… نتمنى ان ينتهي الإضراب ويعود الطلبة إلى مدارسهم، ولست هنا في مجال اعطاء المواعظ لا للحكومة ولا للنقابة، اهم شيء اتفقوا واتحفونا بحل وانهوا الإضراب… .وهيا إلى المدارس هيا إلى الحياة… .حمى الله الأردن.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى