بنك الإفلاس الهردبشتيّ / يوسف غيشان

بنك الإفلاس الهردبشتيّ
والدي – كغيره من الآباء – كان يرد على مطالبات الأبناء بالقروش ، بسؤال استنكاري مفاجيء :
– أي هوّه أنا قاعد ع بنك ؟؟
كنت أجيب عن سؤال الوالد بجوابٍ أبله ، لم يكن يتوقعه ، كنت اقول:
– آه يابا .. أنت قاعد ع بنك !
بالفعل كان والدي قاعد ع بنك في ذلك الزمان . .كان في الواقع بنكاً خشبيّاً طويلاً ، مزيّناً بــ ( الجوادل وبساط مرقوم وبضعة مساند ) ، وكان هو طقم كنبايات بيتنا الطينيّ آنذاك ؟ كان لدينا بنك ، ونحن في قمة الفقر .. حِرّينكوا !!
بعد أن أتّهمه بأنه قاعد ع بنك .. كان ينظر إليّ شزرا ، ولا يجيب ، بل يحاول بكلّ مكرٍ اصطيادي بالعصا التي يتوكّأ عليها . لم يكن يعطيني شيئاً بالطبع ، لأنه لم يكن يملك شيئاً في الواقع ، وكان يحاول ضَربي لإثبات الذات ، فقط لا غير.
بعد مئات الخيبات ، ومئات الضربات من عصا الوالد ، كبرت ونضجت ، وأدركت بأنّ المدعو ميخائيل عودة الغيشان كان يتحدث عن بنك آخر غير ذلك البنك الخشبيّ المهتريء الذي كان يجلس عليه .
أدركت أخيراً – وليس آخراً – أنّ العبارة استنكارية ، المقصود منها أنّه ليس غنياً ولا يملك مالاً لأنه مُشْ قاعد ع بنك .
بعد أن بلغ بيَ الشيب عتيّاً صرت استعملها على بناتي ( لا أنجب سوى البنات ) ، حينما تكثر مطالباتهنّ ، لكن وبما أنّ بنك والدي قد أفلس من قرون ، وهو مرميّ حالياً على ظهر الحيط ( مجموعة من الأخشاب المفككة البائسة ) ، فلم تشعر بناتي بأيّ التباس في معنى بنك ، وتتكرّر المطالبة حتى (تحرير) كافة جيوبي .
الالتباس صار عندي الآن ، فبعد الأزمة المالية العالمية التي سبّبتها أميركا وامتصت بواسطتها أموال العالم ، لم تعد البنوك العالمية سوى أسباباً ودلائل على الإفلاس ، أو
على انخفاض الدخل على الأقلّ .. وجميع (المسعدين) الذين اشتروا سندات بنوك أميركية وأوروبية أو سندات الخزينة الأميركية ، انحدروا الآن عدة درجات مالية إلى الخلف ، وبعضهم أعلن إفلاسه .. ( كلّه من ورا البنوك ).
لذلك فإنّ هؤلاء عندما يطالبهم الأبناء بالمال والمصاريف يقولون باستنكار:
– حرام عليكو بابا .. ما أنا قاعد على بنك !!
يقولها وهو يعني أنّ : القاعد على بنك تعني أنّه قاعد ع خازوق مبشّم !
يا إلهي كم انقلبت المفاهيم ، وبهتت الأشياء ، وانفقع بالون الرخاء المزيف .. ولم يعد الغجر يصعدون الجبال .. على رأي المرحوم فريدريك لوركا .
من كتابي(هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى