يثار التساؤلات حول إمكانية تحول #العالم_الافتراضي لبيئة عمل للبشر في #المستقبل، لاسيما النمو المتسارع الذي تشهده تقنية ” #ميتافيرس ” حيث ترى الشركات فيه وسيلة جديدة لتحقيق الربح.
وفي تقرير لـ”بي بي سي” البريطانية، فإنه على الأرجح بعد خمسين عاما لن نستخدم #الإنترنت من خلال شاشة، لا يحتمل أن يكون تفاعلنا معه مختلفا تماما عما هو عليه في الوقت الراهن.
وقد نصبح نتحكم في الأشياء باستخدام تقنية الواقع الافتراضي المعزز (AR)، ونستكشف عوالم الواقع الافتراضي (VR)، ونمزج بين ما هو حقيقي وما هو رقمي بطرق لا نستطيع تخيلها حاليا.
لكن ماذا تأثير ذلك على بيئة العمل؟ لقد بدأنا بالفعل في الانتقال بعيدا عن دوام العمل التقليدي الذي يبدأ في التاسعة صباحا وينتهي في الخامسة مساء، كما بدأنا ندير ظهورنا لأماكن العمل التقليدية المحصورة داخل مكاتب.
ويرجع الفضل في ذلك إلى عامين من الإغلاقات بسبب وباء كوفيد، وولعنا الجديد بالاجتماعات الافتراضية – أو على الأقل تقبلنا لها.
ويثار التساؤل: “هل ستكون الخطوة المنطقية التالية هي العمل داخل ميتافرس، ذلك العالم الافتراضي الذي يجري التخطيط له حاليا، والذي ستمثلنا فيه توائمنا الافتراضية ثلاثية الأبعاد التي تشبه الشخصيات الكرتونية، وتمشي وتتحدث وتتفاعل مع بعضها بعضا؟”.
ويشير التقرير إلى أن هناك مبالغة في الترويج لميتافيرس، لذلك من المهم أن نتذكر أنه شيء غير موجود بعد. وحتى هؤلاء المهتمون بالمفهوم يختلفون فيما بينهم حول ماهيته.
ولا توجد إجابات عن تساؤلات مطروحة حتى الآن وهي: “هل ستتصل العوالم الافتراضية المختلفة ببعضها بعضا بطريقة لا تتم حاليا بين التقنيات المتنافسة؟، هل سنقضي وقتا داخل تلك العوالم أكثر من الوقت الذي نقضيه في العالم الحقيقي؟.. هل سنحتاج إلى قواعد جديدة تماما تحكم تلك الفضاءات الجديدة؟”.
ولفت التقرير إلى الاهتمام المبالع في “ميتافيرس” والترويج له، حيث ترى الشركات فيه وسيلة جديدة لتحقيق الربح.
وقد رأينا بالفعل شركات تفتح فروعا لها على منصات ميتافيرس وليدة، من “هورايزون وورلدز” ( Horizon Worlds) التابعة لشركة ميتا، إلى بعض الألعاب الإلكترونية مثل روبلوكس ( Roblox) وفورتنايت ( Fortnite)، إلى فضاءات أنشأت حديثا مثل ساندبوكس (Sandbox) وديسنترالاند (Decentraland).
كما أن شركة نايكي تبيع حاليا أحذية رياضية “افتراضية”، ويمتلك مصرف إتش إس بي سي ( HSBC) “أرضا” داخل منصة ساندبوكس، كما أن شركات كوكاكولا ولوي فويتون (Louis Vuitton) وسوذبيز (Sotheby’s) لها وجود داخل منصة ديسنترالاند.
مصطلح “ميتافيرس” ابتكره نيل ستيفينسون قبل نحو 30 عاما. في كتابه “سنو كراش” ( Snow Crash)، حيث يجد بطل الرواية حياة أفضل له في العالم الافتراضي.
ولربما جاءت الخطوة الأجرأ لتحويل ذلك الخيال العلمي إلى تقنية حقيقية في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2021، عندما أعلنت شركة فيسبوك تغيير اسمها إلى ميتا، وبدأت تستثمر مليارات الدولارات لتحويل نفسها إلى شركة تركز بالأساس على تطوير ميتافيرس – وهي رؤية يقودها مؤسس الشركة ورئيسها مارك زاكربرغ.
بيد أن هذا الاستثمار الضخم أثار دهشة واستياء بين المساهمين، الذين أعرب بعضهم مؤخرا عن قلقهم من أن الشركة تنفق أكثر مما ينبغي على الواقع الافتراضي.
كما أن تقريرا لموقع The Verge نُشر في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وزعم أنه اطلع على مذكرة داخلية لشركة ميتا، ذكر أن منصة هورايزون وورلدز التي تمتلكها ميتا تعاني من الكثير من المشكلات الفنية وأنها غير مستخدمة بشكل كبير من قبل موظفي الشركة أنفسهم.
هرمان نارولا، المدير التنفيذي لشركة Improbable المتخصصة في صناعة برمجيات ميتافيرس، ومؤلف كتاب Virtual Society (المجتمع الافتراضي) غير مقتنع برؤية زاكربرغ.
يقول: “ما الذي سيجعلنا نرغب في أن يكون لنا مكتبا داخل ميتافيرس يشبه مكتبنا الحقيقي؟..الغرض الأساسي من الفضاءات الإبداعية في العوالم الجديدة هو توسيع نطاق تجاربنا، وليس مجرد استنساخ ما لدينا بالفعل في الواقع الحقيقي”.
“أعتقد أنه سيكون هناك الكثير من الوظائف في الميتافيرس: على سبيل المثال، سوف نحتاج إلى مراقبين”.
مسألة الرقابة في ميتافيرس مثيرة للجدل، ليس فقط لأنه من الصعب من الناحية التقنية مراقبة شخصيات رقمية (أفاتارز) يحتمل أن تصل أعدادها إلى المليارات، تتحاور مع بعضها بعضا عبر العالم الافتراضي، ولكن أيضا بسبب كمية البيانات الهائلة التي ستنتجها تلك الشخصيات.
فقد توصلت دراسة أجرتها جامعة ستانفورد إلى أن قضاء 20 دقيقة في العالم الافتراضي أنتج أكثر من مليوني تسجيل فريد لحركة الجسم، وهو ما سيكون بمثابة مصدر جديد وغني من البيانات لشركات ستسعى لاستغلاله.
يرى ألكس رايس، المؤسس المشارك لشركة HackerOne المتخصصة في أمن الإنترنت، أنه يجب التفكير بعناية بالغة في تصميم ميتافيرس قبل أن تقدم أي شركة على إطلاق العنان لموظفيها بداخله.
يقول رايس: “تخيل شيئا بريئا مثل محادثة بين موظفين حول مبرد المياه..تخيل أن ذلك يحدث في بيئة ميتافيرس تخضع لمراقبة شاملة – بالتأكيد سيكون لذلك عواقب وخيمة”.
“فقد يُفصل الناس من وظائفهم لأنهم قالوا شيئا أثناء ما يظنون أنه حوار خاص غير رسمي مع زميل عمل، في حين أن ذلك الحوار أصبح خاضعا لمراقبة جماعية من قبل الشركة التي يعملون بها”.
ويرى توم فيسك، محرر نشرة Immersive Wire الإلكترونية المتخصصة في شؤون التكنولوجيا، أنه من السابق لأوانه التفكير في العمل داخل الميتافيرس.
يقول فيسك إن “مناقشة الميتافيرس لا تزال محفوفة بالصعوبات، وتعريفه لا يزال مبسطا وقابلا للجدل…وبما أن المصطلح نفسه لم يعرّف جيدا ولا يزال يخضع للمناقشة، من الصعب أن نجزم ما إذا كنا سنعمل من داخل ميتافيرس في المستقبل”.
رغم أنه ليس باستطاعة أحد فهم ما يعنيه الميتافيرس على وجه التحديد، هناك بعض التنبؤات المتفائلة داخل سوق المال فيما يتعلق بقيمته. تتوقع شركة McKinsey للخدمات الاستشارية أن تبلغ قيمته السوقية خمسة تريليونات دولار بحلول عام 2030، في حين أن شركة Gartner المتخصصة في المجال ذاته تتنبأ بأن يقضي ربع سكان العالم ما لا يقل عن ساعة واحدة يوميا داخله بحلول عام 2026.
لكن ماثيو بول، كبير المحللين بمؤسسة Canalys للأبحاث، لا يتفق مع تلك التنبؤات، إذ يتوقع أن يتم إغلاق غالبية مشروعات ميتافيرس الحالية بحلول عام 2025.
ويعتقد بول أن على كل شركة أن تقرر ما إذا كان وجودها داخل ميتافيرس ضروريا، أم أن استخدامها للتكنولوجيا هو هدف في حد ذاته.
ويضيف: “ليست جميع الشركات بحاجة إلى نظارات الواقع الافتراضي كي يلقي الموظفون التحية على الشخصيات الرقمية لزملائهم، أو يرون عارضات أزياء افتراضية..كما لن تحتاج كل الشركات إلى نظارات الواقع الافتراضي لحضور الاجتماعات. صحيح أن الواقع الافتراضي أداة فعالة ومقنعة، لكن المكالمات التي تجرى عبر زووم ومايكروسوفت تيمز توفر بدائل عديمة الاحتكاك تقريبا وربما أقل تعقيدا كذلك”.
تيفاني رولف هي رئيسة قسم الإبداع بشركة RGA المتخصصة في مجال إنشاء العلامات التجارية الرقمية. عملت رولف وبعض أعضاء فريقها بالفعل داخل ميتافيرس.
وقد صممت شركتها استادا افتراضيا لكرة القدم الأمريكية داخل لعبة فورتنايت لحساب شركة الهواتف العملاقة Verizon خلال فترة تفشي وباء كوفيد، كما تعاونت مع ميتا لبناء فضاء موسيقي على منصة هورايزون وورلدز.
تقول رولف: “الأشخاص الذين عادة ما يستخدمون الحواسب الآلية لتصميم الأشياء اضطروا إلى وضع نظارات العالم الافتراضي والعمل مع البنائين داخل ذلك الفضاء”.
وكلما ظهرت وسائل جديدة للعمل، ظهرت معها اعتبارات جديدة، مثل طول الفترة الزمنية التي ينبغي أن يرتدي خلالها الموظفون نظارات الواقع الافتراضي. تقول رولف: “كان أعضاء فريقي على الأرجح يرتدونها على فترات يبلغ طول كل منها ساعتين”.
وجود أشخاص يعملون بالفعل داخل العوالم الافتراضية يشير إلى أن هناك احتمالا كبيرا بأن يكون لميتافيرس مستقبل كمكان أو مقر للعمل، لكن الوظائف المتاحة داخله سوف تكون على الأرجح مختلفة تماما عن تلك الموجودة في الواقع الحقيقي.
وأغلب الظن أن أي شخص يأمل الآن في أن يستبدل رحلته اليومية إلى مكان عمله بنظارة واقع افتراضي سوف يتعين عليه الانتظار لسنوات طوال قبل أن يصبح ذلك واقعا (افتراضيا).