سواليف
طالب متظاهرون سودانيون شاركوا في وقفة احتجاجية في الخرطوم، بتسيلم الرئيس المعزول عمر البشير، إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وكانت رئيسة القضاء، نعمات عبد الله محمد خير، أشارت في الفترة الماضية إلى أن إحالة البشير إلى المحكمة الجنائية من اختصاص سلطات أخرى، وإن السلطة القضائية ليست معنية بالمسألة.
النائب العام
حديث رئيسة القضاء أثار تساؤلات حول من هي الجهة المناط بها البت في قانونية تسليم البشير للجنائية من عدمه.
يجيب الخبير في القانون الدولي محمد علي فزاري بالقول: “وفق النظام القضائي السوداني يقوم النائب العام بإحالة القضية للجنائية الدولية، في حال عجز وعدم قدرة القضاء السوداني على محاكمة المجرمين الذي ارتكبوا جرائم كبرى مثل الإبادة الجماعية وجرائم الحرب”.
وتابع فزاري : “تكمن المشكلة بأنه لا يوجد نصوص في القانون الجنائي تغطي الجرائم المُتهم فيها البشير”، مضيفا أن “إحالة النائب العام القضية للجنائية موضوعية، وذلك باعتبار أن القضاء السوداني غير قادر في الوقت الراهن على محاكمة مجرمي الحرب”.
وحول ما إذا كان النائب العام مجبرا على الرجوع للمجلس السيادي قبل الإحالة، قال فزاري: “القانون غير واضح في هذه النقطة، خاصة أن السودان يمر هذه الأيام بحالة استثنائية، ولكن كل ما يمكنه فعله هو إخطار السلطة التنفيذية بالطريقة التي يحيل فيها هذه القضية”.
وتم تعديل القانون الجنائي في عام 2009 بحيث يمنع تسليم أي مواطن سوداني متهم بجرائم حرب، وتعليقا على هذا التعديل قال فزاري: “القانون صدر لحماية المجرمين ولحماية النظام البائد، وهناك حديث عن إجراء تعديل لبعض المواد التي كانت تمنح أعضاء النظام السابق الحصانة”.
“احتمال ضعيف”
ومع تزايد المطالبات الشعبية بتسليم البشير للجنائية الدولية، وأيضا رغبة بعض الأحزاب في ذلك، يبقى السؤال الأهم: هل يقوم المجلس السيادي بتسليمه؟
يرى المحلل السياسي ومدير المركز السوداني لحقوق الإنسان وحرية الإعلام أمية يوسف أبو فداية، أن “احتمال موافقة المجلس السيادي على تسليم البشير ضعيف”.
وأشار إلى أن “الجانب العسكري في المجلس هم من يعارض ويمنع تسليمه، خوفا من أن يؤدي ذلك لجر أقدامهم في القضية نفسها، لكن قوى الحرية والتغيير المشاركة في المجلس هي مع تسليمه”.
وأوضح أبو فداية بأن “الغلبة الآن بخصوص هذه القضية للعسكر”، مضيفا: “أسباب ذلك أن الملف التفاوضي مع العسكر، أيضا الحركات المسلحة تحترمهم وهي تظن بأنهم هم القوة الحقيقية، لأن الحرية والتغيير والجسم المدني تماسكهم هش حتى الآن، وهناك خلافات كبيرة بينهم”.
وتابع: “المكون العسكري يعتبر مسألة تسليم البشير ورقة تفاوضية، وإذا سلمه سيخسر هذه الورقة التي يمكن أن يستخدمها في تفاوضه مع الحركات المسلحة، خاصة أن الأخيرة رفعت سقف مطالبها”.
وأكد في ختام حديثه أن “موقف المجلس السيادي سيبقى رافضا لفكرة تسليم البشير، حيث صرح بذلك رئيس المجلس الفريق البرهان لقناة الجزيرة، لكن يمكن أن يتغير الموقف وتغلب كفة المدنيين إذا تماسكوا”.
“انقسام طفيف”
من جهته قال المحلل السياسي السوداني محمود جحا في حديث لـ”عربي21″: “بالتأكيد سيكون هناك انقسام طفيف داخل المجلس السيادي حول التسليم، فالجانب العسكري لن يوافق بتاتا على هذا الأمر لعدة اعتبارات”.
وتابع جحا: “أولى هذه الاعتبارات أن الجيش له تقاليده الخاصة التي تمنع ذلك، والحروب التي خاضها قانونية، ولا يستطيع أيا كان سؤال أي ضابط أو جندي سوداني لماذا فعلت هذا”.
وأضاف: “ثانيا روح الزمالة بين ضباط الجيش قوية وولاؤهم لقادتهم قوي جدا، بالمقابل القوى السياسية لم تستطع طوال تاريخها أن تحدث تغييرا سياسيا وسياديا دون مصاحبة القوات السودانية”.
وأشار إلى أنه على الرغم من رغبة الجانب المدني في المجلس السيادي بتسليم البشير، “إلا أن الغلبة ستكون للعسكر”، مضيفا: “العسكر هم الذين يحسمون أي قضية، فالقوى السياسية ضعيفة جدا، وتفتقد للرؤيا السياسية الناضجة، وما زالت تعيش مراهقة سياسية، لهذا كله ستفرض قوة العسكر الرأي الأخير”.
“رأي الأحزاب”
وتباينت مواقف الأحزاب السودانية تجاه قضية تسليم البشير للجنائية الدولية، فبعضها أيد ذلك بحجة فقدان العدالة داخل السودان، وبعضها رفض ذلك كون أن نظام البشير الذي كان يمنع المحاكمات العادلة قد سقط.
وقال رئيس المكتب الإعلامي لحزب المؤتمر الشعبي المعارض صديق محمد عثمان: “كنا سابقا من مؤيدي المحكمة الجنائية الدولية، لأنه في ذلك الوقت كانت العدالة معطلة والمحاكم الوطنية عجزت عن محاكمة البشير”.
وتابع عثمان : “لكن الآن لا نؤيد ذلك، حيث لا يوجد مبرر لعجز القضاء الوطني عن محاكمة البشير، من ثم لماذا نسلم قضاءنا الوطني لمحاكم أجنبية تفتش في ملفاتنا الوطنية، وتفتح حتى المؤسسة العسكرية للقضاء الأجنبي؟”.
وأضاف: “الفرصة الآن متاحة أمام محاكم السودان لمحاكمة البشير، فالمحاكمة داخل السودان هي حق من حقوق الضحايا، الذي كان مسلوبا بسبب وجود البشير في السلطة، لكن بما أنه تم إزاحته، لماذا نرسله ليُحاكم في المحاكم الخارجية؟”.
“مع التسليم”
من جهته قال القيادي في الحزب الشيوعي السوداني راشد سيد أحمد: “نحن مع تسليمه لأسباب موضوعية: أهمها رغبة أصحاب الحق وأولياء الدم بذلك، وهؤلاء يطالبون بمحاسبة النظام كاملا وكل من شارك في تلك الجرائم، وليس البشير فقط”.
وأضاف سيد أحمد : “القوانين الموجودة حاليا لا تغطي الاتهامات الموجهة للبشير، ومسوغات دخول المحكمة الجنائية الدولية في هذا الشأن تأتي من أن نظام روما لا يجيز أخذ أي شخص للجنائية الدولية، في حال قدرة ورغبة الدولة على تحقيق العدالة”.
وتابع: “لكن الآن بعد الثورة بما أن هناك رغبة بتحقيق العدالة، ولكن لأن القدرة على تحقيق ذلك من الناحية القانونية غير كافية، وذلك لأن النصوص الموجودة الآن في قانون العقوبات السودانية لا يشمل مثلا التطهير العرقي، لهذا كله يجب تسليم البشير للجنائية الدولية”.
وأكد أنه “لو حوكم البشير في السودان، لا يمكن مواجهته في المحكمة بأي تهمة لا يوجد لها نص في قانون العقوبات، ونحن مع تحقيق العدالة حتى لو اقتضى ذلك اللجوء للجنائية الدولية” وفق قوله.
“التسليم إقرار بالعجز”
بدوره قال محمد علي الجزولي، رئيس حزب دولة القانون والتنمية السوداني المعارض، : “نحن ضد تسليم البشير للأسباب التالية؛ أن السودان لم يوقع على نظام روما للمحكمة، وهو نظام قضائي خاص ومُلزم فقط للموقعين عليه، وليس لغير الموقعين”.
مضيفا: “كما أن المحكمة غير محايدة ومسيسة كما هي معظم أدوات الاستعمار الحديث، وهي لا تهتم لقضايا يعلم الجميع بأن هناك انتهاكات حقوق إنسان وقعت فيها”.
وتابع: “كما أن تسيلم مواطن من دولة ما للمحكمة، هو إقرار من مَن قام بالتسليم بأن قضاءه غير نزيه، أو أنه عجز عن إقامة العدالة”.
وأبدى الجزولي استغرابه من رغبة قوى الحرية والتغيير بتسليم البشير، وقال: “هي الآن ممسكة بجميع مقاليد السلطة في السودان، فكيف تقر بعجز القضاء والنيابة العامة، مع أنه بإمكانهم تحقيق العدالة عبر التحقيق بالجرائم المنسوبة للبشير وتقرير العقوبة المناسبة لها”.