هل يستحق مسلسل “هذا المساء” الضجة المثارة حوله؟

سواليف

انتهى شهر رمضان، ومعه المسلسلات المصنوعة خصيصًا لهذا الموسم الذي يعج بالمسلسلات كل عام عن العام الذي قبله، سباق الأكثر مشاهدة، صراع شركات الإنتاج، تنافسية القنوات الفضائية، معركة الإعلانات الطاحنة، انتهى الموسم بأعماله العديدة، ولم يبق منها في ذاكرة المشاهدين إلا القليل، في كل عام، لا يتذكر المشاهدين إلا عملًا أو اثنين بالكاد، تلك الأعمال الأكثر نجاحًا والأفضل ظهورًا، وما دونها يُنسى كأنه لم يُعرض على الشاشات. أحد تلك الأعمال البارزة في رمضان المنصرم، هو العمل الدرامي “هذا المساء” من إخراج الشاب تامر محسن، مخرج متميز يجيد اختيار أعماله، بدأ مشواره التلفزيوني بمسلسل “بدون ذكر أسماء” عام 2013، ثم “تحت السيطرة” في 2015، حتى مسلسله الأخير “هذا المساء” محور حديثنا اليوم.

لا خصوصية بعد هذا المساء!

كيف أصبحت حياتنا مشاعًا وسهلة الاختراق بهذا الشكل، كيف أصبحت أسرارنا الخبيثة عرضة للكشف في أي وقت؟ أكاد أجزم أن العرض التلفزيوني أثار الرعب في قلوب المشاهدين كافة وجعلهم يعاودون حساباتهم فيما يخص أمنهم الرقمي واستخدامهم لوسائل الاتصال الحديثة، تلك الأجهزة الحاسوبية المحمولة والهواتف الذكية النقّالة التي نحملها وتحملنا وتحمل معها أسرارنا، حتى تلك التي لا يعلمها أقرب المقربين، تلك الأسرار التي خبأناها عن العالم أجمع وكشفناها على أجهزتنا، أجهزة متصلة على شبكة الإنترنت سهلة الاختراق، ليصبح الغرباء المتطفلون ذوو النفوس المريضة لهم سلطان علينا إذا ما استطاعوا اختراقنا، يتحكمون بحياتنا، يبتزوننا، يطّلعون على صور الفتيات ولياليهم الخاصة المصورة، ويبتزونهم جنسيًا بتلك البيانات التي لهثوا وراءها.

ما الذي تقوله الصورة لنا؟

في مسلسل “هذا المساء” شبكة من العلاقات الإنسانية من طبقات اجتماعية مختلفة، متداخلة معًا بشكل سلس ومرن، نص مكتوب بحرفية عالية وحوار ذكي، حبكة جيدة، وأحداث مشدودة تجعل المشاهد شغوفًا من أجل المزيد، لا يريد الحلقة أن تنتهي الآن، يأمل في معلومة جديدة تقرّبه من النهاية، هناك تفاصيل صغيرة في مسلسل “هذا المساء” لا يهتم بها إلا مخرج مجتهد يحب عمله بشدة ويعرف موضع زرع البذور وميقات حصادها، تفاصيل كوضع اسم المسلسل بداخل الحلقات دون إشارة فِجة مباشرة إليه، تفاصيل تجعل الصورة هي البطل الحقيقي في العديد من المشاهد دون أن يضطر إلى إقحام حوار مفتعل.

وجب الإشادة بفن اختيار مواقع التصوير المناسبة التي أثرت الصورة بواقعيتها في مسلسل “هذا المساء”. لقد تعوّدنا في السنوات الماضية أن يلجأ بعض المخرجين إلى مواقع تصوير بلاستيكية جاهزة بمدينة الإنتاج الإعلامي لتظهر الصورة باردة بلا أي حيوية، ضاربة بكل قواعد الفنون البصرية عرض الحائط وكاسرة الخط الوهمي بين العمل الفني والمشاهد. هذا الاصطناع الزائف لم نجده في مسلسل “هذا المساء”، بل على العكس، اهتم المخرج بتفاصيل الحارة المصرية وطبيعة أهلها، ففي كل مشهد صُوّر بالحارة تلمس روحًا حقيقية تكاد تجعل الصورة ناطقة، لم يخش تعدد مشاهد التصوير الخارجية، ولم يزهد الدفع بالمجاميع، صورة حقيقية كاملة كأنها لُقطت دون تمثيل.

هناك بعض الممثلين الذين ظهروا بأداء تمثيلي باهت مقارنة بالمجموعة الباقية مسلسل “هذا المساء”، ولكن يمكننا القول أن المخرج نجح أيضًا في تسكين الأدوار بشكل مناسب، فكان كل ممثل بطلًا مستقلًا لحكايته الخاصة، فقد نجح محسن في استخراج الأداء التمثيلي المطلوب من أغلب الممثلين، تفوق بعضهم على بعض ولكن ظلت الحكاية هي البطل الأوحد، أداء مبهر من الممثل محمد فرّاج، واكتشاف جديد للفنانة حنان مطاوع، هذا الدور الذي مثّلته مطاوع سيكون بابًا جديدًا لممثلة لم تأخذ قدر حقها طوال السنين الماضية.

لا يشوب الصورة والصوت في مسلسل “هذا المساء” إلا بعض الأخطاء الصغيرة، التي يمكن تجاوزها وإغفالها، كتغير طفيف في الإضاءة عند نقل الصورة من الكادر الواسع إلى الكادر الأقرب، أو تغير مفاجئ في أصوات الخلفية في المشهد نفسه عند النقل من ممثل إلى الآخر.

ذروة الأحداث

تصاعدت الأحداث بشكل تدريجي في مسلسل “هذا المساء” حتى وصلت ذروتها في الحلقات العشر الأخيرة، اتبع المؤلف والمخرج في عملهم مبدأ “أثر الفراشة” فالحدث الصغير جدًا الذي يحدث في حياة أحد شخصيات العمل، أو المشكلة التي تقع لأحدهم، تؤثر بالتبعية على أبطال المسلسل جميعًا، الذين ربط المؤلف بينهم ربطًا واضحًا ومعقدًا في الوقت نفسه، في إطار عام ومنصة تظلهم جميعًا تُسمّى اختراق الخصوصية.

العرف يقول أن المؤلف هو خالق العمل، له كامل الحق في أن يحيي أو يميت أبطال عمله، يسعدهم أو يتعسهم، يفرحهم أو يبكيهم، يُفرد المساحة لشخص ما ويقلّصها على الآخر، كذلك له الحق الكامل في اختيار النهايات الأنسب لفكرته، أن يختار أساليب الثواب والردع، أن ينصر الظالمين أو يكسرهم، يطهّر المفسدين بالعقاب الذي يراه، وهذا لا يمنعنا من لفت النظر لبعض النقاط الهامة في تلك المرحلة التي ختم بها العمل في حلقاته الأخير، مرحلة التطهير وفك العقد والألغاز.

أرى أن أفرادًا لم ينالوا العقاب المناسب أو آخرين تعمّد الكاتب أن يُثقل عليهم العقاب في مسلسل “هذا المساء”، في حين وجود آخرين تم إغفال الضوء عنهم تمامًا، ليترك المشاهدين في حيرة من الأمر. أرى أن العمل قد أثقل العقاب على خالد أنور “تريكة” الذي حتى لحظة الحريق لم يكن متورطًا فعليًا في عمل لا أخلاقي صريح، وفي المقابل أرى العمل تجاوز عن سيئات أحمد داوود “سمير” فلم يُصب بأذى، على الرغم من تورطه في أعمال لا أخلاقية عديدة، أحدها كانت نتيجته القتل. ولكن مسلسل “هذا المساء” اكتفى بأن يجعل عقابه نفسيًا وليس بدنيًا كالآخرين، أمّا فيما يخص محمد فرّاج “سوني” ربما أخطأ في اختيار نوع العقاب، فالحرق الذي تعرض له وشوه وجهه عقاب قاس بالطبع ولكنه لن يمنعه من أفعاله الدنيئة بتتبع الفتيات وترصدهم واستغلالهم جنسيًا، بل قد يكون ذريعة جديدة لشخصية “سوني” لكي ينتقم بشكل أكبر من المجتمع الذي رأى نفسه وحيدًا فيه بلا أهل أو حبيبة ترضى به، كنت أفضّل أن يكون العقاب من جنس العمل أي أن يصيب جهازه التناسلي خلل ما.

أجد أيضًا أن إياد نصّار “أكرم” رجلًا خائنًا وأخطأ في حق زوجته الأولى، لكنه لم يُخطئ مع زوجته الثانية، كان واضحًا منذ اللحظة الأولى ولم يكذب أو يخدعها، وهي ارتضت بالأمر، فجاء عقابه مكثفًا في زوجتيه وعمله، ولا أجد وجاهة حقيقة في لجوء الزوجة الثانية حنان مطاوع “عبلة” إلى زوجها السابق محمود حافظ “ضاحي” وأن ترفض مسامحة أكرم، بينما تقبل بضاحي الذي ظلمها أضعافًا مضاعفة، وكان يعتدي عليها بالضرب، وكذب وخدعها بأنها عاقر وحرمها من الأبناء، وكان سببًا أساسيًا لقبولها الزواج من أكرم في الأساس، ورغم ذلك، عوقب أكرم وتحمل كل الأوزار. أيضًا يؤخذ على العمل أنه لم يوضح علاقة أكرم بأخيه، ولم يوضح إلى أي مدى أثّر شك أكرم على علاقته به، أغفل مسلسل “هذا المساء” كذلك دور “دينا” الفتاة التي أحبها “شريف” وواعدها لثلاث سنين، ثم تركها بشكل مهين ليكمل حياته مع فتاة أخرى، ظنّ ألا ماضي لها، كما أغفل دور محمد رضوان “صفوت” وزوجته زينة منصور “أم عبير” فلم نعلم ماذا حدث بينهم أو ماذا حدث لهم.

كل تلك التفاصيل الصغيرة التي ذكرتها في مسلسل “هذا المساء” تخضع لسلطة الرأي المرنة القابلة للرد، وغير القابلة لمبدأ الخطأ والصواب، فكما ذكرنا، للكاتب وحده الحق في أن يوجّه الأنظار للناحية التي يريدها، وأن يغض النظر عمّا لا يريد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى