هل يحق لنا الاحتفال بيوم المعلم؟ / شروق طومار

هل يحق لنا الاحتفال بيوم المعلم؟
شروق جعفر طومار

الاثنين الماضي، احتفل الأردن كمختلف دول العالم باليوم العالمي للمعلم، وسط ظروف قاسية جراء جائحة كورونا، فرضت أساليب جديدة للتعليم وأبعدت المعلمين قسرا عن طلبتهم ووضعتهم أمام اختبار قاس وصعب.

جرعة كبيرة من العبارات العاطفية انسالت عبر مواقع التواصل الاجتماعي وعلى وسائل الإعلام المختلفة في هذه المناسبة، تبجيلا للمعلم وتغنيا بأدواره العظيمة التي أبعدته عنها إجراءات الوقاية من الجائحة، والتباكي أحيانا على هذا الفراق الكئيب بين الطالب والمعلم.

لكننا وسط كل هذا، لم نسأل أنفسنا بموضوعية ومسؤولية: ماذا قدمنا لهذا المعلم الذي نظمنا له القصائد والأغنيات، ليكون قادرا فعلا على القيام بدوره في الظروف الطبيعية قبل الاستثنائية، في الوقت الذي نعلم فيه جيدا أن العامل الأكثر تأثيرا على مستوى تحصيل الطلبة هو جودة المعلم؟

مقالات ذات صلة

“المعلمون: القيادة في أوقات الأزمات وإعادة تصور المستقبل”، كان هذا هو العنوان الذي وضعته اليونسكو ليوم المعلم هذا العام، فهل يمكن حقا أن نحتفل نحن بالمعلم الأردني تحت هذا العنوان؟ وهل يمتلك معلمونا فعلا التأهيل والقدرات التي تمكنهم من تولي دفة القيادة في الأزمة العميقة التي نمر بها اليوم، وخلق تصور جديد لما يمكن أن يكون عليه المستقبل؟

للأسف الشديد، إذا أردنا أن نكون واقعيين، فعلينا أن نعترف بأن واحدا من أهم أسباب تراجع مخرجات العملية التعليمية لدينا، هو تدهور جودة المعلم وتراجع مكانته في تراتبية السلم الاجتماعي.

عبر العقود الثلاثة الأخيرة على الأقل، لم يتقدم المعلم الأردني ماديا؛ فصارت وظيفته من ضمن الأدنى أجرا، كما أنه لم يتلق التأهيل الفني اللازم الذي يكسبه حرفية في أداء دوره القيادي وإدارة التغيير المطلوب ضمن هذا الدور انسجاما مع متطلبات العصر، فتراجعت قيمته ومكانته الاجتماعية، وتراجع أداؤه بشكل حاد وتراجعت مخرجات التعليم التي بطبيعة الحال ستنتج معلمي الجيل اللاحق، وهكذا تشابكت العوامل فشكلت دوامة لم نعد نميز فيها أين السبب وما النتيجة!

دخلنا إذن في حلقة مفرغة، لم نعد قادرين على تحديد نقطة البداية فيها بدقة، لكننا إذا ما أردنا أن نخطط لإصلاح هذا الوضع المتردي، فعلينا أن نعود إلى القاعدة الثابتة؛ وهي أن أساس إصلاح التعليم يكون بتحسين جودة المعلم وإيلائه أعلى درجات الاهتمام.

إذا بحثنا في تجارب الدول التي أحرزت تقدما في نظامها التعليمي، وصارت خلال السنوات العشرة الأخيرة تصنف في التقارير الدولية ضمن الدول التي تتمتع بنظام تعليمي ذي نوعية جيدة، سنجد بأنها تشترك في عدد من القواعد والأسس التي ينبغي أن نعيها وأن نتعلم منها.

تنفق هذه الدول بشكل كبير على تأهيل المعلمين وتدريبهم، وتعمل على تصميم برامج تدريب مستمرة مجانية، وتضع برامج إلزامية يخضع لها المعلم بعد التخرج وقبل مزاولة المهنة، وأخرى تستمر في أثناء المزاولة.

هذا التدريب لا يهدف فقط إلى إكساب المعلم محتوى علميا أو معلوماتيا، وإنما يتركز على إكسابه مهارات فنية وإدارية لنقل المعرفة والتعامل مع المستويات والطباع والذكاءات المختلفة لدى الطلبة، وتنمية المهارات الإبداعية لديهم، إضافة إلى بناء دافعية داخلية لدى المعلم وشغف وحب للمهنة، والشعور بقيمة دوره المحوري كقائد للتغيير من خلال تزويد المجتمع بمخرجات ذات نوعية جيدة.

إذا أردنا إذن أن نحقق تقدما في العملية التعليمية، فعلينا أن ننظر بتجرد إلى واقع المعلم الأردني، الذي اكتشفنا عندما اضطررنا للتحول إلى التعلم عن بعد، أننا لم نزوده سابقا بأي تأهيل حول مفهوم التعلم الرقمي الحديث، وتبين لنا أن شريحة واسعة من معلمينا لا يمتلكون أدنى المهارات اللازمة لتقديم هذا النمط التعليمي، وخلال متابعتنا برفقة أبنائنا للحصص الإلكترونية سواء التفاعلية أو المسجلة، اكتشفنا أيضا درجة التدني في مستوى أداء بعض المعلمين سواء من الناحية الأكاديمية أو اللغوية أو الفنية.

وفوق كل هذا وذاك، عمدنا إلى تعميق الهوة بين طلبة المدارس الحكومية ومعلميهم بمنع التواصل المباشر فيما بينهم، وإلزام الطرفين باستخدام نظام مراسلات أصم أبكم عبر “منصة درسك”، التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم لاستدامة عملية التعلم عن بعد.

نحن مطالبون اليوم بإعادة النظر في سياساتنا المتعلقة بتنمية المعلمين وتمكينهم، فبدون معلم قوي لن نتمكن من مواجهة ما يعصف بالعملية التعليمية من تغيرات جذرية متسارعة، وسنكون مهما صنعنا واجتهدنا كمن يحرث البحر!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى