هل يتحدى الأردن الأميركيين والإسرائيليين؟

هل يتحدى الأردن الأميركيين والإسرائيليين؟
ماهر أبو طير

على مدى عقدين كان الملك يزور الولايات المتحدة، سنويا، في زيارة رسمية يلتقي فيها الرئيس الأميركي، ومسؤولين من مستويات مختلفة.
بيننا من يقرأ هذه الزيارات بشكل غير صحيح، ويعتبر انها مجرد سفرة للنقاهة، ضمن اسفار الملك خلال العام، لكن الامر كان مختلفا في الواقع، إذ إن هناك خريطة قوى تحكم العالم، وتتناقض فيما بينها، وأنت لا تحمي نفسك وسط هذا العالم، بقدر حمايتك لشعبك.
رافقت الملك في أكثر من مرة الى واشنطن، في الزيارات الرسمية، التي يستغرق الإعداد لها عدة أشهر، خصوصا، في بلد مثل الولايات المتحدة، يحتاج فيه رؤساء الدول حتى يهاتفوا الرئيس الاميركي، موعدا قبل أيام واسابيع، و كان واضحا حجم تأثير الملك، في الولايات المتحدة، لكن الملك تفوق بالتحديد، في قدرته على صناعة معادلة مختلفة، إذ إن علاقات الأردن السابقة داخل الولايات المتحدة كانت تركز على الإدارة الأميركية في البيت الأبيض، وعلاقات عسكرية وامنية، فيما الفرق الذي صنعه الملك، يرتبط بشبكة حماية واسعة وممتدة لمصالح الأردن، تمت صناعته على يديه وتجاوز البيت الأبيض نحو الكونغرس الأميركي، واللجان المتخصصة داخل الكونغرس، وهي لجان صعبة، خصوصا العسكرية والمالية والعلاقات الخارجية، ومع جماعات الضغط، ومراكز اللوبي، ومراكز think tank التي تؤثر على القرار في الولايات المتحدة، والحزبين الجمهوري والديمقراطي، وبقية المؤسسات.
لم يكن هذا الجهد، ذرا للرماد في العيون، إذ ندر ما يؤثر زعيم شرقي اوسطي بين الاميركيين، فالكل يعرف فوقية الاميركيين، وتقييمهم لكل منطقة الشرق الأوسط، فهم لا يأبهون بأي أحد بهذه البساطة، ولا يتصلون بهذه المنطقة الا بطريقة متعجرفة، ويعتبرون ان كل المنطقة تحت امرهم، بل ان دولا آسيوية وافريقية تنفق مئات الملايين سنويا، على حملات الاتصال والبي آر، وتحاول ان تتصل بمراكز اللوبي في اميركا، من اجل تحسين سمعتها، واستقطاب نافذين في الإدارة الأميركية، والكونغرس، فيما الملك بقدرته الفردية على الاتصال، وفهمه للغة الغرب، وتأثيره الشخصي، يؤثر بقوة، ويؤخذ برأيه في كثير من الملفات.
كل هذا الكلام، ليس لمجاملة الملك فهو ليس بحاجته، ولا ينتظره، لكن حين ترى حملته السياسية ضد الحكومة الإسرائيلية، وتحشيد الأوروبيين والعرب، وتصاعد اللغة الأردنية، وصولا الى بدء اتصالات الملك ذاته مع لجان الكونغرس، وصولا الى رئيسة مجلس النواب الأميركي، وأعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، ولجنتي الشؤون الخارجية والخدمات العسكرية في مجلس النواب، تدرك أهمية ما يقوم به، فهو يدافع عن الأردن وفلسطين، ولعله الزعيم العربي والإسلامي الوحيد الذي لم يسكت، ولم يكتف بالكلام، بل خاض حملة سياسية واسعة ضد إسرائيل، وصلت حد التواصل مع رئيسة النواب الأميركي التي تعد الخصم الأول للرئيس الأميركي الحالي.
تواصله الأخير اعتراضا على ضم الضفة الغربية، يدخل الى مساحات حساسة بالنسبة للإدارة الأميركية، إذ على الرغم من ان رئيسة النواب، تعبر عن موقعها وبالتالي الاتصال بها، لا يتعارض مع العلاقات السياسية الأردنية الأميركية، إلا ان علينا التنبه إلى أن رفض الملك لخطة الضم في الضفة، يعني تحديا جزئيا للإدارة وبالوقت نفسه، يصل الملك الى حد تحشيد خصوم الرئيس الأميركي في ذات السياق، وهي خطوة تعبر عن ان رفض الأردن للضم، ليس استعراضيا ولا تبرئة للذمة، ولا بحثا عن رفع شعبية، فقد اوجع الإسرائيليين حقا عند الأوروبيين وبين الاميركيين.
قرأت مئات التعليقات السلبية كلها تنتقص ذاتنا الوطنية وتستصغر كينونتنا، ولا تريد ان تصدق ان الأردن قد يتحدى الولايات المتحدة، ويحرض على إسرائيل، لكن القصة ليست بهذا الشكل، فالملك يتحرك ضمن مساحات متاحة، في توقيت حساس، ويعرف خريطة التوازنات جيدا، ولم يقل ان دولته ثورية، ولا انتحارية، ولا انها أعلنت الحرب المقدسة ضد الاحتلال.
على الأقل، نال الملك شرف محاولة منع ضم الضفة الغربية، فإن نجح، فهذا سوف يسجل في تاريخه، وإن قاومته الظروف، فقد حاول، ولم يسكت بذريعة مصالحه، ولا بد ان نكون معه ومع انفسنا كفريق واحد، برغم كل ازماتنا، حتى نعبر الفترة المقبلة، بأقل الكلف، خصوصا، ان الغدر الإسرائيلي يبقى واردا، فهذا هو شأنهم وتاريخهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى