سواليف
وضعت ليلة الثلاثاء – الأربعاء الماضية، حداً لسياسة الإنكار التي تنتهجها السلطات الأردنية ولا سيما الأمنية منها، في التعامل مع الخلايا الإرهابية النائمة في البلاد، حين تحوّلت مدينة إربد (80 كيلومتراً شمال عمّان)، ثالث أكبر مدن المملكة والقريبة من الحدود السورية، إلى ساحة معركة مفتوحة بين قوات أردنية خاصة وجماعة إرهابية تنشط في أكثر أحياء المدينة فقراً وازدحاماً، وهي المعركة التي امتدت لأكثر من عشر ساعات وانتهت بمقتل سبعة من أفراد الجماعة الإرهابية كانوا يرتدون أحزمة ناسفة، إضافة إلى اعتقال 13 منهم، و”استشهاد” ضابط أردني برتبة نقيب، حسب ما أعلنت السلطات الأردنية.
“المعركة” التي أطلق عليها عملية أمنية ضد خارجين عن القانون في البداية، أعلن رئيس الوزراء الأردني عبدالله النسور، صباح الأربعاء، أنها كانت تستهدف مجموعة إرهابية تتبع لتنظيم إرهابي من دون أن يسميه، قبل أن تُعلن الاستخبارات الأردنية أنها استهدفت مجموعة تتبع لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) كانت تخطط للاعتداء على مدنيين وعسكريين داخل المملكة وزعزعة الأمن الوطني.
ما حدث ليلة الثلاثاء – الأربعاء يمثّل أول مواجهة مسلحة بين أجهزة الأمن الأردنية وعناصر موالية لتنظيم “داعش”، الذي وضع في يونيو/ حزيران من العام 2014 المملكة على خريطة “دولته” المستقبلية التي رسمها، وهو ما أثار خوف السلطات الأمنية حينها، ودفعها لتكثيف نشاطها في استهداف أعضاء التيار السلفي المناصر للتنظيم، من دون أن تغادر سياسة الإنكار التي انتهجتها في التعامل مع الخلايا النائمة لـ”داعش”، والتي عبّر وزير الداخلية الأردني سلامة حماد عن الالتزام بها حين شدد خلال مؤتمر صحافي في 7 فبراير/ شباط الماضي على عدم وجود خلايا نائمة في الأردن، ليخالف بذلك تصريحات سلفه الجنرال حسين هزاع المجالي الذي كان يصرّ قبل إقالته منتصف مايو/ أيار 2015 على وجود خلايا إرهابية نائمة على الساحة الأردنية، وهو الإصرار الذي لم يكن محل رضا من جهات أمنية راغبة في عدم إثارة حالة هلع.
ويشير بيان الاستخبارات الأردنية الذي أعلن تفكيك المخطط “الداعشي”، إلى وجود بنية تنظيمية “صلبة” للمجموعة المستهدفة والتي كانت تحوز كمية كبيرة من السلاح وتمتلك “عقيدة انتحارية” تجلّت بإقدام عدد من أفرادها على ارتداء أحزمة ناسفة خلال الاشتباك مع عناصر الأمن. فيما تؤشر ساعات الاشتباك الطويلة التي أثارت الذعر في قلوب المواطنين إلى شراسة المجموعة “الداعشية” وحرفيتها القتالية. وبرّر مصدر رسمي أردني المدة الطويلة التي احتاجتها العملية إلى “حرص الأجهزة الأمنية على عدم إلحاق أضرار بالمدنيين والممتلكات، وتركيز عملها على استهداف أفراد المجموعة الإرهابية بناءً على المعلومات الاستخبارية”، مضيفاً: “ما تم عملية معقدة خطط لها بعناية وحققت أهدافها من دون أن يسقط أبرياء في صفوف المدنيين”.
لكن معلومات من مصادر متعددة تؤكد تفاجُؤ القوة الأمنية الأردنية التي أنيطت بها مسؤولية التعامل مع المجموعة “الداعشية”، بالمقاومة الشرسة التي لاقتها، وهو ما دفع إلى إرسال تعزيزات إلى منطقة العملية بعد أقل من ساعة على انطلاقها.
العملية الأمنية ليلة الثلاثاء – الأربعاء التي تمحورت في وسط المدينة وتحديداً في منطقتي حنينا ومخيم إربد للاجئين الفلسطينيين، وامتدت جزئياً في مناطق قريبة، لم تكن الأولى التي تنفذها الأجهزة الأردنية ضد مجموعات “داعشية”، لكنها كانت الأعنف. وسبق تلك العملية مداهمة نفذتها دائرة الاستخبارات “بصمت” ليلة السبت الماضي لقرية كفر جايز الواقعة في الشمال الغربي للمدينة وأسفرت عن اعتقال مجموعة مكوّنة من 13 فرداً بينهم اثنان من جنسية عربية، حسب ما علمت “العربي الجديد” من مصادر أمنية. كما سبقت مداهمة كفر جايز بأيام مداهمة لمنطقة الأغوار الشمالية التابعة لمحافظة أربد، أسفرت عن اعتقال مجموعة، لم يُعرف عددها، وبحوزتها أسلحة مختلفة.
وتُقدّر مصادر سلفية أردنية عدد أنصار التيار السلفي الجهادي في مدينة أربد التي تعتبر من المعاقل القوية للتيار، بنحو 3 آلاف شخص، من دون أن تحدد عدد المنتمين منهم لتنظيم “داعش” والتي تعتقد المصادر أنه عدد كبير نسبياً.
يُذكر أن الأردن يشارك في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم “داعش”، وسبق له أن شن غارات “ثأرية” عنيفة بشكل منفرد خارج التحالف في أعقاب إعلان التنظيم في 3 فبراير/ شباط 2015 إعدام الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً. كما يشارك الأردن في التحالف الإسلامي الذي تقوده السعودية للحرب على التنظيم الذي يصنّفه إرهابياً، ويقود حملة إعلامية ضده يصفه فيها بـ”خوارج العصر” في مسعى لتجريده من صفته تنظيماً “إسلامياً”.
العربي الجديد