هل نعلّم ما يناقض #النجاح؟
بقلم: د. #ذوقان_عبيدات
كانت المشكلة الأساس التي تواجه #التعليم هي كيف نقدّم تعليمًا يقود إلى النجاح في #الحياة؟ وكانت استراتيجيات التعليم والثقافة المدرسية تركز على خلاف ذلك، صحيح أن بعض الجهود اهتمت بالمناهج، وصارت تقدم مهارات أو معلومات ومواد أكثر ارتباطًا بالحياة مثل: #الأخلاق، والتعليم المهني، ومهارات التعليم، أو العلوم المنزلية، لكن ثقافة #المدرسة والتعليم وقيمها بقيت بعكس ذلك تمامًا. وبقيت المدرسة في وادٍ جافٍّ بعيدٍ عن أنهار الحياة الدافقة.
ففي المدرسة نتعلم الطاعة والهدوء والتنفيذ، بينما تتطلب الحياة عنادًا وصخبًا ورفضًا!! ما زال #المعلمون يشيدون بالطالب المطيع الهادىء، ويهنئون أهله بذلك. وفي المدرسة يتعلم الطلبة التركيز على الذات، وعدم العمل مع الآخرين، فالواجبات فردية، وممنوع التعاون مع الآخرين، وعدا ذلك يُعَدّ غُشًّا، ومن غشّنا فليس منّا. وفي المدرسة نتعلم أن نبعد عن الخطأ، بل كل خطأ يرتكبه طالب يعاقب عليه، ويحسم من رصيده! بل إنّ من تزداد أخطاؤه يرسب في صفّه. وفي المدرسة نتعلم الدقة بعدم الخروج عن النص، فالكتاب مقدس، وكذلك كلام المعلم، فليس مطلوبًا من أحد غير ذلك أو خلاف ذلك.
وفي المدرسة نتعلم أن نبحث عن الصحيح الواحد، وهذا الصحيح هو واحد فقط، فلا ازدواجية ولا تعددية: لا ترون إلّا ما أريكم أنا! وفي المدرسة نعلم الممنوعات أكثر مما نعلم المسموحات، فالصوت ممنوع، والحركة ممنوعة، والاعتراض ممنوع، وحتى ترتيب الشَّعر ممنوع!!
وفي المدرسة نعلم ثقافة: إمّا – أو، فأنت أمام خيار واحد محدّد، وغالبًا ما يكون الخيار بين صحيح نمطي وآخر مغامر، فيميل الطلبة إلى عدم المغامرة. وفي المدرسة نعلّم التنافس والأنانية، وهي نتاج لعدم التواصل والانفتاح، والتنوع والتعددية!!
هذه هي قيم المدرسة بشكل عام، والمدرسة العربية بشكل خاص. صحيح أن بعض المدارس المتقدمة في كل دولة عربية قد اتجهت نحو رفض هذا القيم، وصارت تؤمن بمجتمعات التعلم، والحوار والنقاش، وعدم قبول المعلومات والحقائق والآراء دون فحصها، لكنّ هذا كما قلت ليس شائعًا في المدارس العربية المنتشرة في أي مكان.
طبعًا، هذه القيم اجتماعية انتقلت إلى المدرسة بحكم الضغط المجتمعي، تعلمها الطلبة، وأعادوا نقلها إلى المجتمع سليمة كما هي، إذن: كيف يتطور المجتمع إذا كانت المدرسة تعيد إليه البضاعة نفسها؟!
وعودة إلى السؤال الرئيس: هل نعلم ما يناقض النجاح في الحياة؟ قديمًا جدّا قال شوقي:
وكم منجبٍ في تلقّي الدروس تلقّى الحياة فلم يُنجِبِ!
فما بالُنا اليوم بعد كل التغيرات ما بعد شوقي، ووصولنا إلى حياة جديدة بالكامل تعتمد المغامرة والجرأة والتجريب، والإفادة من الخطأ، والمشاركة والعمل مع الآخر، والثقة فيه، وهذه قيم تناقض معظم قيم المدرسة. والمدرسة مطالَبة بالتجدد إذا ما أرادت المحافظة على دورها. هناك أهالٍ يرفضون المدرسة، ولا يرسلون أبناءهم إليها، وهناك تهديدات رقمية لمناهج المدرسة، وهناك تهديدات ديموقراطية وحقوقية لثقافة المدرسة، وهناك تهديدات قيمية حياتية للمدرسة: فالحياة الآن وفي المستقبل لها معايير نجاح مختلفةٌ عمّا في المدرسة، فما معايير النجاح في الحياة ؟
- تتطلب الحياة القدرة على الابتكار، والقدرة على تصميم العمل الخاص، وعدم الاعتماد على وظائف جاهزة ومعلّبة.
- تتطلب الحياة القدرة على التجريب والمحاولة والبحث، وارتكاب الأخطاء وعدم الخوف منها.
- تتطلب الحياة القدرة على رؤية الأمور من زوايا جديدة، فلم تعد الحقيقة الواحدة أو الإجابة الواحدة هي الإجابة الصحيحة، فهناك إجابات تستحق أن نفكر فيها أيضًا.
- تتطلب الحياة أن نميز بين أستهلاك المعلومات وإنتاجها، أو بين اجترار المعلومات أو تجديدها.
إن إدارة المعرفة تتطلب كل مهارات الإبداع والتجديد والخروج عن كثير من المألوفات. فهذا التباين بين متطلبات المدرسة الحالية، ومتطلبات الحياة لن يكون في صالح بقاء المدرسة، ولن يساعد في جعلها ميدانًا لاختبار الحياة والتخطيط للمستقبل. قد تكون هذه المتباينات مألوفة، أو في ذهن بعض التربويين لكن التحدي هو في القدرة على إحداثها. إن نجاحنا في إحداث هذه التغيرات مرهون بما يأتي:
1- وضع ثقافة جديدة للمدرسة تستند إلي قيم الحياة الجديدة، وتنحاز إلى الحاضر والمستقبل.
2- إنتاج معلم جديد، بعيدًا عن مكاسبه التاريخية، المتمثلة بمن علمني حرفًا كنت له عبدًا، وثقافة الاستعلاء المعرفي، والإحساس بالظلم الاجتماعي.
هذا يتطلب عملًا جادّا! فمتى نبدأ؟ تطورت كل القطاعات الإنسانية،
من صحة، وهندسة، وقانون، ورياضة، وغيرها، فمتى نشهد تطوّرًا تربويّا!!