هل نحن بحاجة إلى #لجنة #إصلاح وتحديث المنظومة السياسية ؟
موسى العدوان
يقول الأستاذ الدكتور محمد الحمّوري في مقدمة كتابه ” المتطلبات #الدستورية والقانونية لإصلاح #سياسي حقيقي ” ما يلي وأقتبس :
” يدخل #الإصلاح أيا كان نوعه، في ولاية صاحب القرار السياسي. فسواء كان موضوع الإصلاح سياسيا أو اقتصاديا أو قضائيا أو تعليميا . . . الخ، فإن القرار الذي يصدر بهذا الشأن يصدره صاحب السلطة السياسية وفقا لأحكام دستور الدولة. والمفروض أن يسبق اتخاذ القرار دراسة وتحليل لما هو قائم، لتحديد أوجه الخلل في الحالة القائمة محل الشكوى أو في الأشخاص الذين تسببوا فيها، والوصول إلى العناصر الكفيلة بعلاجها، ومن ثم يصدر السياسي قراره انطلاقا من هذه المعطيات.
لكن المشكلة في العديد من دول الوطن العربي، أن الوضع القائم الذي يطالب الناس بإصلاحه من خلال مسيراتهم واعتصاماتهم، هو محصلة لنهج طبقة حاكمة فرضت رأيها الواحد على الناس بوسائل مختلفة، واستمر فرض هذا النهج، الذي يشكل التخويف عنصرا أساسيا فيه، لمن قد يخطر بباله الجأر بالشكوى مما يستشعره من ظلم. وعبر العقود والعهود وتراكم الخوف، ثم سكوت الناس، لم تجد سلطة الحكم سببا يدفعها إلى إصلاح تغير فيه الواقع، لأن ذلك يستتبع أن تتنازل فيه عن امتيازاتها، إذ أن التاريخ لا يعرف حاكما تنازل عن سلطاته طائعا مختارا، ويجرد نفسه من علياء تضعه فوق مستوى البشر.
وإذا كان هذا هو الحال النفسي والتكويني عند صاحب #السلطة، فإن من يحيط به من بطانات وحلقات منتفعة بالقرب منه وتشكل طبقة الحكم، أصبحت ذات خبرة في إبقاء الحال على ما هو عليه. والجامع المشترك بين أهل هذه الطبقة في أنظمة حكم الرأي الواحد، هو قدرتها على استخدام سكوت الناس أو إسكاتهم، دليلا على ان هؤلاء الناس راضون بالقائم، وأنه لا مجال لأي تغيير، في حين هي تعلم الحقيقة بأن الإصلاىح يعصف بمصالحها كطبقة، أو يؤدي إلى الانتقاص منها. ولذلك فإن مقاومتها لأي إصلاح حقيقي انطلاقا من الدفاع عن مصالحها وامتيازاتها، يتطابق ويتكامل مع ما تعرفه عن سيدها صاحب السلطة “. انتهى الاقتباس.
- * *
وفي هذا السياق فقد جاء تشكيل اللجنة التسعينية بتاريخ 20 نيسان 2021 لتطوير المنظومة السياسية واعتماد سياسات وبرامج ومشاريع لتطوير القطاع العام. وإن كان القول بأن التاريخ لا يعيد نفسه، إلاّ أنه في الأردن يعيد نفسه مرات عديدة، إذ كانت هناك سبع لجان سابقة من هذا النوع، ترأسها رؤساء وزارات سابقين. وقد لفت رئس اللجنة الحالية دولة السيد سمير الرفاعي، إلى أن هذه اللجنة ليست الأولى للتحديث، وإنما تبني على ما سبقها من لجان.
وللإجابة على السؤال المطروح بأعلاه، دعوعنا نأخذ نموذجا من إحدى الدول الإفريقية ولتكن جمهورية تنزانيا الاتحادية، التي كانت تعاني من الفقر والتخلف والفساد، لنرى كيف طورت نفسها بهمة رجل وطني واحد، دون الاعتماد على تشكيل لجان رئاسية، ودراسات مطولة تؤدي إلى شراء الوقت، فأصبحت في طليعة الدول المتقدمة خلال زمن لم يتجاوز العشر سنوات.
فجمهورية تنزانيا الاتحادية تقع في شرق الوسط الإفريقي، على شاطئ المحيط الهندي، وتبلغ مساحتها 945 ألف كيلومترا مربعا، وعدد سكانها حوالي 38 مليون نسمة. وكانت هذه الدولة تعاني من الفقر والتخلف، والفساد الذي كان ينخر في مؤسساتها كالسرطان.
ففي شهر أكتوبر 2015 انتخب الشعب التزاني الدكتور جون ماغوفولي رئيسا للجمهورية، وهو الأستاذ الذي عمل مدرسا ثم موظفا في شركة صناعية. وعند توليه الحكم كان يعرف أن الفساد هوالعقبة التي تقف أمام تطور وتقدم بلاده، فقرر أن يواجهه بحزم وجرأة. وعليه قام باتخاذ الإجراءات التالية :
- أقال عدة مسؤولين بارزين من بينهم رئيس جهاز مكافحة الفساد، رئيس مصلحة الضرائب، ومسؤول بارز في السكك الحديدية، ورئيس هيئة الموانئ.
- أوقف الاحتفالات الرسمية في يوم الاستقلال، لكي يوفر المصروفات على الدولة، وحوّل مبالغها لمحاربة وباء الكوليرا، وألغى كافة مظاهر البذخ في البلاد.
- خفض عدد الوزراء في الحكومة من 30 إلى 19 وزيرا، وطلب من جميع الوزراء الكشف على أرصدتهم وممتلكاتهم، وهدد بإقالة أي وزير لا يكشف عن حسابه، أو لا يوقّع على تعهد بالنزاهة.
- منع جميع المسؤولين من السفر للخارج بغير ترخيص مباشر منه، حيث يرى في نظره أن هؤلاء المسؤولين عليهم أن يهتموا بالمشاكل الداخلية، أما السفراء فعليهم أن يهتموا بقضايا الوطن في الخارج، كما منع المسؤولين في الحكومة من السفر بالدرجة الأولى في الطائرات.
- منع اللقاءات والندوات الحكومية التي تقام في الفنادق، وفي لقاء الكومنولث أرسل 4 مسؤولين فقط ليمثلوا البلاد، بدلا من 50 ممثلا كانوا مدرجين في الكشف وجاهزين للسفر.
- في زيارة مفاجئة قام بها للمستشفى الرئيسي في الدولة، وجد المرضى يفترشون الأرض، ووجد أيضا الأجهزة الطبية معطلة. فعزل جميع المسؤولين في المستشفى، وأعطى مهلة إسبوعين للإدارة الجديدة للإصلاح، ولكن تم إصلاح كل شيء في خلال ثلاثة أيام فقط.
- خفض ميزانية حفل افتتاح البرلمان الجديد من 100 ألف دولار إلى 7 آلاف دولار، وحول المبالغ المتبقية لتكملة نواقص المعدات الصحية بالمستشفى الرئيسي في البلاد.
- أرسل رئيس الوزراء في تفتيش مفاجئ لميناء دار السلام، واكتشف وجود تجاوزات ضريبية واختلاسات بلغت 40 مليون دولار من العائدات، فأمر باعتقال رئيس الديوان في الحكومة مع خمسة من كبار مساعديه، وبدأ تحقيقا جنائيا معهم.
- أمر بجمع جميع عربات الدفع الرباعي ( 4 × 4 ) التابعة للدولة وباعها بالمزاد العلني، وعوضها بسيارات تويوتا صغيرة ( فيتز ).
- شن حملة على المتهربين من دفع الضرائب وجمع في شهر واحد 500 مليون دولار.
11 . قام بزيارات يومية مفاجئة للوزارات والمؤسسات الرسمية، وعقب كل زيارة كان يقيل عددا من المسؤولين المقصرين في أعمالهم ويحيلهم للمحاكمة. - في شهر ابريل/ نيسان عام 2017 أمر بفصل نحو 10 آلاف موظف مدني، وذلك عقب الكشف عن شهادات مزورة من خلال عملية تدقيق موسعة، تم إجراؤها في المؤسسات العامة. وكان قبل ذلك بأقل من عام قد فصل نحو 20 ألف مواطن، كانوا يتقاضون رواتب دون أن يقدموا شيئا في القطاع العام. فكانت الدولة تدفع كل 107 ملايين دولار سنويا كرواتب لموظفين وهميين.
- شارك الرئيس التنزاني بنفسه مواطني بلاده، في حملة تنظيف شوارع مدينة دار السلام بدلا من حفل التنصيب.
- رفض الرئيس طلب مؤيديه في تعديل الدستور، ليسمح بإعادة توليه الحكم فترة جديدة، ووعد بتسليم السلطة، عندما انتهاء مدة ولايته دون تجديد.
هذا هو جون ماغوفولي، رئيس الدولة الإفريقية التي تنتمي إلى دول العالم الثالث. فقد عرف قيمة شعبه وخفف من الأعباء عليه، من خلال إصلاحات حقيقية اجتثت الفساد من بلاده. فقدم للعالم نموذجا حضاريا في النزاهة والحزم والإصلاح، دون أن يطلب من شعبه التسبيح بحمده، أو صناعة بطولات خيالية، تلمّعها وسائل الأعلام الكاذبة. لقد آمن بأن شعبه يستحق الخدمة، فقام بحملته الشرسة محاولا نقل بلاده من دولة فقيرة إلى دولة عصرية متقدمة دون اللجوء لتشكل لجان رئاسية، تدور في فراغ وتقدم توصيات لا يجري تنفيذها.
ولهذا أطلقت عليه وسائل الإعلام المحلية والعالمية لقب ” البلدوزر ” لأنه اجتث الفساد وجرف المفسدين من مناصب الدولة، ومهّد طريق العمل لذوي العقول المتفتحة، والأمناء على مصلحة الوطن. وقد توفي مأسوفا عليه من شعبه، بتاريخ 21 آذار 2021 عبمر يناهز 61 عاما.
وختاما أقول : هل يمكن أن نحلم في يوم قادم . . أن يهتدي صانعي القرار في بلدنا بهذه الإجراءات، ويطبقون ما يتوافق منها مع ظروفنا وطبيعة شعبنا، من أجل تقدم ونهضة الوطن ؟ أرجو الله أن يحدث ذلك في المستقبل المنظور . . !
التاريخ : 17 / 8 / 2021