هل نحن بحاجة إلى لجنة إصلاح ؟

هل نحن بحاجة إلى لجنة إصلاح ؟
موسى العدوان

تداولت الأخبار هذه الأيام، قصة البحث عن #رئيس #وزراء سابق ليترأس لجنة حوا ، تضع قواعد وأسس #الإصلاح في هذا الوطن.

إن أي #لجنة #إصلاح يترأسها رئيس وزراء سابق أو يكون أعضاؤها من وزراء سابقين، لن تفلح في وضع أسس وقواعد الإصلاح المنشود. فمن كان مساهما بهذا الخراب الذي وصلنا إليه في مختلف مفاصل الدولة، لن يكون قادرا على الانعطاف للإصلاح المأمول.
وفي الحقيقة أن الإصلاح لدينا لا يحتاج إلى لجنة لدراسته، فقد أصبح معروفا لمعظم المواطنين، إذ يبدأ بثلاث مرتكزات أساسية هي : تعديل #الدستور وإزالة #التشوهات التي أدخلت عليه، وتطويره بما يناسب الأوضاع الراهنة، صياغة قانون انتخاب يفرز نواب وطن حقيقيين وليس نواب حارات، على أن لا تتدخل به وبأعماله لاحقا جهات خارجية، وحكومة منتخبة صاحبة ولاية.
ولنا في قصة نجاح البرازيل في الإصلاح درس وعبرة.
فجمهورية البرازيل التي تبلغ مساحتها نصف قارة أمريكا الجنوبية بعدد سكان يتجاوز أل 200 مليون نسمة، كانت مستعمرة برتغالية لما يقارب الثلاثة قرون، ولم يرحل عنها الاستعمار إلاّ في عام 1827، مخلفا وراءه جيشا من الفقراء والجياع، رغم توفر الثروات في البلاد. ففي عهد الرئيس ( كار دوزو ) وصلت البلاد عام 2002 إلى حد الإفلاس، إذ بلغ الدين الخارجي 250 مليار دولار، نتيجة لاعتمادها على سياسة السوق الحر، والاستدانة من البنك والصندوق الدوليين.
لقد عانت البلاد من قسوة الظروف، إذ كان سكانها يعيشون حياة بدائية، يطغى عليها التخلف والفقر المدقع، لدرجة أنهم راحوا يخلّفون الكثير من الأطفال، ليبيعوا أعضاءهم البشرية ( كالكبد، والكِلا، والقرنيات، الخ … ) إلى دول أوروبا وأمريكا ببضع دولارات. وفي أواخر عام 2002 انتخب البرازيليون ( لولا دا سيلفا ) رئيسا لهم، وهو الذي كان عاملا بسيطا اشتغل كماسح أحذية وبائع برتقال ثم كاوي ملابس، قبل أن يصل إلى منصب رئيس النقابات العمالية. وبسبب فقره فإنه لم يكمل حتى دراسته الابتدائية.
تعهد ( سيلفا ) لأبناء الشعب البرازيلي، أنه سيحقق لهم أحلامهم التي انتظروها سنين طويلة. ولكنه وعدهم بأن لا يتكلم كثيرا، ولا أن يسرح بعقول الناس ( كما يفعل جهابذتنا المسؤولين )، بل سينقطع عن الكلام تماما، وسيترك إنجازاته تتكلم عن نفسها. أدرك ( سيلفا ) أن البرازيل لم تكن تنقصها الأموال أو الموارد، بل عرف أن المشكلة تكمن في ترتيب الأولويات، وتحويل طاقات الحكومات السابقة نحو الأثرياء، ظنا منها بأنهم رافعة الاقتصاد الوحيدة في البلاد.
وعلى العكس من ذلك اعتقد ( سيلفا ) أن رافعة البلاد الحقيقية تكمن في فقرائها، إذ أن 95 مليون يد عاملة هي كنز البرازيل الحقيقي. فدعا للنهوض بالفقراء لكي ينهضوا باقتصاد البلاد، وقدم اقتراحات تدعم ذلك التوجه منها : الخروج من عباءة البنك والصندوق الدوليين، تشجيع الصناعة، زيادة الإنفاق على القطاعات الاقتصادية، فتح علاقات جديدة مع الاتحاد الأوروبي، تشجيع السياحة والزراعة، تطوير قوانين الاستثمار، وغير ذلك.
هذه الخطة أرعبت الأغنياء ظنا منهم أنها ستسلبهم أموالهم. لكن الرئيس كان مصمما على تنفيذ خطته، وأطلق برنامجه الرائد ( معاش الأسر الفقيرة )، وهو الذي يمنح الأسر الأكثر فقرا راتبا شهريا مقابل تعليم أطفالها. ثم بدأ برنامجا للتدريب المهني، فأنشأ المدارس المهنية، وجامعات التطوير التقني في مختلف أرجاء البلاد. وركّز على صناعة السيارات والأسلحة والإلكترونيات، وزيادة الاستثمار في النفط والغاز والحديد، فوفّر أكثر من 20 مليون فرصة عمل، أدخلت الفقراء إلى سوق العمل، فغطت حوالي 46 مليون شخص أي ما يعادل ربع سكان البلاد. ولكنه لم يمدّ يده إلى جيوب المواطنين، كما تفعل حكوماتنا المتعاقبة.
وهكذا تحسنت القوة الشرائية للفقراء، وازداد الطلب على السلع، وزادت الصادرات من 60 مليار دولار إلى 152 مليار دولار سنويا، وارتفعت الاستثمارات في الإسكان من 7 مليارات دولار إلى 63 مليار دولار سنويا، وحقق الإنتاج الإجمالي قفزة عمودية من نصف تريليون دولار إلى ما يزيد عن 2,5 تريليون دولار سنويا. فتحركت عجلة الاقتصاد بسرعة هائلة، وبدلا من تحمّل البلاد دينا لصندوق النقد الدولي، بمبلغ 250 مليار دولار في عام 2002، أصبح الصندوق في عام 2010 مدينا للبرازيل بمبلغ 14 مليار دولار.
في زيارة لِ ( سيلفا ) إلى الولايات المتحدة، طلب منه الرئيس بوش الابن، أن يدخل الجيش البرازيلي في الحرب مع قوات التحالف ضد العراق. فكان جوابه بكل ثقة : ” إن قضيتي ليست في الحرب مع العراق، ولكن قضيتي هي الحرب مع الفقر والجوع اللذين يواجهان شعبي “.
انتهت ولاية ( سيلفا ) في منصب رئيس الجمهورية لفترتين متتاليتين، امتدت من عام 2003 إلى عام 2011، استطاع خلاها أن يحقق معجزة اقتصادية عظيمة لبلاده. وبالرغم من مطالبة الشعب كله تقريبا بتعديل الدستور، لكي يبقى رئيسا للبرازيل لفترة ثالثة، إلا أنه رفض ذلك وخرج على الشعب بخطاب رئاسي وعلى الهواء مباشرة، حيث بكى ثم قال كلمته المشهورة :
” أنا لا يمكن أن أعدّل الدستور لمصلحتي مهما حصل، حتى لو كان فيه خير لبلادي، لأنه يمكن لأحد بعدي أن يعدل الدستور على مزاجه، وقد يكون في ذلك ضررا كبيرا على البرازيل “.
وهكذا في أقل من 8 سنوات حقق ( سيلفا ” معجزة النهضة البرازيلية، ليقدم للعالم تجربة فريدة وملهِمة لشعوبها التي تريد أن تنهض بشعوبها، حيث أصبحت البرازيل في عام 2010 تحتل المركز السابع عالميا من حيث قوة الاقتصاد، محققة نسبة نمو تبلغ 7,5 %. وحينما سُئل كيف حققت هذا ؟ أجاب بتواضع شديد : ” اعتبرت أن معركتي الوحيدة في البرازيل “.
رجل في أمريكا اللاتينية لا يحمل شهادات من هارفرد أو كيمبرج أو السوربون، بل أنه لم يكمل دراسته الابتدائية، اعتمد على نفسه دون وساطة من أحد، فوصل إلى رئاسة جمهورية البرازيل في العقد الأول من هذا القرن، ونهض بها إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة.
أما جهابذة الاقتصاد والسياسة لدينا، ممن يحملون الشهادات العليا من الجامعات العالمية، وهبط البعض منهم علينا بالبرشوت، فقد فشلوا في إدارة الدولة وقادونا إلى أزمات مركبة، دون أن نتقدم خطوة واحدة إلى الأمام. فغرقنا بالديون التي ما زالت تنمو وتتضخم يوما بعد يوم، وأصبحنا لا نعرف طريق الخلاص ولا خط النهاية ؟
وطالما أن المناصب الحكومية الهامة لدينا منذ عقدين على الأقل، هي حقل تجارب خاضها أصحاب الشهادات العالمية، وكانت نتائجها فشلا ذريعا في مختلف المجالات، فلماذا لا نجرّب أصحاب الشهادات الثانوية والمتوسطة أقران ( سلفيا )، الذين قلوبهم على سلامة الوطن ؟ فقد يكونوا أكثر من غيرهم فهما لحالته، وأكثر قدرة على إدارة الدولة، التي بدأت تعبر مئويتها الثانية. ثم نحكم على إي التجربتين أنفع للوطن وأهله، ” دون الحاجة للجان دراسة الإصلاح بين حين وآخر “، تكون نتائجها فشلا يعزّز فشلا سابقا . . !
التاريخ : 8 / 6 / 2021

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى