هل نحتاج إلى إعادة #غرس_القيم لدى طلبتنا؟ وكيف يكون ذلك بشكل فعّال؟
وهل هناك ما يحول دون تشرّب أبنائنا القيم المرغوبة والمطلوبة مجتمعيّا؟
الدكتور: #محمود_المساد
إن الوصف الصادق للحالة التي وصلنا إليها هو أقرب ما يكون لتهميش #القيم، وضعف تأثيرها، وخاصة القيم المرغوبة والمطلوبة مجتمعيّا، وهنا لا نبالغ إذا قلنا بأن هذه القيم تآكلت، وباتت غير قادرة على توجيه #السلوك القويم. من جانب آخر، دخلت عليها قيم غريبة غير مقبولة نافستها، وأضعفتها ببريقها الجاذب الكاذب، ودعم النماذج التافهة ذات التأثير الآني الخادع لها.
من هنا، جاءت الأسئلة أعلاه ضرورية ومسوّغة؛ لأسباب كثيرة منها سياسية واقتصادية وثقافية أثّرت على #الأردن، واستهدفته بالنيل من صلابة أبنائه، وتمسّكهم بموروثهم الثقافي، وانتمائهم للوطن والمنجزات. وعليه، فإن الأهم لنا في هذا الوقت العصيب من عمر #الوطن، وتسيّد غير المهتمين لمقدراته هو أن نركّز على الجانب التربوي المرتبط بأساليب #تعليم القيم، وأساليب تعلمها، إذ لا يعقل أن نتعامل مع تعليم القيم وتعلّمها، كما نتعامل مع تعليم الحقائق والأفكار الأكاديمية وتعلّمها.
وفي هذا الصدد ،نحتاج لبناء #منظومة القيم وترسيخها في أطر الطلبة الفكرية، إلى الحد الذي يتشربونها ويسلكون بوحي منها، مع لزوم إرساء القواعد التي من شأنها تهيئة المكان، والمتطلبات لحواضن القيم المناسبة، وأن تكون هذه القواعد صلبة تأخذ بأهمية تدخلات المستقبل وتوقعاته، والمتابعة المستمرة، والرعاية، والصيانة والترميم، والتطوير بحسب المستجدات. إذ كلما كانت المغريات للخروج عن خصائص هذا البناء القيمي أقوى، احتاج هذا البناء إلى الرعاية والصيانة بصورة أكثر.
إن تفاعلنا المستمر الإيجابي مع الأبناء في غاية الأهمية، فعن طريقه، وفي كل موقف نغرس قيمة، أو نؤكد على قيمة سبق غرسها، أو نرعى قيما نسعد لمحافظتهم عليها، ومن قُبلة الطفل قبل ذهابه للنوم، أو عند استيقاظه في الصباح نعلمه درسا، وهذا يؤكد مقولة: ” في البيت نبني منظومة القيم، وفي البيت ندفنها “، والمعلم هوالأب الثاني بحق من حيث التأثير والمدرسة، وخاصة الروضة، والصفوف الأولى منها البيت الثاني. وهذا يؤشر على تضمين الإطار العام للمناهج الأردنيه أهم تجديد حصل لها، وهوإدماج المفاهيم الحياتية بما فيها من قيم بمحتوى التعلم باشكال مختلفة، أبرزها المواقف العملية، والتجريبية؛ ليستمثرها المعلمون في تفاعلهم الصفي، والمدرسي بطرائق تغرس هذه القيم لدى الطلبة.
من هذا المنطلق، أعرض لبعض الكيفيات التي تساعد في عملية بناء القيم لدى أطفالنا على النحو الآتي:
- يتعلم الأطفال حول قيمنا بالتفاعل الإيجابي اليومي معنا.
- نعلّم أطفالنا القيم باصطحابهم معنا إلى السوق، وإلى دور العبادة، وإلى المزرعة، وإلى الملعب … إلخ. أو عندما نعقب لهم بعد حادثة ما عن فائدة قول الصدق، وعواقب الكذب، ومعنى الفرح والسعادة، وعندما نشرح لهم فضائل المشاركة، وتقديم العون لمن هم معنا في رحلة الصيف، أو المخيم، أو الحافلة العامة.. إلخ من هذه المواقف.
- يتعلم أطفالنا قيمنا عن طريق الأمثلة المرتبطة بها، والدالة عليها. فعندما يرى أطفالنا أننا التقطنا القاذورات من الطريق، أو من ردهات البيت وساحاته، فإنهم بالتدريج يمتنعون ذاتيا عن رميها، وأن علينا أن نضعها في المكان المخصص لها. وعلى مدى الإقامة في البيت مع الأطفال، يتعلمون كيف يحترم الواحد منهم الآخر بالملاحظة والمحاكاة والتعزيز، وبمثل هذه المواقف نرسي ونجذر الكثير من القيم مثل: المرونة، وقبول الرأي الأخر، والكرم، والنفقة، والعون … إلخ.
- يتعلم أطفالنا قيمنا التي نكافح من أجلها، والحقيقة التي لا تقبل الشك أن أطفالنا يتعلمون ما نفعله الآباء والأمهات والمربين، ويصبح هذا الفعل لهم نموذجا يقتدى، كون أن الأب هو الذي قام به (ومثله الأم، والأخ الأكبر، أو الأخت الكبرى)، وليس من الحقيقة أن الأطفال بحاجة فقط إلى النموذج المتقن، أو النموذج المثالي لكي يعلّم الأب أطفاله القيمة .
وعليه، فإن تحرك أحد الوالدين، أو الكبار في الأسرة، أو المعلم، أو مدير المدرسة نحو قيمة ما بحماس أكبر من المعتاد، فإنه يكون قد غرس قيمة لدى الأطفال في الأسرة أو المدرسة. فالأطفال يلتقطون ما نتحمس إليه أو نناضل من أجله.
- يتعلم أطفالنا قيمنا بالطريقة التي نفعل بها الأشياء داخل الأسرة. بمعنى عندما نجلس معاً ونتحدث، هل نتحاور؟ هل الكبير يتحدث والصغير يستمع فقط ؟ هل نتحدث مع الابتسامة والتواصل الإيجابي ؟ هل نلعب معاً ونغني معاً ؟ هل نتمازح ويرمي أحدنا الأخر بالوسادة، ويركض أحدنا خلف الآخر؟ هل نُمضي وقتا ممتعا معاً ؟ فالوقت الممتع الذي نقضيه معا بالبيت، يغرس فينا قيما تترسّخ، وتتأصل مع استمرار هذه الأجواء الممتعة. وهذا ما يجعل الطفل فخورا بأسرته، ويحرص على قضاء وقت أطول معها، كما وتصبح الأسرة فيما يتعلق به، لها الأولوية الأولى. وبالطريقة نفسها نتحدث عن المدرسة، فكلما كانت ممتعة غرست القيم ويتشربها الأبناء، ويتم فعل الانتماء لها.
- يتعلم أطفالنا قيمنا التي نعمل بقوة على فضح كل ما يخالفها في مجتمع أوسع. فالأطفال يتشربون القيم والأعراف الاجتماعية عن طريق ما يدور من حوار، وجدل حول القضايا المتعددة بين الأصدقاء والأسر الممتدة والكتب والتلفزيون.. وغيرها . وعلى سبيل المثال،ً ما الذي دار من حوار حول ما قالته الطالبة أمل في المدرسة؟ وما تبع ذلك من حوار في البيت، وبين الأصدقاء، وما كُتب حوله من مقالات، وما دارت حوله من ندوات تليفزيونية؟ لقد قالت: إنها ذهبت في أحد الأيام مع والدتها إلى المستشفى، ولاحظت أن معظم الأطباء من الذكور، لقد كانت والدتها ترغب في أن تعالجها طبيبة، لكن لم يكن ذلك ممكنا. لقد حفرت هذه القضية في نفس أمل قضية المرأة ذات الصلة بقيم التمييز القائم على الجنس، وتكافؤ الفرص، والعدالة بين الجنسين، وحقوق المرأة.. إلخ . كما تحمست للمطالبة بها والدعوة لتقدم المرأة، ونيلها حقوقها الأسرية والعامة.
- يتعلم أطفالنا قيمنا بوساطة تفسيراتنا للعالم، وما يدور به من قضايا، وما تحمله الطبيعة من أسرار.
حقيقة لا نستطيع أن نتحكم بكل ما يدور في المجتمع، كما لا يمكننا أن نعرف أو نتوقع ما الذي يراه أطفالنا أو يسمعوه في الشارع والمدرسة والحديقة .. إلخ؟ وكثيراً ما يقع لهم ما لا نرغب لهم في أن يروه أو يسمعوه. ولكن الحقيقة المؤكدة أنهم يقدمون لنا الفرصة الذهبية لتوضيح وجهة نظرنا فيما يخبروننا به مما شاهدوه أو سمعوه. مع أننا في الحقيقة أيضا أننا لم نخترّ لهم المرور بهذه الخبرات. إلا أن الفرصة الذهبية تكمن فيما نقدمه لهم من شروح، ووجهات نظر، وكلما كانت إيجابية ومقنعة وتنسجم مع القيم التي نرغب فيها لهم، وأن يتمثلوها وتصبح موجهة لهم ولسلوكهم، كان ذلك أفضل على طريق بناء القيم لديهم.