إنترنت الأقمار الصناعية و مستقبل صناعة الاتصالات بين الفرص و التهديدات عالميًا/ د. حسين البناء

يبدو أنّه قد اتضحت بشكلٍ أوليّ صورة مستقبل نظام الاتصالات و المعلوماتية في العالم، حيث ستشكل فيه تقنيات الأقمار الصناعية (Satellite) المُحرك الرئيس فيه. إذ سينتقل مفهوم الاتصالات من الشكل الحالي القائم على جملة أنظمة من ضمنها الأقمار الصناعية، و أبراج البث، و محطات التقوية الأرضية، و الأسلاك، و الألياف الضوئية …الخ ليتم استبدال كل هذه التعقيدات بنظام متكامل يعتمد على بُنيَة أساسية للبث والاستقبال اللاسلكي بالاعتماد على الأقمار الصناعية، حيث يكون فيه القمر الصناعي عقدة الاتصال (المباشرۃ) ما بين المرسل و المستقبل، مدعومًا بمحطة أرضية لإدارة هذا المفهوم و دعمه فنيًا.

التغيّر الأبرز في منظومة الاتصال الحديثة هذه هو استخدام (الإنترنت) كمفهوم وناقل أساسي للاتصالات، حيث سيكون فيه بث (الإذاعات، و التلفزة، و الرسائل النصية، و الصوت، و الصورة الثابتة و المتحركة) جميعها يتم (بثه و نقله و استقباله) بوساطة شبكة الإنترنت اللاسلكية عن طريق الأقمار الصناعية، ممّا يُعني إنهاء التقنيات المستخدمة حاليًا في البث الأرضي للتلفزيون والراديو و شبكات الإنترنت التقليدية و شركات خدمات الرسائل (SMS) و كافة الأنظمة السلكية و الأبراج الأرضية و الألياف الضوئية.

تقنية (تصنيع الأقمار الصناعية و إطلاقها) من التعقيد لدرجة أنها ما زالت محصورة بالدول المتقدمة من العالم الأول، و حديثًا دخلت هذا المجال الصين و الهند و إسرائيل. صناعة الأقمار الصناعية أحرزت تطورًا ملحوظًا تَمثّل بتقليل الكلفة و تصغير الحجم و تحسين الطاقة الاستيعابية لقدرات الاتصال.

الولايات المتحدة الأمريكية تتخذ من الريادة و الابتكار المحرك الأساسي لنمو اقتصادها، و تقوم حاليًا شركة (SpaceX) بإطلاق مشروع تجاري لبث الإنترنت عبر الأقمار الصناعية، باستخدام مئات من هذه الأقمار ذات المدار الفضائي المنخفض، وتمّ ذلك مع بداية (شباط 2018) تحت مسمى (Falcon) كسلسلة في حلقة أقمار ستطلق لاحقًا لاستكمال المشروع الكبير و العالمي.

مقالات ذات صلة

السؤال الخطير: ماذا يُعني ذلك؟

إنّ الاستغناء عن منظومات الاتصال التقليدية الحالية و استبدالها بنظام شامل و حصري و متكامل يعتمد على (القمر الصناعي و بث الإنترنت لاسلكيًا من الفضاء) لهو أمرٌ بالغ التأثير على العالم، حكومات و اقتصاد و أمن؛ فهو يقدم مفهومًا جديدًا للاتصالات لا يُمكن فيه للحكومات ضبط عملية تدفق البيانات بين المرسل و المستقبل ولا اعتراض الرسائل و تخزينها، حيث ستَحتكِر الشركات المُشغّلة للمنظومة كل ذلك حصرًا !

ليس هذا فحسب، بل ستفقد اقتصادات الدول (غير المنتجة للمنظومة الحديثة تلك) ملايين فرص العمل، لأولائك المشتغلين في شركات الاتصالات و الهاتف و الإنترنت و البث الإذاعي و التلفزيوني التقليدي، ليَحل مكانهم بضع علماء و مهندسين في مقر الشركة المالكة و المشغلة للقمر الصناعي.

من الجهة المقابلة الإيجابية، سيَحظَى غالبية سكان الأرض بخدمة اتصال و إنترنت ذات جودة عالية لا تتأثر بالقرب من (أبراج البث و إعادة تقوية البث) أبدًا؛ حيث ستكون و للمرة الأولى التغطية شاملة لكل سطح الأرض و بدون عوائق (قوة الإشارة و التغطية) المعهودة.

في جهة أخرى، يدور تساؤل جاد حول مدى الموثوقية بشركات (خاصة ربحية) سوف تكون مُستأمَنة على بيانات و خصوصية الناس المُتلقّين لخدمات الاتصال فيها؟! وإلى أي مدى سيكون مفهوم (الخصوصية) و (أمن الاتصال) من ضمن أجندة تلك الشركات؟ حيث لا يمكن إغفال الجانب الأمني في عملية الاتصال، فمن هو (القادر على و المسؤول عن) تعقّب رسائل تتعلق بالإرهاب مثلًا؟! وهل ستستمر الدول (الشمولية و القمعية) بكبح الحريات و السيطرة على الاتصالات و تدفق الرسائل (غير المرغوبة) بعد ذلك؟

والتساؤل الأكثر عمقًا هو: إلى متى ستبقى شركات معدودة تحتكر منظومة الاتصالات في جميع العالم دون منافسة حقيقية من أطراف جديدة أكانت (دولا أو شركات) ؟!

الاقتصاد العالمي الحديث هو اقتصاد معرفة، يأخذ جانبًا (افتراضيًا) غير محسوس في كثيرٍ من جوانبه، و سيُشكّل مجال الاتصالات و المعلوماتية فيه الجانب الأكثر ربحية و خلقًا لفرص العمل. كل هذه الفرص ستكون متاحة لدول و شركات و سكان العالم المتقدّم، بينما ستكون العقبات و المخاطر في مواجهة بلدان و اقتصادات العالم النامي الذي سيبدوا متأخرًا جدًا عن الركب (الإلكتروني) بالغ السرعة والتطور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى