هل من ضرورة للدين؟

هل من ضرورة للدين؟
د. هاشم غرايبه
تبين بعد التجارب البشرية الطويلة أن #الخوف من #العقاب (سلطة #القانون) قد يقيد نوازع الشر بدرجات متفاوته تتناسب مع دقة المراقبة القانونية، ولكن الرادع الأقوى هو الرقابة الداخلية من الانسان ذاته، وهي صارمة حتما، ولا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا تيقن الانسان من وجود قوة مهيمنة عليه وعلى كل شيء وقادرة على إحصاء أعماله وحتى معرفة نواياه، وتسجيل كل مخالفاته ومحاسبته عليها في وقت مفاجيء لا يعلمه.
من هنا جاء الدين، ولهذا أوجده الله.
يوما قال لي أحدهم: لست بحاجة لدينكم، فقد جاء ليتمم مكارم الأخلاق، وأنا لا أشكو من نقص فيها، قلت: أرأيت إن كانت لك حاجة عند مديرك في العمل وعلمت أنها قد تقضى إن أنت أولمت له أو أهديته شيئا يحبه، أأنت فاعل له ذلك؟، قال: بلى، وما الضير فأنا لا أضر أحدا ولا آخذ حق أحد، قلت: وما أدراك أنه ليس لك منافس أحق منك؟، أنت حكمت بناء على ما خولتك أخلاقك (التامة!) لكن الدين أنزه حكما من الفرد، لكون المصلحة الشخصية قد تغلب على المصلحة العامة، فالدين لا يجيز ما أجازته أخلاقك التي اعتبرتها كاملة، ويعتبر ذلك رشوة.!
يجهد أعداء الدين وخصومه وبعض المنتسبين له إسميا لكنهم غير ملتزمين به تكاسلا وتهربا من الإلتزامات، يجهد كل هؤلاء أنفسهم في البحث عما يعزز نظرتهم السلبية الى الدين، فإن رأوا شخصا ملتحيا لا يلتزم بواجباته في عمله أو طالبة محجبة تغش في الامتحان، تغامزوا فرحين: ألم نقل لكم من قبل؟ أهذا هو الدين؟ .
أما ما يسرهم أكثر فهو تتبع ونشر أخبار بعض المتطرفين المغالين في فهمهم السقيم للدين.
مقاصد الاسلام في منفعة الناس لا تنحصر في تقويم السلوك الفردي، فأغلب تشريعاته تنظم المجتمعات، ولو تناولنا إحدى مفرداته في الجانب الاقتصادي، سنجده عالج أهم خلل اجتماعي، وهو التباين الهائل في توزيع الثروات، فيما لم يتمكن – وعلى مدار التاريخ – أي تشريع بشري من المساس بمصالح أصحاب رؤوس الأموال الكبار، لأن نفوذهم الطاغي يحميهم، فظلت كل التشريعات تتغاضى عن استخدامهم أسلوب الكسب الفردي السهل، باستيلاد المال من المال (فوائد الودائع البنكية)، ولم تجرؤ على الزامهم باستخدام المال في الانتاج وتمويل المشاريع، وهو الأمر الذي يعود بالنفع على الجميع، والازدهار للمجتمع، ولا استطاعت أن تضع تشريعا يلزم الأغنياء بمساعدة الفقراء لتحقيق عدالة أكبر.
ولما كان المال هو السلعة الأساسية للتداول بين الناس، فقد عالجه الدين بضوابط مبنية على منع تكدس الأموال في أيدي عدد محدود: “كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأغْنِيَاءِ مِنْكُمْ” [الحشر:7]، أهمها:
1- منع وبشكل حازم الربا (الربح من القروض)، لتتوجه كل الأموال الى الاستثمار بما يعود على المستثمر والمجتمع معا بالربح، ومعروف أن أي مشروع انتاجي يشغل عددا من العاملين فيه، ويوفر السلع، ويخلق جوا من التنافس يؤدي الى تحسين المنتج وتخفيض سعره، مما يجعله في متناول شريحة أوسع من الناس، وبالتالي يخلق حالة من الازدهار ..وهو مقصد التشريع .
2 – أوجب الزكاة، وهي الى جانب كونها عبادة مفروضة فهي تؤدي الى العدالة في توزيع الثروات، والتقارب الاجتماعي، إضافة الى معالجة مشكلة التضخم الناجم عن كنز المال خوفا من المجازفة الاستثمارية، حيث تقتطع من المال غير المستخدم حولا كاملا 2.5 %، لذلك وخوفا من تناقصه يلجأ من يكنزه الى تحريكه باستثماره في المشاريع.
3 – جعل الكفارات لمخالفة الشريعة أغلبها مالي، كما حض كثيرا على الصدقات، فيسود الوئام بدل التحاسد، وتقارب الطبقات بدلا من تصارعها.
والأهم من كل ما سبق أن الزكاة تحقق مالا تحققه ضريبة الدخل، فرغم أن نسبة الاقتطاع الضريبي هي عشرة أضعاف الزكاة بالمتوسط، لكن مردود الضريبة أقل، لأن المكلف يدفعها مرغما وخوفا من القانون، ويسعى ويتحايل لتخفيضها ما أمكن، بينما يدفع المزكي الزكاة بقناعة ورضا، ويحرص على أدائها في وقتها، ولأنه يرجو من الله قبولها كونها عبادة وليست تبرعا، فلا يسعى لها انقاصا أو تأجيلا أو تقسيطا.
هل في غير الاسلام مثل ذلك !؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى