هل سيُكسر ظهرُ الفساد أم ظهرُ المواطن؟

هل سيُكسر ظهرُ الفساد أم ظهرُ المواطن ؟
م. عبدالكريم أبو زنيمة
يبدو أنَّ الرّياح تجري بما تشتهي سُفن الفساد، فجميع ما يحدثُ مؤخراً يرفد بحر الفساد ويغذيه، ابتداءً بالتّعامي الحكومي عنه وحتى سن القوانين التي تحميه وتُكمم الأفواه عن الحديث عنه ! آخر هذه القوانين هي تلك الرّامية نحو تجريم ما يُدعى بـ اغتيال الشخصية ! أيُّ تُهمةٍ هذه؟ أأصبحت الإشارة للفساد المُستشري اغتيالاً لشخصيات الفاسدين؟ بدلاً من كسر ظهر الفساد وقصمه، إنَّ التوجه لتشريع هكذا قوانين تهدف لحماية ظهر الفساد وتقويته، ليصبح غير قابلٍ للكسر، خلافاً للمواطن وللوطن الذي أصبح كسرهما أهون وأكثر يُسراً.
بدلاً من كسر ظهر الفساد، تُكسر الأصابع التي تُشير للفساد، فأعداد الموظفين الشرفاء الذين طردوا من وظائفهم لكشفهم قضايا فساد تشهدُ على هذه الحقيقة، وأمثالنا الشعبية الدارجة تشهد على هذه الحقيقةِ أيضاً، من تلك الأمثال، المثل القائل: “حط راسك بين الروس وقول وينك يا قطاع الروس” أو ذاك القائل: “اربط الحمار محل ما يقولك صاحبه”، نعم للأسف، هذا ما آل إليه حالنا اليوم، نرى الفساد بأُم أعيننا ولا نجرؤ على الإقدام بخطوةٍ في سبيل مكافحته، وقريباً جداً لن نجرؤ على التّفوه بكلمةٍ ضد الفساد نتيجةً لقانون اغتيال الشخصية المُجحف!
وكأنَّ هذه الشخصيات تحتاجُ أصلاً إلى دروع حمايةٍ إضافية ! من يجرؤ أصلاً على المساس بها؟ كيف وهي من توارثت المناصب من أسلافها الذين تقلدوها أيام الأحكام العرفية، هم بالمناسبة لا يختلفون كثيراً عن أجدادهم، الفرق الوحيد أنَّهم يتقلدون هذه المناصب في زمن الديمقراطية الزائفةِ هذا، حتى أوردونا الى الدرك الاسفل من ضنك العيش والمهانة !
بالأمسِ إبان الأحكام العرفية كانوا يتذرعون بالأخطارِ الخارجية والداخلية لتكميمِ أفواه الوطنيين والأحرار وفصلهم من وظائفهم ومطاردتهم، واليوم يتهمونهم بتشويه سمعة الوطن والاستثمار والتنمية وقتل الشخصية ! أريحوا أنفسكم، فلم يتبقى أصلاً أيّةُ تنميةٍ أو استثمارٍ ناجح ليغتاله المواطن، فالمواطن نفسه قد أُغتيل يا سادة، أُغتيلت كرامته، أُغتيلت أحلامه، ولم يبقَ منه إلا صوته المبحوح، فبأي حقٍ تغتالونه؟
فتشوا عن الفساد، بدلاً من التفتيش عن الأصوات التي تنتقده، اكسروا ظهر الفساد لا ظهر المواطن، أصدروا قوانيناً تُلاحقه وتستأصله، باشروا بالإصلاحات الدستورية والتشريعية التي يكون جوهرها هو “الشعب مصدر السلطات” بحيث تكفل استقلالٍ مُطلق للقضاء وللأجهزة الرقابية والمحاسبية بلا أي سلطةٍ لكائنٍ من كان عليها، حينها فقط ستغتالون الفساد، أما ما يُقال من تهديداتٍ وشعارات فما هو إلا مضيعةٌ للوقت، هذا الوقت الذي يمنح مؤسسة الفساد فرصةً لتتغوّل وتستشري في الوطن ولتكسر ظهر المواطن أكثر وأكثر، ولتغتاله أكثر فأكثر.
وهنت حناجرنا يا سادة، وهنت ولم تَعُد تقوى على التغني بانجازاتكم الكاذبة، فقد أغتلتم أصواتنا وصادرتموها، فبأي أصواتٍ نُغني لكم؟ سرقتم أحلامنا بوطنٍ آمنٍ مُزدهر، سرقتموها وسرقتم كفاحنا وعملنا الكادح، فأموال الوطن المنهوبة تتمركز في عمان الغربية المزهوةِ بقصورها وسياراتها الفارهة، المُترفةِ حد الإشباع، كيفَ نحلُم بغدٍ أفضل ونحن نُشاهد لقمة عيشنا تُبذر في البذخ والفجور في نوادي عمان الغربية، ونحن نشم رائحتها تفوح مع روائح العطور الفاخرة والسيجار الكوبي الثمين؟ كيف تُكممون أفواهنا كيف ونحن نرى مُستقبل أبنائنا يُدهس تحت عجلات السيارات الفارهة التي تحمل أبناء الذوات إلى الجامعات والمدارس الخاصة، في حين يتكدس أبناؤنا في المدارس الحكومية التي تفتقر لأدنى المعايير؟ وفي حين نرى حاضرنا ومستقبلنا في أحذية الهوانم وفساتينهم في حفلات البذخ والاستعراض ! لنا أعينٌ ترى، ولنا ألسنٌ لن تُلجم، فلا تهددوها بسيفِ اغتيال الشخصية ما دُمتم تشكلونَ لجان ينبثق عنها لجان ولجان لتَقصي الحقائق، والحقيقة الوحيدة التي تتقصاها هذه اللجان وتقاريرها هي “لا يوجد جريمة فساد وأن ما قُدم هو بلاغ كاذب يهدف الى المس بشخصية الباشا ! ”
balawnahabd@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى