“هل سمح الفلسطينيون لترامب بالتفكير باسمهم”

“هل سمح #الفلسطينيون لترامب بالتفكير باسمهم”
د. #هشام_عوكل، أستاذ إدارة الأزمات والعلاقات الدولي

في مشهدٍ لم يعد غريبًا، يطلُّ علينا الرئيس الأميركي دونالد #ترامب، حاملًا صفقة تبدو وكأنها مأخوذة من صندوق عجائب السياسة العالمية. صفقةٌ لا تحمل سوى ختم “صُنع لإسرائيل” بنكهة يمينٍ متطرفٍ، حيث يتراقص على أنغامها حلم تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة الغريبة وكأننا في إعادة إنتاج مسرحية تهجير الهنود الحمر، ولكن هذه المرة على خشبة الشرق الأوسط.

ترامب، رجل الأعمال الذي يرى العالم كفرصة عقارية، يبدو وكأنه أتى ليحوّل القطاع المحاصر إلى مشروع ترانسفير جديد. الفلسطينيون، في نظره، ليسوا سوى أرقامٍ زائدة على جدول إحصاءات الاحتلال، يمكن ترحيلهم بمرسومٍ أمريكيٍّ يدفع تكاليفه حكّام المنطقة أنفسهم. أليس هذا هو السيناريو الأكثر سوداوية في كواليس السياسة العالمية؟ أن تتحوّل حقوق الشعوب إلى ورقة مساومة، ويصبح الاضطهاد “فرصة استثمارية”.

ولكن لحظة، أليس ترامب مجرد استنساخ حديث لأولئك “المستكشفين” الذين جاءوا ليكتشفوا أراضٍ غيرهم ويعيدوا رسم الخرائط بألوان العنصرية؟ كولومبوس تهجَّر شعبًا بأكمله، وترامب يسعى لنفس المهمة، ولكن بأدوات القرن الواحد والعشرين: صفقات تجارية، ووعود اقتصادية، وابتسامة صفراء خلفها لغة القوة والغطرسة.

مقالات ذات صلة

هل ما زالت المبادرة العربية صالحة لتكون قاعدة حلّ؟ لنكن صريحين، هذه المبادرة صارت كطاولة مهترئة، لا تقوى على حمل كل هذا العبء السياسي، بينما ترامب ومن خلفه نتنياهو يعيدان كتابة سيناريو “صفقة القرن” بخطوط عريضة عنوانها: “التهجير أو المزيد من الظلم”.

وفي خضم هذا المشهد العبثي، السؤال الأكثر إلحاحًا: هل سمح الفلسطينيون حقًا لترامب بالتفكير عنهم؟ أم أن النظام الدولي فرض هذا الوضع عليهم؟ الفلسطينيون الذين قرروا التمسك بأرضهم رغم القصف والجوع والحصار، لا يحتاجون إلى ترامب ليمنحهم “حلاً”. هم يدركون تمامًا أن الأرض ليست صفقة، وأن الحقوق لا تخضع للمزايدات.

يمكننا القول إن ترامب ربما يريد “تطهير المنطقة” ليس من المشاكل، بل من الشعوب. يريد منطقة بلا مقاومة، بلا هوية، بلا تاريخ، كما لو أن الجميع يمكن أن يتحوّل إلى مجرد رقم في دفتر حسابات البيت الأبيض.

ولكن مهلاً، ماذا يريد ترامب حقًا من المنطقة؟ الجواب ليس معقدًا. إنه يريد أن يحجز لنفسه مكانًا في صفحات التاريخ ربما لحصولة على جائزة نوبل للسلام ، حتى لو كان ذلك على حساب شعوب بأكملها. يريد أن يترك بصمته، ولو كانت دماء الفلسطينيين هي الحبر الذي يخط به سيرته السياسية.

ستبقى غزة، رغم كل محاولات التهجير والظلم، شوكةً في حلق من يسعى لاقتلاعها. تعزيز المصالحة هو السبيل لتقوية الموقف الفلسطيني على الساحة الدولية، ومواجهة “التهجير الطوعي” تتطلب وحدة وطنية ودعم شعبي ودولي من خلال تفعيل دور الممثل الشرعي “منظمة التحرير الفلسطينية”

السياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، منذ نكبة 1948، تعكس مشروعاً استعمارياً يسعى إلى القضاء على الهوية الوطنية وإعادة تشكيل المشهد الديمغرافي. الخيارات المفروضة على الفلسطينيين – الرحيل القسري، الخضوع، أو مواجهة القتل – هي تجسيد لسياسات تهدف إلى استهداف المقاومة ودفع الشعب نحو فقدان الأمل.

والسؤال هنا ؟هل ستسير مفاوضات تبادل الأسرى والرهائن كما نأمل، وتفتح أبواب الاتفاق الذي ينهي المأساة؟ لنرى، من يضمن لنا إسرائيل؟ قد يكون هناك حوار، ولكن هل سيسير كما هو متوقع، أم أن الأمور ستتحول إلى دراما من النوع الثقيل حيث تناقضات السياسة تصبح فصلًا جديدًا عنوانة الخراب والدمار

مع ذلك، أثبت الشعب الفلسطيني مرارًا صموده أمام هذه الخيارات القاسية، متمسكًا بأرضه وهويته. قضية غزة تجاوزت التكدس السكاني؛ فهي تعكس إشكالية لاجئين بلا حقوق بعد عقود من التهجير. وبسبب الاحتلال والحصار، أُجبرت غزة على العيش كـ”سجن مفتوح”،

إنّ الوضع يتطلب حلاً عادلاً يمنح الفلسطينيين حقوقهم ويحررهم من قيود المعاناة، بدلاً من سرد القصص القديمة عن مشاريع التهجير إلى أماكن كالأردن أو مصرو لبنان وسوريا. الحل المطلوب يجب أن يكون تجسيدًا لحق العودة وكرامة الشعب، وليس مجرد ديوان خطط الهجرة التي تطرح كخيار بديل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى