هل رفعت روسيا الغطاء عن حفتر بعد تنسيقها مع تركيا؟

سواليف
منذ بدء هجومه الفاشل على طرابلس العام الماضي، رفض الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر العديد من مبادرات الحل السياسي التي طرحتها القوى الدولية، وضرب بها عرض الحائط حين ظن أنه قادر على دخول طرابلس والسيطرة عليها، لكن التدخل التركي في الوقت المناسب بدعم حكومة الوفاق المعترف بها دولياً، أربك خطط المشير وكبده خسائر طائلة في مواقع وقواعد ومدن استراتيجية، مما دفعه للتقهقر نحو الشرق، فيما تواصل حكومة الوفاق تقدمها وإحرازها للانتصارات، التي كان آخرها الجمعة 5 يوليو/حزيران بدخول مدينة ترهونة، والاستعداد الآن للسيطرة على مدينتي سرت والجفرة.

ويبدو أن هذه الخسائر الفادحة التي أتت بعد رفع الغطاء الروسي عن المشير، قد دفعت داعميه في الإمارات ومصر لطلب الحل السياسي ولكن من باب آخر غير باب موسكو، إذ سارع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي السبت 6 يونيو/حزيران 2020، الإعلان في مؤتمر صحفي عقده إلى جانب حفتر، ورئيس مجلس نواب طبرق شرقي ليبيا عقيلة صالح من القاهرة، عن مبادرة سياسية لحل الصراع الليبي تتضمن تشكيل مجلس رئاسي منتخب، ووقف إطلاق النار، اعتباراً من الثامن من يونيو/حزيران الجاري، لكن حكومة الوفاق المُعترف بها دولياً أعلنت عن رفضها للمبادرة جملة وتفصيلاً.

فماذا وراء طلب حفتر وداعميه وقف إطلاق النار الآن، ولماذا قد تكون مبادرة السيسي المفاجئة محاولة لعرقلة الحراك الروسي – التركي لحل الأزمة الليبية، التي قد تقصي حفتر من مستقبل ليبيا القادم؟
موسكو تبحث عن نقاط اتفاق مع أنقرة بعيداً عن حفتر

يقول موقع Al Monitor الأمريكي، إنه رغم تورط روسيا في تجنيد المرتزقة وتزويد حفتر بالطائرات، فهي لا تسعى لتغيير مسار الحرب الحالي. وفضلاً عن ذلك، ليس من المفترض أن تعيد تمكين ميليشيات حفتر من شن هجوم على طرابلس، وإنما تكفل الحيلولة دون انهيار الجبهة والحد من تقدم جيش حكومة الوفاق الوطني المدعوم من تركيا أكثر.

ويبدو أن موسكو ماضية في خطتها لسحب دعمها السياسي لحفتر، الذي أصبح يشكل عائقاً رئيسياً لعملية السلام التي انطلقت في مؤتمر برلين حول ليبيا. وبصرف النظر عن رغبتها في إشراك طبرق وطرابلس في محادثات مباشرة، تسعى روسيا لرؤية الدعم لخطة السلام التي وضعها رئيس مجلس النواب عقيلة صالح والتي أعدها خبراء روس.

وتدرك أنقرة بدورها أنه لن يكون من الممكن السيطرة على ميليشيات حفتر مع استمرار الدعم الروسي لها. وبالتالي، لا بد وأن تكون موسكو وأنقرة قد اتفقتا على ضرورة إعادة إطلاق عملية السلام التي بدأت في برلين في يناير/كانون الثاني عام 2019، ولكن بشروطهما، التي ستضمن دوراً رائداً لروسيا وتركيا في التسوية الليبية.

وفي مكالمة هاتفية يوم 18 مايو/أيار بين زعيمي البلدين، أكد كل من بوتين وأردوغان على “الحاجة إلى استئناف سريع لهدنة غير محددة الأجل وإجراء حوار بين الليبيين على أساس قرارات مؤتمر برلين الدولي”. وبعد وقت قصير من البيان، انسحب المرتزقة الروس من الخط الأمامي بالقرب من طرابلس، وغادرت قوات مجموعة فاغنر ترهونة لتتجه إلى بني وليد والجفرة.
تجريد حفتر من الدعم وفتح خطوط مع السراج

ومن شأن هذه الخطوة أن تجعل حفتر أكثر تقبلاً لمبادرات السلام، بعد أن جردته من الدعم وأظهرت عدم جدوى أي محاولات أخرى للاستيلاء على طرابلس. وفي غياب الدعم العسكري الروسي، اضطرت قوات حفتر إلى الانسحاب من العديد من النقاط الرئيسية بالقرب من العاصمة. ومن المحتمل أن موسكو فعلت ذلك جزئياً لتلبية مطالب رئيس حكومة الوفاق فايز السراج. ففي يناير/كانون الثاني عام 2019، على طاولة المفاوضات في موسكو، اشترط موافقته على وقف إطلاق النار وإجراء محادثات مع الطرف المعارض عند عودة قوات حفتر إلى خط البداية.

وقال جليل حرشاوي، الباحث في وحدة أبحاث النزاعات بمعهد كلينجينديل بمدينة لاهاي، لموقع Al Monitor: “انسحاب المرتزقة الروس يعكس وفاقاً وحيداً بين موسكو وأنقرة. إذ سحبت مجموعة فاغنر مشاركتها في هجوم حفتر في جنوب طرابلس. وفي الوقت نفسه، عززت دفاع الجفرة وسرت، مع العلم أنه يمكنها منع أي توغل محتمل لجيش حكومة الوفاق الوطنية في الجنوب”.
مصر والإمارات منزعجتان من الحراك الروسي التركي

مما لا شك فيه أن الدول الأخرى المشاركة في الأزمة الليبية كالإمارات ومصر وفرنسا، لا تشعر بالارتياح للخطوات التي اتخذتها روسيا وتركيا. وقد تحاول الأطراف المعنية الأخرى منع وصاية روسيا وتركيا على عملية السلام. ويُشار إلى أن روسيا لم تنضم إلى تحالف مناهض لتركيا أعلنته مصر ويضم اليونان وقبرص والإمارات وفرنسا لمواجهة التحركات التركية في ليبيا وشرق المتوسط.

وقد يكون لدى روسيا أيضاً مناطق سرية ذات اهتمام مشترك مع تركيا في المنطقة. على سبيل المثال، من الممكن أن يعيق تنفيذ الاتفاق التركي الليبي بشأن الحدود البحرية بناء خطوط أنابيب الغاز بين مصر وقبرص وإسرائيل إلى أوروبا. وحينها لن يكون أمام روسيا الكثير من المنافسين في إمداد الغاز الذي تزود به الاتحاد الأوروبي عبر تركيا، كما يقول موقع المونيتور.
مبادرة السيسي بعيداً عن تحركات موسكو وأنقرة

ويبدو أن مبادرة السيسي تأتي كآخر محاولة مصرية إماراتية لإنقاذ حفتر وحجز مقعد له في المستقبل الليبي القادم، خوفاً من إقصائه من قبل موسكو. وقال السيسي السبت في وقت وقف فيه خليفة حفتر وعقيلة صالح على جانبيه خلال مؤتمرهم الصحفي، إنه “اتفق معهما على طرح مبادرة سياسية لإنهاء الصراع في ليبيا”، مضيفاً أن الاتفاق يهدف “إلى ضمان تمثيل عادل لكافة أقاليم ليبيا الثلاثة في مجلس رئاسي ينتخبه الشعب تحت إشراف الأمم المتحدة”، وإنه “يلزم كافة الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، وتفكيك الميليشيات وتسليم أسلحتها”.

وفي أول ردّ لها يوضح الاحتمالات الكبيرة لفشل الحراك المصري الأخير، أعلنت حكومة الوفاق عن رفضها للمبادرة جملة وتفصيلاً، وقال رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري: “نرفض أي مبادرة لا تقوم على الاتفاق السياسي الليبي”، مضيفاً أنه “لا مكان لحفتر في أي مفاوضات قادمة”.

وقال المشري في تصريحات لقناة “الجزيرة”، إن “حفتر يريد العودة إلى طاولة المفاوضات بعد تكبده الهزيمة ونحن نرفض ذلك”، معرباً عن استغرابه في أن يضع حفتر شروطاً وهو مهزوم عسكرياً، وأضاف أن الحكومة “ترفض التدخل المصري في كل ما يهم الليبيين لأننا دولة ذات سيادة”.

ووصف المشري بأن حفتر أصبح “أداة بيد دول إقليمية”، وقال إن بلاده ترفض أي تبعية أو إملاء للشروط، وشدد على أن الحكومة تعتبر نفسها في حالة قطيعة وحرب مع الإمارات.

المصدر
عربي بوست
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى