هل تكون أوكرانيا مفتاح الفرج للسوريين؟

هل تكون أوكرانيا مفتاح الفرج للسوريين؟

د. فيصل القاسم

لا شك أن الكثير من #السوريين شعروا بنوع من النشوة والشماتة، بعد التورط الروسي في #المستنقع_الأوكراني والعقوبات الغربية غير المسبوقة تاريخياً، والتي ترقى الى مستوى حرب عالمية ثالثة لكن بوسائل اقتصادية في المقام الأول، التي أمطرت على #النظام_الروسي وجعلته منبوذاً محاصراً دولياً، حتى على مستوى المقاهي والمطاعم والرياضة. ومن المعلوم أن السوريين يعتبرون روسيا العدو الأول لثورتهم والداعم الأقوى للنظام، الذي أذاقهم الويلات ودمر بلدهم وشردهم وقتل الملايين منهم. وقد قالها وزير الخارجية الروسي بعد غزو بلاده لسوريا: «لولا روسيا لسقط النظام خلال أسابيع». والجميع يعرف أن العدو الروسي لم يأت إلى سوريا لمحاربة الدواعش، كما زعم الرئيس #بوتين قبيل الغزو، بل كان هدفه الأول والأخير القضاء على كل مناطق #المعارضة والجيوب المقاومة للنظام. وشاهدنا كيف ما زالت الطائرات الروسية تستهدف منذ سنوات المناطق المدنية حصراً، بالإضافة إلى المشافي ورياض الأطفال، وحتى مداجن الطيور لم تسلم من العدوان والوحشية الروسية. كما شاهدنا كيف نقل تجربة دمار غروزني في الشيشان الى سوريا، ثم إجلاء السوريين من محافظاتهم وبيوتهم.
وبالتالي بدأ المواطنون يتنفسون الصعداء عندما شاهدوا الغرب يتأهب للتصدي للغزاة الروس في أوكرانيا بكل الوسائل المالية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية، وشعروا للمرة الأولى منذ العدوان الروسي على سوريا قبل سبع سنوات أن العناية الإلهية بدأت تنتقم لهم من المجرمين الروس.
ولا شك أن الكرملين اضطر لسحب الكثير من قواته وخاصة مرتزقة «فاغنر» إلى أوكرانيا، حيث معركته الكبرى الآن.
لكن مع كل ذلك على السوريين ألا يتفاءلوا كثيراً بالحصار الدولي لروسيا، ولا بد أن يعلموا أن وضعهم قد لن يتحسن مطلقاً، لا لشيء إلا لأن هناك اتفاقيات قديمة وسرية بين روسيا من جهة وأمريكا وإسرائيل من جهة أخرى حول بلادهم.
ولعل أشهرها اتفاق كيري ـ لافروف، الذي أطلق يد الروس في سوريا ونظم العمليات العسكرية بين الأمريكيين والإسرائيليين على الأرض السورية، بالإضافة إلى تقسيم الثروات السورية بين الغزاة، فالروسي وقع عقوداً لنصف قرن مع النظام للاستيلاء على منابع الغاز والموانئ وغيرها، بينما استأثر الأمريكي بسوريا المفيدة الحقيقية وهو شرق سوريا، الذي يضم النفط والمياه والمناطق الزراعية الخصبة والقمح.
وقد لاحظنا منذ التدخل الروسي في سوريا عام ألفين وخمسة عشر أن الأمور كانت تسير على ما يرام بين الأمريكيين والروس. ولاحظنا أيضاً مدى التنسيق بين الروس والإسرائيليين. وقد قال وزير الدفاع الإسرائيلي ليبرمان وقتها إننا ننسق العمليات مع الروس في سوريا أربعاً وعشرين ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع. وبالتالي فإن الاستثمارات الروسية – الإسرائيلية المشتركة في سوريا قوية جداً وصلبة، ولا يمكن أن تتأثر بسهولة بما يجري في أوكرانيا.
هل لاحظتم أن إسرائيل صامتة إلى حد كبير منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. صحيح أن وزير الخارجية الإسرائيلي أدلى بتصريحات ناقدة للغزو في اليوم الأول، لكن إسرائيل صمتت صمت القبور بعد ذلك، لا بل إن رئيس الوزراء الإسرائيلي سافر إلى روسيا واجتمع بالرئيس الروسي لثلاث ساعات متواصلة وهو وقت طويل جداً في عز الحرب في أوكرانيا. ومنذ ذلك الاجتماع الذي لم ترشح عنه أي معلومات، التزمت إسرائيل السكوت، مما حدا بحليفتها أمريكا إلى التساؤل عن ذلك الصمت المريب، الذي يخيم على الموقف الإسرائيلي من الغزو الروسي!؟

ما زالت الطائرات الروسية تستهدف منذ سنوات المناطق المدنية حصراً، بالإضافة إلى المشافي ورياض الأطفال، وحتى مداجن الطيور لم تسلم من العدوان والوحشية الروسية

أليس حرياً بإسرائيل أن تقف إلى جانب الغرب على الأقل إعلامياً للتصدي للروس؟ فلماذا تصمت الآن بينما يخوض الغرب ما يشبه الحرب العالمية ضد روسيا؟
السبب بسيط، وهو أن هناك مصالح إسرائيلية مشتركة واستراتيجية في سوريا، وصلت الى إجراء مناورات عسكرية مشتركة بيت تل أبيب وموسكو فوق مرتفعات الجولان المحتلة، وربما تتفهم واشنطن الصمت الإسرائيلي وضرورته، فالروس والإسرائيليون لهم مصلحة كبرى في اقتسام الكعكة السورية، وهما في خندق واحد ضد الوجود الإيراني في سوريا.
وقد لاحظنا منذ شهور كيف تسمح روسيا للطيران الإسرائيلي بقصف المواقع الإيرانية على الأرض السورية، كلما عن على بالها ذلك.
وقد شاهدنا كيف توقف القصف الإسرائيلي في سوريا لأيام مع بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، لكن ما أن عاد رئيس الوزراء الإسرائيلي من زيارته لموسكو حتى عاودت إسرائيل عادتها بقصف المواقع الإيرانية في سوريا.
ومن الواضح أن الروس والإسرائيليين اتفقوا على الاستمرار بالتعاون والتنسيق فيما بينهم على الأرض السورية، بغض النظر عما يحدث في أوكرانيا، ناهيك عن أن تل أبيب – بعيداً عن الأضواء – تقوم بترحيل آلاف من اليهود الأوكرانيين والروس إلى إسرائيل بشكل يومي.
ويطالب البعض الفصائل السورية باستغلال الحرب في أوكرانيا وانشغال العدو الروسي فيها لإشعال الساحة السورية في وجه الروس، لكنها أضغاث أحلام، فالروسي ضمن الإسرائيلي، الذي لن يسمح بتحريك أي مقاومة ضد الاحتلال الروسي في سوريا أثناء الحرب في أوكرانيا.
ولو كانت إسرائيل فعلاً تريد إزعاج الروس لاستغلت انهماكهم في الأزمة الأوكرانية وحركت الكثير من أذرعها ضدهم وخاصة في الجنوب، لكنها لن تفعل، لأن لها مصلحة مشتركة مع الروسي في الحفاظ على الوضع القائم تحت السيطرة الكاملة.
وقد يحلم بعض السوريين بتحريك الجبهات ضد الروسي في الشمال السوري، لكن ذلك أيضاً غير ممكن على الأقل حالياً، لأن اتفاقيات خفض التصعيد بين الروس والأتراك والإيرانيين تمنع الفصائل السورية المرتبطة بهذه الجهة أو تلك من التحرك دون أمر أو إذن من الراعي الملتزم باتفاقيات استانا وسوتشي.
وبما أن روسيا حتى الآن تضمن التعاون والتنسيق مع الإسرائيلي في الجنوب والتركي والإيراني في الوسط والشمال السوري، فلا خوف على الاحتلال الروسي في سوريا، حتى لو كانت موسكو منشغلة ومتورطة حتى أذنيها في أوكرانيا.
من المؤسف أن الغزو الروسي لأوكرانيا قد تكون له انعكاسات سلبية جداً على السوريين في الداخل على الصعيد المعيشي، فما أن دخلت القوات الروسية إلى أوكرانيا حتى ارتفعت أسعار القمح والسلع الأخرى أضعافاً مضاعفة، خاصة وأن النظام يشتري بعض القمح من روسيا، ناهيك عن أن تجار الحروب في سوريا استغلوا الوضع في أوكرانيا ليبدأوا التلاعب بأسعار المواد الغذائية والوقود الباهظة أصلاً الأسعار، مستغلين الأزمة الأوكرانية.
وقد ارتفع سعر البطاطا مثلاً فوراً من ستمئة ليرة سورية إلى ألفين وثلاثمئة بعد ساعات من الغزو الروسي لأوكرانيا، رغم كونها زراعة وطنية غير مستوردة.
لكن هناك من يجادل أن وقوف بشار مع روسيا ضد الغرب قد يكلفه مستقبله المتأرجح، وسواء انتصرت روسيا في أوكرانيا عسكريا أو لم تحقق غاياتها، فإن النظام سقط مسبقا وبات تأهيله غربياً ودولياً شبه مستحيل.
لا شك أن بشار بات محسوباً كلياً على روسيا ومرتبطاً بها وبما يصيبها وبالتالي إذا كان له أمل عشرة بالمائة بأن يعود للحياة ويندمج في المجتمع الدولي من جديد، فهذا انتهى إلى غير رجعة. صحيح أن ذلك يزيد في عزلته وإفقاره واستنزافه وإضعافه، لكن طالما أن روسيا تحتل سوريا وتتحكم بها، فهذا يعني مزيداً من العذاب والمعاناة والانهيار لسوريا والسوريين.
فهل حرب أوكرانيا يا ترى نعمة للسوريين كشعب أم نقمة جديدة أشد وأعتى؟

مقالات ذات صلة

كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى