هل تستحق جماعة الإخوان المسلمين هذا الهجوم؟ تجاهل للحقائق وتحليل غير موضوعي في “رأي اليوم”

#سواليف

هل تستحق #جماعة_الإخوان_المسلمين هذا #الهجوم؟ تجاهل للحقائق وتحليل غير موضوعي في صحيفة ” #رأي_اليوم

بقلم: أ.د. #محمد_تركي_بني_سلامة

في التحليل السياسي المنشور اليوم الخميس الموافق 24 اكتوبر في صحيفة “رأي اليوم” وهي صحيفة وازنة، بعنوان : ” كيف يتحالف خُصوم “الإسلام السياسي” في عمّان والرياض وأبو ظبي معًا؟.. أنباء عن اشتراطات سعودية مؤكدة بـ”إجراءات ضد الإخوان” على غرار مصر السيسي مُقابل علاقات أقوى.. الأردن يُقاوم الضّغوط ويُحاول التأسيس لمخرج استراتيجي بدون فواتير” قام مراسل الصحيفة في عمان باستغلال زيارة جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو الأمير الحسين إلى المملكة العربية السعودية لشن هجوم غير مبرر على جماعة الإخوان المسلمين في الأردن. لقد كانت محاولة واضحة لتشويه صورة الجماعة، وشيطنتها من خلال تصويرها كمصدر تهديد للدولة و للديمقراطية في الأردن، في نهج يتكرر كلما سنحت الفرصة للمراسل دون اعتبار للموضوعية أو المهنية الصحفية.

أول ما يلفت الانتباه في هذا المقال هو التركيز المبالغ فيه على تصوير جماعة الإخوان المسلمين كجماعة إرهابية ومنبوذة وخارجة عن القانون، وهذا التصوير يكشف إما عن جهل الكاتب بالتاريخ الأردني أو عن تعمده تجاهل الحقائق والخلط بين الجماعة وحزب جبهة العمل الإسلامي. فالجماعة، التي تمتد جذورها في الأردن لأكثر من سبعين عامًا، كانت طوال هذه الفترة جزءًا أصيلًا من النسيج السياسي والاجتماعي الأردني، ولعبت دورًا رئيسيًا في دعم استقرار الدولة. وعلى مر العقود، وخاصة في الخمسينيات والستينيات، عندما كانت البلاد تواجه تهديدات من التيارات القومية والشيوعية التي سعت لإسقاط الأنظمة الملكية في المنطقة، كانت الجماعة حليفًا استراتيجيًا للنظام الأردني، وساهمت بفاعلية في تعزيز أمن واستقرار البلاد في تلك الفترات الحرجة. إن الكاتب بتجاهله هذا الدور التاريخي يحاول تشويه سمعة الجماعة دون الاعتراف بحقيقة التمييز بين جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي الذي يعمل وفق القانون الأردني.

فيما يتعلق بالانتخابات النيابية الأخيرة، حقق حزب جبهة العمل الإسلامي، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، نجاحًا ملحوظًا بحصوله على دعم يقارب 25% من أصوات الناخبين، وهو ما يعكس بوضوح رأي الشعب الأردني في هذه العملية الديمقراطية النزيهة والشفافة. هذه النتيجة تعد أقرب إلى استفتاء شعبي على مدى التأييد للجماعة، وهي تعبير صريح عن الثقة التي وضعها جزء كبير من المجتمع الأردني في الحزب. ومع ذلك، يظهر المقال اتجاهًا عدائيًا تجاه هذا النجاح، حيث يحاول الكاتب استغلال نتائج الانتخابات للهجوم على الجماعة، ويعمد إلى تحميلها مسؤولية ما وصفه بفتور العلاقات الأردنية السعودية، في محاولة غير موضوعية لتشويه صورتها دون مبررات واقعية.

أبرز ما يُظهر ضعف التحليل هو غياب الأدلة الواضحة لدعم ما يُطرح من اتهامات، إذ يعتمد الكاتب على تكهنات وافتراضات غير مدعومة بوقائع، مع تجاهل كامل لحقيقة أن العلاقات الأردنية السعودية تقوم على أسس أخوية متينة، تتجاوز المصالح الضيقة أو الاختلافات السياسية العابرة. وبالمجمل فان هذا التحليل يفتقد إلى أي دليل منطقي؛ حيث أن العلاقات بين الأردن والسعودية، إن كان هناك فتور فيها، تمتد لسنوات طويلة قبل الانتخابات الأخيرة. بل إنه من غير المنطقي ربط الفتور في العلاقات الثنائية مع نجاح الجماعة في الانتخابات، خاصة وأن العلاقات بين البلدين قائمة على توافقات استراتيجية وسياسية عميقة لا يمكن التأثير عليها بمتغيرات داخلية كهذه.

الجماعة لم تكن أبدًا تنظيمًا سريًا أو إرهابيًا كما حاول الكاتب الإيحاء. بل إن وجودها في الأردن كان دائمًا علنيًا ومشروعًا، حيث شاركت في العملية السياسية من خلال الانتخابات والمجالس النيابية، وكانت حليفًا ثابتًا للدولة الأردنية في الأزمات، وذلك على النحو الذي اشرت له سابقا كما حدث خلال فترات التصعيد الإقليمي وتحديات الحرب الباردة في المنطقة. وفضلًا عن ذلك، حافظت الجماعة على موقف ثابت تجاه عدد من القضايا الوطنية، مثل رفضها لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو ما يعكس مواقفها السياسية المبدئية.

أحد أكبر المشاكل في المقال هو ضعف الأدلة وغياب المهنية غياب الأدلة الداعمة لما يطرحه الكاتب. فالمقال مبني على افتراضات غير مدعومة بوقائع، وفي الوقت نفسه يتجاهل الحقائق التاريخية والسياسية المتعلقة بالعلاقة بين الأردن والسعودية، وبين الدولة الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين. على سبيل المثال، أشار الكاتب إلى أن الزيارة الملكية إلى السعودية قد تكون تناولت ملف الجماعة، ولكنه في الوقت نفسه يعترف بأنه “لم يُعرف إذا كانت الزيارة قد تناولت هذا الملف”. وهذا التناقض يضعف التحليل، ويُظهر أن الكاتب اعتمد على فرضيات وتكهنات غير مؤكدة.

فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير في الأردن، فإن البلاد تمضي قدمًا في إطار مشروع التحديث السياسي الذي أطلقه جلالة الملك عبدالله الثاني، والذي لا عودة عنه كخيار ديمقراطي. هذا المشروع يعزز التعددية ويوفر مساحات لجميع الآراء، سواء كانت مؤيدة أو معارضة لجماعة الإخوان المسلمين. وإذا كانت هناك منابر مفتوحة لمناوئي الجماعة، فإن ما نتوقعه من الصحفيين والمحللين السياسيين هو التزامهم بالمعايير المهنية والموضوعية في تناول هذه القضايا. للأسف، يبدو أن مراسل “رأي اليوم” استغل منصته الإعلامية لترويج مواقفه الشخصية وتصفية حساباته دون تقديم تحليل متوازن أو مستند إلى حقائق موضوعية.

ختامًا، لا بد من التأكيد على أن السيادة الأردنية تمثل خطًا أحمر لا يمكن تجاوزه، فالأردن دولة ذات سيادة راسخة، لا تسمح لأي جهة كانت بالتدخل في شؤونها الداخلية. في الوقت نفسه، تحترم الأردن سيادة الدول الأخرى، وتلتزم بمبدأ عدم التدخل في شؤونها، ولا تسعى لاستنساخ تجارب أي دولة أخرى، سواء فيما يتعلق بملف جماعة الإخوان المسلمين أو غيرها من الملفات. نأمل من مراسل “رأي اليوم” التزامه بأعلى معايير الموضوعية والمهنية والنزاهة والحياد عند تناول الأخبار المتعلقة بالأردن. من الضروري الابتعاد عن تكرار الأساليب المملة التي تهدف إلى تشويه صورة جماعة الإخوان المسلمين، خاصة وأنها تبقى جزءًا أصيلًا من النسيج السياسي والاجتماعي الأردني.وعليه يجب التعامل مع الجماعة بموضوعية واحترام، بعيدًا عن أساليب التخوين والتشويه المتكررة.

ونؤكد أن الأردن بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني الحكيمة، وبفضل وحدة وتماسك المجتمع الأردني، قادر على التصدي لكافة التحديات التي قد تواجهه. الشعب الأردني، بمكوناته السياسية والاجتماعية المتنوعة من إسلاميين وعلمانيين، ليبراليين ومحافظين، يتمتع بوعي كبير ومناعة ضد أي محاولات للتفريق بين أبنائه ، و يظل الحوار البناء والتعددية الفكرية ،والرأي والرأي الاخر، الوسيلة المثلى لمواجهة التحديات والحفاظ على أمن واستقرار البلاد .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى