
هل تريد إدارة الرئيس ترامب حرباً عالمية ثالثة!
الدكتور كمال الزغول
من الصعوبة بمكان أخذ مرحلة التهيئة الحربية التي سبقت الحرب على العراق عام ٢٠٠٣ والتي شملت اتهام العراق بإمتلاك اسلحة دمار شامل ومقارنتها بالمرحلة الحالية التي تضمنت إتهامات الولايات المتحدة الأمريكية للصين بنشر الفيروس في العالم، حتى أن التقييمات أحيانا لا تفرق بين حرب عالمية وحرب تقليدية بين الدول. ومن أجل أن نقيِّم المرحلة يجب إن ننظر ماذا يحدث داخل الولايات المتحدة ثم نقوم بالنظر الى خارجها آخذين بعين الاعتبار العِبر من التاريخ.
فلو درسنا المرحلة الحالية لوجدناها لا تشبه على الإطلاق مرحلة ما قبل الحرب على العراق، ولكي نتحدث عنها بموضوعية ، وجب الإشارة الى نقاط تُناقض خيار الحرب :
اولاً،مقارنة الصين مع العراق هي فرضية تخوُُف وليست فرضية منطقية، لأن العراق ليس كالصين، العراق كان يمتلك اسلحة تقليدية تعرف الولايات المتحدة نوعها وفاعليتها وعددها واتهامات العراق بامتلاك اسلحة دمار شامل كانت معروفة انها أكاذيب وخِدع ،بينما تمتلك الصين اسلحة نووية واسلحة تقليدية وصواريخ باليستية ،ولا تعرف الولايات المتحدة عنها معلومات كافية،ولا يوجد معلومات استخبارية دقيقة عن الصين لأن نظام الحكم شيوعي مغلق شمولي، ولا أحد يعرف أن اتهامات امريكا للصين هي أكاذيب ام لا لغاية لحظة كتابة هذه السطور.
ثانيا، حتى تحارب الولايات المتحدة الصين، تحتاج الى بناء مسرح زمني لا يقل عن عقد ونصف من الزمن لفرض الحصار لجني ثمار العقوبات لكي تتمكن من التقدم خطوة نحو استخدام سلاحها لإضعاف قدرات الصين ،ففي المسرح العراقي احتاجت ١٢ سنة لتنفيذ الحصار وصولا الى غزو العراق عام ٢٠٠٣.
ثالثا، لكي تبني الولايات المتحدة اي مسرح حربي ضد الصين ،تحتاج الى تعاقدات مع شركات القطاع الخاص وذلك بناءً على الميزانية التي ستعطى للجيش لدعمه لوجستيا ،وخاصة في جميع قواعده المنتشرة في العالم، وهذا يأخذ وقتا لا بأس به لأن الصين ليست كالبلقان ولا يتناسب وضعها وامكانياتها بأن تصبح منطقة خضراء امريكية.
رابعا ، تحتاج الولايات المتحدة قبل الحرب الى بناء مسرح لسوق السلاح والشركات الحرة، لكي تُعوّض من خلال مبيعاتها نفقات الحرب كما عوضتها من النفط العراقي، وباعت معظم دول الشرق الاوسط السلاح ،لكن في الحرب مع الصين ستكون خسارة تجارية بالنسبة لها وليس ربحا تجنيه من تلك المعارك، لأن الدائرة الاقتصادية ستتأثر جيوسياسيا في العالم.
خامسا، امريكا منذ عهد اوباما تبنت استراتيجية جديدة، وهي استراتيجية السيطرة بأقل عدد من القوات، واعادة الإنتشار ،ولذلك قامت بسحب قواتها من الشرق الاوسط وافغانستان وابقت القليل من تلك القوات ،ولكي تحارب الصين تحتاج وقتا وجهدا لإعادة تلك القوات وزيادتها، لأن وضع العراق آنذاك لا يشابه على الاطلاق الوضع الراهن للصين.وما يثبت استراتيجية السيطرة بأقل عدد من القوات هو إقالة مجموعة من صقور البيت الأبيض المؤيدين للحرب على إيران وعلى رأسهم جون بولتون لأن الرئاسة الأمريكية الحالية لا تؤيد الحرب على نقيض ما حدث في إدارة الرئيس الامريكي جورج بوش الإبن، حيث قام بتعيين آنذاك اشرس صقور البيت الأبيض الحربيين وصديق ديك تشيني وتلميذ الخبير الإقتصادي ميلتون فريدمان وهو دونالد رامسفيلد كوزير للدفاع لكي تتكامل نظرية الحرب والاقتصاد.
سادسا،عدد سكان الصين (1.439.323.774) نسمة فلو حدثت حرب عالمية ثالثة ،هل يوجد خطة في الدنيا تستطيع منع الكارثة الانسانية وايضا منع تفكك الصين وتهريب وبيع التكنولوجيا النووية للدول الراغبة بها !!! والسؤال الذي يجعل الولايات المتحدة تفكر مليا هو لو دُمرت الصين ،اين ستذهب المعامل الصينية البيولوجية بفيروساتها سواء كانت أسست لغاية سلمية او عسكرية،وهل ستنتقل سلالات جديدة من الفيروسات للعالم في ظل بيئة حربية غير آمنة ! ناهيك عن الثورات القومية التي ستتشكل ضد الحلفاء في الصين وخارج محيطها، والتي ستقسِّم وتدمر الموارد الصينية وما حولها، وسيكون من الصعب الوصول اليها،بالاضافة الى اعاقة عمل الممرات البحرية في محيط الصين وزيادة الخوف من الامراض والأوبئة التي ستحصل لشعوب العالم ومن ضمنها الشعب الامريكي.فالحديث عن حرب عالمية ثالثة هو خيار يطبق اذا كانت الحرب حرب بقاء وليس حرب انتقام لأن العقوبات والحصار هما من اقوى البدائل ، فالنتائج الجيدة تُجلب بسياسة العقوبات والمفاوضات وكيفية ادارة التجارة العالمية.
وفي الختام،بالنسبة للرئيس الامريكي ترامب ،فمن المحتمل أن يكون الهدف الرئيسي من كيل الاتهامات والتصعيد ضد الصين هو استثمار انتخابي في ظل عدم توفر ظروف الحرب وعدم تهيئة مسارحها، لأن الشعب الامريكي يرى في الرئيس ترامب المقارع الأقوى للصين والأقوى في استعادة نهوض اقتصاد بلاده ، ويرى في المرشح الديمقراطي جو بايدن الأضعف في مثل هذه المقارعة ،لأن جو بايدن كان نائبا للرئيس السابق أوباما عندما أقرَّ جدولا زمنيا لسحب القوات الامريكية من مناطق الصراع في العالم ، لذلك الرئيس ترامب يريد استغلال هذه النقطة بالتغريدات والشعارات لحين الفوز بالانتخابات العامة في مطلع تشرين ثاني من عام٢٠٢٠ ، ومن الممكن في فترته الرئاسية الثانية أن يُحسِّن اقتصاد بلاده ،بالإضافة الى استخدامه مجلس الأمن كوسيلة لتحقيق العقوبات ضد الصين، وممكن أن يحتاج فترة رئاسية كاملة للاعتناء بالشأن الداخلي الذي تضرر بسبب فيروس كورونا،هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن وضعنا في عين الاعتبار فوز المرشح الديمقراطي ،جو بايدن، فإنه ايضا سيهتم بالشأن الداخلي، من نظام صحي، وبطالة ،وبُنية تحتية، وطاقة كأولوية على حساب الملفات الخارجية ، إما بالنسبة للملف الخارجي، وخاصة ملف اتهامات الصين بنشر الفيروس، سيُستغل للحصول على قرار عقوبات من مجلس الامن ضد الصين ،وبالطبع هذا ينفي امكانية حدوث حرب على المدى القريب ،اما على المدى البعيد فإنه يصبح الحديث عن الحرب تقييماً سطحيا يرى امريكا من الخارج ولا يراها من الداخل .