هل تحوّلت الاغلبية الصامتة إلى أغلبية ثرثارة ؟!

هل تحوّلت الاغلبية الصامتة إلى أغلبية ثرثارة ؟!
• د. سليمان صويص

طرحت على نفسي هذا السؤال، وأطرحه على القراء، بعد أن أعدت قبل أيام قراءة نص الكلمة التي ألقاها النائب الأسبق والوزير الأسبق للصحة المرحوم د. عبد الرحيم ملحس في جلسة مجلس النواب لمناقشة البيان الوزاري لحكومة فيصل الفايز التي جاءت بما يسمى «التنمية السياسية» وأنشأت وزارة لها. كلمة المرحوم ملحس منشورة في صحيفة «العرب اليوم» الصادرة بتاريخ 21/12/2003. يقول فيها : « (…) في ظل ما تقدّم، نتساءل إن كنّا مقدمين على خوض كذبة عملية جديدة ترجمت من اصطلاح Political Development الذي أطلقته إليزابيث ديك تشيني، المسؤولة في وزارة الخارجية الامريكية عن برنامج اسمه «المشاركة السياسية مقابل المعونة مع دول الشرق الأوسط » هدفه نقل الأكثرية الصامتة من شباب ونساء العالم العربي ـ أي الفئات الأكثر شعوراً بالمسؤولية والظلم ـ إلى أكثرية لها ألسنة وليس لها أسنان، تحكي ولا تؤذي، تصيح ولا تبيح، تهدّد ولا تنفّذ، تبث ثقافات الهزيمة، تقف في وجه المقاومات الصادقة، الفاعلة، المؤمنة». يضيف د. ملحس : «إننا نعيش تبعية غير مسبوقة لأميركا وفكرها الصهيوني الحالي وأجهزتها الرسمية الكثيرة. أصبحنا نشعر بآثارها وتأثيرها في معظم قراراتها السياسية والأقتصادية الفاعلة… تبعية تكاد تنسينا أن لنا أبعاداً عربية…تبعية غيّرت المزاج الشعبي، جعلت منا شعباً مريضاً بلا عاطفة، نشاهد أخواننا حولنا يُهانون ويُقتلون فلا تتحرك عواطفنا، لأنه غير مسموح لنا التعبير عنها.. لأن حدود عاطفتنا أصبحت حدود الغضب الأمريكي»..رحم الله د. عبد الرحيم ملحس.. كم كان ثاقب النظر! تحدث بهذه اللغة قبل خمسة عشر عاماً، فماذا كان يمكن أن يقول لو أمتد به العمر وعاش واقعنا الراهن؟ !
وبعد، إن المتأمل في واقعنا الحالي يلاحظ بأن الأغلبية الصامتة قد تحوّلت فعلاً إلى أغلبية ثرثارة خصوصاً مع الإنتشار الواسع لوسائط التواصل الإجتماعي … أغلبية تعتقد بأن مجرد الحديث، والحديث فقط، هو بديل عن الفعل في الواقع؛ وبذلك تكون خطة المسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية التي أشار إليها المرحوم د. ملحس قد دخلت حيّز التنفيذ، سواء بوعي منّا أو بغير وعي ! قد يعترض البعض على هذا الاستنتاج مدللّين على أن حركة التواصل الاجتماعي ساهمت قبل شهرين في اسقاط حكومة الملقي في الأردن، وقبله الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري حسنى مبارك قبل سنوات. وهذا صحيح، لكن التجربة التاريخية، والمآلات التي ألت اليها الأوضاع في الأردن وتونس ومصر، بمستويات متفاوتة، أثبتت وتثبت بأن الحركة السياسية والجماهيرية المنظمة والتي تقودها قوى سياسية جذرية، وليس قيادات عفوية موسمية، هي التي تقود الى التغيير المنشود وتحقيق الأهداف السياسية لتلك الإنتفاضات الجماهيرية.
ألم يحن الوقت لكي نؤمن بأن الفعل، وبالذات الفعل المنظّم، وليس الكلام، هو الذي يغيّر الواقع؟! ألم يحن الوقت لكي نتكلم أقلّ وأن نفعل أكثر ؟ ألم يحن الوقت لكي نتعلم من الكوارث والمصائب والهزائم التي لحقت بنا على مدى عقود بسبب غياب المبادرات الشعبية والسياسية التي تتصادم بوضوح وبإصرار مع سياسات الأمر الواقع التي يريد أصحاب القرار تأبيدها وجعلنا نعيش تحت سياطها إلى ما لا نهاية ؟! ألم يحن الوقت لكي نزيح عن أنفسنا ثقافة الهزيمة واليأس والنفاق والنزلف والكذب والفهلوة، ونرفض كل ما لا يقودنا إلى أهدافنا الوطنية والاجتماعية والقومية ؟ قد يقول لي قارئ نبيه : «أليس ما تكتبه هنا، يدخل في باب الثرثرة أيضاً التي تدعو الى التخلص منها ؟»…عزائي وجوابي أنني أمضيت ردحاً طويلاً من عمري في العمل العام؛ وحتى عندما كنت أكتب فإنني كنت أنطلق من اعتبار «الكلمة الواعية المفكّر بها والملتصقة بالواقع والتي تساهم في تطويره.. هذه الكلمة هي بحد ذاتها فعل»… وكلمتي اليوم هي دعوة مخلصة إلى العمل المنظّم المفيد لمواجهة ومقاومة أعداء وطننا وحياتنا وحاضرنا ومستقبلنا بفعالية وصلابة؛ لأنني على قناعة راسخة، مستمدة من خبرتي في العمل العام، بأن «العدو الأكبر» لأعدائنا هو أن نعمل منظّمين وموحّدين حول أهدافنا الوطنية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى