هل بقي قدسية لأجسادنا في ظل تكنولوجيا الصورة المعولمة..؟

هل بقي #قدسية لأجسادنا في ظل #تكنولوجيا #الصورة_المعولمة..؟
ا.د #حسين_محادين
(1)
لقرون طويلة كان #الجسد يتمتع بقدسية وعِفة ما، فأستعار الانسان- ذكرا كان أم انثى – وبفكره البسيط حينها من الطبيعة ورقة التوت التي اتخذها سترا لعوراته باشكال ومبررات مختلفة، وذلك سعيا عقليا منه للتميز عن الحيوانات البرية ، محاولا الإنتقال من كان بيولوجي عارِ جسديا عند ولادته الى كائن اجتماعي محتشم بصورة مرحلية من خلال تغطيتة لبعض اعضائه الخاصة جدا بورق التوت او غيرها..في حين ابقى بقية اعضائه مكشوفة لنهش الطبيعة والنظر لها كمشاع عموما..الى ان وصل بتفكيره وسلوكه الى ان بدأ الاستفادة التطبيقية من دودة القز في صناعة خيوط ملابسه البسيطة آنذاك، الى ان وصل لاحقا في حياكته افخر انواع القماش واشكال الملابس من المواد المتنوعة لتغطية معظم اعضاء جسده ليتفوق ويتميز لاحقا عن غيره من الكائنات الاخرى بلباسه الذي ستر عريّه السابق فأصبحت نوعية القماش ،سعره، تصميم، دار الازياء التي خاطته، موديلاته ومرونته صيفا وشتاء واحدا من مظاهر ومعايير التفاخر والبذخ والتمايز بين الفقراء والاثرياء وبرغم كل مراحل التطور سابقة الذكر ،الا ان الاسم الجامع بينهما بقي واحدا وهو القماش اي كانت نوعيته وقيمته المادية الذي يستره ذا وظيفة واحده الا وهي الستر والقبول الاجتماعي لمظاهر احتشامه عموما.
( 2)
اما في عصر تكنولوجيا /العولمة الربحية المطلقة حاليا فقد تغيرت مظاهر واغطية الجسم البشري، فأصبح السعي نحو العريّ الجسدي والأخلاقي امرا مقبولا ومطلوبا ربما تعميمه امميا ، وكأننا في عودة مبرمجة ايدلوجية وتكنولوجية واضحة التاثير والقبول الجمعي الى حقبة البايلوجيا،اي الى مرحلة قبل ظهور اللباس بمعانية الاجتماعية والحضارية الساترة للجسد، وبحجة الحداثة والحريات الفردية والقيم المستجدة المعاصرة، فاصبحت المشاهد الجنسية المختلفة متداولة ومتاحة شعبيا امام كل الاجيال من خلال الهاتف الخلوي كأنموذج لادوات التكنولوجيا الحية المتوالدة مع ملاحظة حجم وسعة انتشاره لدى الافراد متوفرا تحت مظلة خصوصيات فردية لحريات عولمية مطلقة .
( 3)
لعل الدليل المضاف الى ما ذهبت اليه قبلا في هذا الرصد والتحليل العلمي هو أن اصبح الاتجار بالاعضاء البشرية والادوات الجنسية الصناعية-البديلة عن فطرة الانسان الطبيعي من الجنسين- وعرضها للبيع او التاجير وبالتالي الربح الجشع حاضرا في حياتنا الراهنة رغم تجريم القانون لذلك ومع هذا بقيت متداولة ايضا.
( 4)
أصبح انتشار الجنس الالكتروني منافسا قويا للعلاقات الشرعية بين الزوجين اي بديلا منافسا لمبررات بناء الاسرة وفكرة الزواج الشرعي الآخذة في الذبول للاسف خصوصا ظهور انواع ومسميات عديدة مثل، العرفي، الاسبوعي، السياحي..الخ.، ما ادى الى ظهور مشكلات اخلاقية وحياتية مترابطة منها؛ ارتفاع نسب الطلاق في الاسر التي نشأت قبلا، تراجع مكانة الزواج نفسه وتراجع دافعية الاقبال عليه لدى الشباب من الجنسين خصوصا في مجتمعاتنا “المحفظة” في ظل ارتفاع تكاليفه ترابطا مع نسب البِطالة الآخذة في الارتفاع ،دون ان نغفل بان وجود الفرص البديلة/المنافسة للزواج الشرعي لإقامة العلاقات بين الجنسين خارج مؤسسة الزواج الشرعي قد ساهمت ضمنا في تقلص نسب الاهتمام بعفة الاجساد البشرية مقارنة بمراحل سابقة كان الاعتداد والقتلة فيها منتشرا خصوصا نحو الاناث تحت عنوان “جرائم الشرف” وهي المجرمة قانونيا الآن في جُل دول العالم المعولم والجديد منذ تسعينيات القرن الماضي اي بُعيد سيادة العولمة وقيمها غير الدينية او حتى الاخلاقية عموما.
اخيرا…تشهد حياتنا في مجتمعات الهامش العولمي”النامية” تغيرات دينية وقيمية مستجدة جعلت من اجسادنا مركزية للاهتمام الحس لذيّ فلاحظت كأكاديمي متخصص في علم اجتماع التنمية، كيف تنتشر المخدرات واعداد متعاطيها بسرعات متنامية ، مثلما لاحظت كيف ان الاهتمام بالطهو والطعام كاساس في التفكير والتجريب بعيدا عن اهمية الوعي والتفاعل الجماهيري المتممة له كقيم في حياة الانسان المعاصر مع الاحداث الكبرى، كالبناء والتضحية في سبيل حريات واستقلال الأوطان، الحق والباطل وايهما احق في الانحياز اليه، اغاثة المتضررين مقابل الاهتمام الكبير بالنسبة لنا في اخذ صورة عبر الهاتف الخلوي لماساته كي ابثها عبر الفضاء التفاعلي مثلا…انها ملاحظات واستنتاجات مفتوحة على التفكر والحوار بالتي هي اوعى لنا كبشر مغلوبين حضاريا امام سطوة ونمذجة التكنولوجيا كايدلوجيا سياسية واقتصادية لعقولنا وسلوكاتنا اليومية..فهل نحن منتبهون..؟.
*قسم علم الاجتماع -جامعة مؤتة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى