سواليف
السُّكري داء سببه اعتلال في قدرة الجسم على التّعامل مع الكربوهيدرات. ومن أهم ما يميزه ارتفاع نسبة الغلوكوز في الدم. وينقسم السكري إلى نوعين أساسيين: الأول عادة ما يصيب من هم دون سنّ الأربعين وهو في أغلب حالاته ذو أصول مناعية، إذ يقوم جهاز المناعة بمهاجمة خلايا متخصصة بإفراز الإنسولين في البنكرياس تُدعى خلايا بيتا ممّا يؤدي إلى نقص الإنسولين أو غيابه. ولأنّ للإنسولين دوراً أساسياً في تنظيم نسبة الغلوكوز في الدم، فإن غياب الإنسولين أو نقصه يؤدي إلى الإصابة بدرجات متفاوتة من السكري.
أما النوع الثاني وهو الأكثر شيوعاً إذ يتسبب بما يزيد عن 85% من إجمالي حالات الإصابة بالسكري، فتكون أسبابه غير مناعية في أغلب الحالات ومرتبطة بزيادة الوزن، ويصيب هذا النوع من السكري عادة من هم فوق سنّ الأربعين. ويُظهر مرضى هذا النوع من السّكري مقاومة ملحوظة للإنسولين، فيفشل في القيام بعمله في تنظيم مستوى الغلوكوز في الدم فيصاب المريض بداء السكري بفعل استمرار هذه الحالة من مقاومة الإنسولين لفترات ممتدة.
هل أسباب السكري وراثية أم مُكتسبة؟
إن للسكري من النوع الأول جذور وراثية، إذ يعتقد العلماء أن لوجود عوامل تطابق الأنسجة من نوع HLA-DR3:DQ2 أوDR4:DQ8 عند المريض دور أساسي في تطور المرض. كما أن لبعض العوامل البيئية أثر في حدوث هذا النوع من السكري وبخاصة الإصابة بمرض الحصبة الألمانية الخُلُقي، والتي تزيد من احتمالية إصابة المولود بمرض السكري من النوع الأول.
ما هي أعراض الإصابة بالسكري؟
من الأعراض المبكرة لمرض السكري من النوع الأول ارتفاع مستوى الغلوكوز في الدم ونقصان كميات الإنسولين المفرزة من البنكرياس. ويشعر المريض بالعطش المتزايد ويعاني من الحاجة للتبول المتكرر. ويؤدي نقص الإنسولين عند هذه الفئة من المرضى إلى عدم قدرتهم على تخزين البروتينات والدهنيات بكفاءة، الأمر الذي يؤدي إلى فقدانهم للوزن على الرغم من زيادة الشهية. كما يشعر المريض بالإرهاق المستمر ويكون أكثر عرضة لالتهابات الجلد والمثانة.
من أهم المشكلات التي يعاني منها مرضى السكري هي أثر ارتفاع نسبة السكر في الدم على سلامة الأوعية الدموية. إذ يؤدي الأذى الذي يلحق بالأوعية الدموية الصغيرة إلى حدوث أضرار في الكلى وإلى مشاكل بصرية يمكن أن تؤدي إلى العمى. أما الأضرار التي تلحق بالأوعية الدموية الكبيرة، فعادة ما تؤدي إلى تصلب الشرايين وتضيُّقها، الأمر الذي يزيد من احتمال إصابة مريض السكري بالسكتات القلبية والجلطات الدماغية.
ومن مخاطر الإصابة بالسكري من النوع الأول احتمالية الدخول في غيبوبة نتيجة الانخفاض أو الارتفاع الشديدين لمستوى السكر في الدم. ويحدث الانخفاض الشديد عادة عندما يتلقى المريض جرعات زائدة من الإنسولين العلاجي، مما قد يوصل السكر إلى معدلات منخفضة جداً تُفقد المريض وعيه. أما الارتفاع الشديد للسكر فيحدث في حال عدم السيطرة الفعالة على مستويات الغلوكوز علاجياً وتعرض المريض للجفاف. وتؤدي هذه الحالة إلى تعطيل عمليات الأيض عند المريض مما يؤدي إلى تكوين مادة الكيتون وارتفاع مستوياتها في الدم، الأمر الذي يجعل الدم حمضياً وهذه حالة تشكل خطراً على الحياة ويجدر علاجها مباشرة بتقديم السوائل للمريض وحقنه بمادة الإنسولين.
ما هي الفحوصات المخبرية التشخيصية؟
الفحص الأساسي للسكري هو قياس مستوى الغلوكوز في الدم. ويُجرى الفحص إما في وقت عشوائي أو بعد صيام 10-12 ساعة أو بعد الصيام متبوعاً بتناول المريض محلولاً من الغلوكوز يتم بعدها أخذ عينات دم لقياس نسبة الغلوكوز وأحياناً الإنسولين بعد مرور نصف ساعة فساعة فساعتين فثلاثة على تناول الشراب السكري. والهدف من هذا الفحص تقييم الوقت المستغرق لعودة الغلوكوز إلى مستوياته المُسجلة في حالة الصيام، ومن المعروف أن مرضى السكري يحتاجون وقتاً أطول من الأصحاء لتحقيق ذلك.
كما يُعتبر فحص السكر التراكمي، والذي يقيس نسبة الهيموغلوبين الإجمالي المرتبط بالغلوكوز، أساسياً في تقييم نسب السكر في الدم خلال فترة الثلاث شهور الأخيرة التي تسبق الفحص. وتتراوح هذه النسبة للأصحاء بين 3.5% إلى 5.7%، وعلى مريض السكري الحفاظ على مستوى السكر التراكمي ما دون 7.5% لحماية نفسه من أضرار المرض.
للكشف عن الأصول المناعية للمرض، يتم إجراء فحوصات تبحث عن وجود أجسام مضادة موجهة ضد كل من:
1-خلايا بيتا البنكرياسية
2-إنزيم إزالة مجموعة الكاربوكسيل للغلوتامين (GAD) المسؤول عن تنظيم إفراز الإنسولين
3-مولد الضد الثاني الشبيه بالإنسولينوما (IA2)
4-الإنسولين
كيف نعالج مريض السكري من النوع الأول؟
العلاج الأهم لهؤلاء المرضى هو حقنهم بالإنسولين المُصنّع تجارياً لتعويضهم عن نقص الإنسولين في أجسامهم الناتج عن قضاء جهاز المناعة على الخلايا المكونة له. وقد تمّ مؤخراً تطوير إنسولين يمكن أخذه عن طريق الاستنشاق بدلاً من الحقن، ويمكن استخدام هذا النوع من الإنسولين قبل الشروع بتناول الوجبات الغذائية.
أما على المدى البعيد، فتحمل عمليات زراعة البنكرياس أملاُ لمرضى هذا النوع من السكري. إلا أن مثل هذه العمليات لم تصل بعد إلى مرحلة الانتشار الواسع في التطبيق نظراً لصعوبة إيجاد متبرعين مناسبين، وأيضاُ لضرورة إضعاف جهاز مناعة المريض كي يتقبّل الجسم العضو المزروع، وكذلك لأن كثيراً من المرضى الذين يتلقون بنكرياساً من متبرِّع لا يشفون تماماً إنما يقتصر الأمر على تقليل نسبة اعتمادهم على الإنسولين في حياتهم اليومية.
ختاماً، من المهم أن نعلم أن مرضى السكري من النوع الأول ذو الأصول المناعية يكونون أكثر عرضة للإصابة بأمراض مناعة ذاتية أخرى، مثل أمراض الغدة الدرقية المناعية ونقص ب12 المناعي والتحسس من القمحيات المناعي (السيلياك). لذا، فمن المهم أن يُفحص أولئك المرضى سنويا وبصورةً دورية للتأكد من عدم إصابتهم بمثل هذه الأمراض، ويجب التدخل الطبي السريع في حال إصابتهم بإحدى أمراض المناعة الذاتية وذلك لتلافي أضرارها على صحة المريض.
د. عيسى أيوب أبودية
الرأي