هل أوقفَ قانون الدفاع العمل بالأحكام الدستورية الضامنه للحقوق والحريات

هل أوقفَ قانون الدفاع العمل بالأحكام الدستورية الضامنه للحقوق والحريات
الدكتور حازم سليمان توبات
كلية القانون / جامعة جدارا

يُعرّف الدستور بأنه القانون الأعلى الذي يتربع على قمة الهرم القانوني في الدولة , حيث لا قانون يعلو على الدستور استناداً إلى مبدأ سمو الدستور. وبالتالي فإن كل قانون يخالف أحكام الدستور هو قانون غير دستوري يتوجب الحكم ببطلانه . لكن في ظل الظروف الاستثنائية التي نعيشها هذه الايام والتي اقتضت تفعيل قانون الدفاع كقانون استثنائي للتعامل مع هذا الظرف فما هي مكانة هذا القانون في النظام القانوني للدولة وهل يملك وقف العمل بأحكام الدستور.
إن قانون الدفاع ,كغيره من القوانين العادية, هو قانون صادر عن السلطة التشريعية وفقاً للكيفية المبينة في الدستور, لكنه يتميز عن غيره من القوانين بأن الدستور خصه بأحكام حددت تسميته وظروف وآليه العمل به , فتاريخ العمل به لا يتوقف على تاريخ نشره أو بعد وقت معين من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية وإنما ارتبط العمل به وتفعيلة بوجود ظروف طارئة تهدد الأمن الوطني أو السلامة العامة للخطر ترك الدستور للسلطة التنفيذية امر تحديد وجودها, كذلك فإن الدستور أعطى لهذا القانون في حال العمل به صلاحية وقف العمل بالقوانيين العادية إلى الحد الذي تقتضيه المصلحة العامة للدفاع عن الوطن. لذلك فإن قانون الدفاع وفقاً للدستور أخذ مكانة أعلى من مكانة القوانين العادية في الهرم القانوني للدولة ولكنه يبقى في مرتبه أدني من الدستور لانه نشأ بمقتضى أحكام الدستور وبالكيفية التي نص عليها الدستور.
لكن هناك ممن يتساءل ويقول ألم يقم قانون الدفاع بوقف العمل بالأحكام الدستورية المتعلقة بالحقوق والحريات, فالدستور وفقاً لقولهم قد كفل الحقوق والحريات, كحق التنقل وحق التعلم وحق العمل وغيرها من الحقوق, ولكن هذه الحقوق تم تعطيلها بموجب قانون الدفاع مما يعني وقف العمل بالأحكام الدستورية الضامنه لهذه الحقوق.
إن الإجابة على هذا التساؤل تنطلق من منطلق إن الدستور الأردني كغيره من الدساتير لم يكفل ممارسة الحقوق والحريات على إطلاقها وإنما كفلها إلى الحد الذي لا تتعارض فيه مع حقوق الغير وحرياتهم أو مصالح المجتمع ككل, فالدستور أجاز تقييد ممارسة الحقوق والحريات بموجب القوانين تحقيقا للمصلحة العامة التي تسمو على مصالح الأفرد. لا بل إن بعض هذه الحقوق قد تم تقييدها بموجب نصوص دستورية, كالمادة (11) من الدستور تنص على ” لا يستملك ملك أحد إلاّ للمنفعة العامة وفي مقابل تعويض عادل حسبما يعين في القانون”. فوفقا لهذا النص أجاز الدستور وضع اليد على الملكية الفردية تحقيقاً للمصلحة العامة وبمقابل تعويض عادل.
ونص الدستور كذلك على عدم جواز فرض التشغيل الإلزامي على أي فرد إلاّ في الأحوال المبينة في الدستور. وقد حدد الدستور هذه الأحوال بحالتين , هما حالة الضرورة أو نتيجة حكم قضائي , حيث تنص المادة (13) على أنه ” لا يُفرض التشغيل الإلزامي على أحد , غير أنه يجوز بمقتضى القانون فرض شغل أو خدمة على أي شخص في حالة إضطرارية كحالة الحرب ، أو عند وقوع خطر عام أو حريق أو طوفان أو مجاعة أو زلزال ، أو مرض وبائي شديد للإنسان أو الحيوان , أو آفات حيوانية أو حشرية أو نباتية , أو أية آفة أخرى مثلها , أو في أية ظروف أخرى قد تعرض سلامة جميع السكان أو بعضهم إلى خطر. وأجازت الفقرة (4) من المادة (15) من الدستور في حالة إعلان الأحكام العرفية أو الطوارئ أن يفرض القانون على الصحف والنشرات والمؤلفات ووسائل الإعلام والإتصال رقابة محدودة في الأمور التي تتصل بالسلامة العامة وأغراض الدفاع الوطني .
لذلك فإن الدستور الأردني أجاز تقييد بعض الحقوق والحريات كأداة لحماية الحقوق الاخرى وحقوق الغير, وبهدف تحقيق التوازن بين الحقوق والمصالح المتضاربة بحيث لا يجوز تفضيل حق أو حرية على حق أو حرية أخرى وإلاّ يكون الدستور قد فقد هدف أساسي من أهدافه وهو كفالة ممارسة جميع الحقوق والحريات في إطار عدم الإضرار بالحقوق الأخرى أو حقوق الغير والمجتمع. وقد أعطى الدستور لأحكام القوانين صلاحية تنظيم الحقوق وتقييدها عند الضرورة بدلالة إن النصوص الدستورية التي كفلت هذه الحقوق اشترطت أن تكون ممارستها وفقاً لأحكام القانون. فلو أجاز الدستور أن تُمارس الحقوق والحريات على إطلاقها فسيؤدي ذلك حتماً إلى الفوضى وتقويض حقوق ومصالح أخرى قد تكون أولى بالحماية والرعاية من المصالح الشخصية , كالمصلحة العامة والحفاظ على سلامة الدولة ككل.
من جانب أخر فإن تقييد الحقوق والحريات مسألة معترف بها من قبل دساتير معظم الدول, كما تسمح به مواثيق حقوق الإنسان الدولية كالعهد الولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية التي اجازت تقييد ممارسة بعض الحقوق صيانة لحقوق أخرى ومصالح عليا أولى بالرعاية كالأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة. لذلك فإن عدم تقييد الحقوق والحريات يقوض مصداقية الأحكام الدستورية التي كفلت جميع الحقوق ومصداقية الدستور ككل. لان ممارسة الحقوق والحريات على اطلاقها سيؤدي حتما الى الفوضى وتعريض سلامة المجتمع للخطر.
وبالعودة إلى قانون الدفاع فهو وإن أجاز تعطيل ممارسة بعض الحقوق والحريات مؤقتا, فإن ذلك ولا يُعد من قبيل وقف العمل بالأحكام الدستو لا بل يُعد تطبيقاً لأحكام دستورية كالتي سبق ذكرها في المواد (11) و(13) و(15) من الدستور وهو كذلك يطبق مبادئ دستورية عامة مُعترف بها من قبل دساتير الدول والمواثيق الدولية وبهدف الحفاظ على سلامة المجتمع من انتشار الوباء وهي مصلحة أحق بالرعاية من حقوق الافراد وحرياتهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى