هكذا تفلسف هردبشت / يوسف غيشان

هكذا تفلسف هردبشت
لغة رائعة .. إذا أحببت فإنك تستطيع أن تعبّر فيها عن حبك من (قلب وربّ)، وإذا كرهت تستطيع أن تعبّر عن كُرهك من ( قلب وربّ ) ، وإذا رثيتَ أحداً تستطيع أن تعبر عن تفجُّعك ومدى حزنك من قلب ورب .. وكذلك يحصل إن هجوتَ أو مَدحتَ أو تشبّبت أو تفاخرت أو ( تفشخرتَ ) …!!
قلنا التفاخر ؟! .. إنّها الأروع بلا منازع في هذا المجال خصّ نص ، وأعجب كيف لا تستعيرها شعوب العالم أجمع للتفاخر والتباهي وممارسة العَجرفة وإظهار (المنافس المحمّضة ).. إلاّ إذا كانوا لا يأبهون بالتفاخر كما نأبه به نحن ، وهذا عيب فيهم وليس فينا !
أما الأعداء…. فإن لغتنا العربية تفشّ غلّـنا بهم ، تسمح لنا بتهزئتهم ومسح الأرض بهم ، ولعن سنسفيل أبو اللّي عقبهم ، دون أن يستطيعوا رد المسبّة والشتيمة ، فلغتهم لا تسعفهم في هذا المجال.. ولا شك أننا نستخدم الكثير من التشبيهات الضمنية ولغة السوف وأخواتها و (لا بُدّ) وبنات عمّها ، حتى ننكّد عيشتهم ونحرمهم من لذة فوزهم علينا واحتلال أراضينا دون أن نفعل شيئا.
إنها لغة كاملة مكملة ، ونحن نجيد استغلالها واستنباط التعابير والصور البيانية والألفاظ البديعية التي (لا تخرّ منها المية) ولا شوربة الهيطلية … ونبتكر كلّ فترة مجموعات من المصفوفات اللغوية التي تتناسب وطبيعة المرحلة وتعطينا القدرة الدائمة على تحقير الأعداء…. والأصدقاء إن أردنا.
لغتنا رائعة وعبقرية ، لكننا نعاني معها من مشكلة واحدة وبسيطة ، وهي أنها لغة مكتملة أكثر مما ينبغي ، لدرجة أننا نستطيع أن نقول كل ما نريد قوله في الحب والحرب والسلم ، وفي جميع الأوضاع .. بعدها نكتفي ولا نشعر بالحاجة الى القيام بأي فعل حقيقي لدحر الأعداء .. فنحن نشعر بأننا قد دحرناهم وهزمناهم في مجال اللغة ولا داعي للتنكيل بهم ، وكفى المؤمنين القتال وشرّه.
هذه مشكلتنا البسيطة مع لغتنا .. فهل لها حلّ ؟؟
من كتاب (هكذا تكلم هردبشت)الصادر عام2011

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى