سواليف
بعد مرور أكثر من 3 سنوات على إطاحة الجيش بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في يوليو /تموز 2013، وإيداعه في السجن منذ ذلك التاريخ، لا أحد يعرف كثيراً من المعلومات عن أسرته وعن مقرّ إقامتها، بسبب الضغوط التي يتعرّض لها أفرادها من قبل النظام المصري الحاكم.
صحيفة التحرير المصرية أجرت تحقيقاً قامت بنشر الجزء الأول منه، عن أوضاع هذه الأسرة ومكانها وأين تعيش الآن، فيما أجرت حوارات مع جيران الرئيس الأسبق وعن طبيعة تعامل أسرة مرسي معهم أيام حكمه الذي لم يستمر أكثر من عام.
الملفت في تقرير الصحيفة المصري هو أن الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي كان يعيش في نفس المنطقة التي كان يقطنها مرسي وأسرته قبل توليه منصب رئاسة الجمهورية في 2012، وخلال العام الذي حكم فيه مصر.
في الـ30 من شهر يونيو قبل 4 سنوات، جلست أسرة الرئيس المعزول محمد مرسى في شرفة السفراء الأجانب بقاعة جامعة القاهرة الكبرى، للاستماع إلى أول خطاب له بعد حلف اليمين الدستورية رئيسًا لجمهورية مصر العربية في المحكمة الدستورية العليا.
كان مظهرهم وطريقة حديثهم يختلفان عن المعتاد من عائلات رؤساء الجمهورية السابقين، مما جعل الجدل يتصاعد حولهم وقتها، ربما أكثر من هذا الخطاب نفسه، لكنهم لم يظهروا بعدها سوى مرات معدودة، وفضلوا الصمت والابتعاد.
في أيام أخرى بعد أن تحول رب هذه الأسرة من «رئيس منتخب» يحتفون به إلى «رئيس معزول» ثم إلى «سجين» يحاولون فقط أن يلتقوا به، سلطت الأضواء عليهم مرة أخرى، وتجدد الحديث، فقرروا أن يعقدوا مؤتمرًا صحفيًّا في يوم 22 يوليو 2013 بنقابة المهندسين، وذلك للإعلان عن موقفهم مما حدث في 3 يوليو، ثم عادوا بعدها إلى التزام الصمت والاختباء. ربما كان ذلك طوعًا، وربما كان جبرًا، وعلا السياج الذي فرضوه على أنفسهم «عدم سماح الجهات الأمنية لهم بزيارته في السجن، وعدم تمكنهم من حضور جلسات محاكمته في قضاياه الـ5».
لم يكسر صمتهم هذا سوى «منشورات» على «فيسبوك» تظهر من فترة لأخرى باعتبارها «متنفَّسهم الوحيد» لانتقاد النظام الحالي أحيانًا، وللتأكيد أحيانًا أخرى -وفقًا لطريقتهم في الكتابة والحديث- «أنهم لا يزالون على العهد صامدين».
هذا ما يمكن أن نتذكره عن «عائلة مرسي الصغيرة»، بخلاف عائلته الأكبر، وهم إخوته وأبناؤهم الذين يعيشون في قرية العدوة بمحافظة الشرقية.
ولكن ما وراء ذلك: أين هم الآن، وكيف يعيشون؟
البحث عن إجابات لتلك الأسئلة جاء من خلال «لملمة» معلومات قليلة من بعض أبطال هذه القصة، ومن حولهم. ولأنهم يتوجسون ويفترضون سوء النية أولًا، ولأنهم يكرهون وسائل الإعلام -المصرية تحديدًا- ولأن الظروف لم تسمح بحرية كافية لنقل تفاصيل الصورة الكاملة من الجميع، كانت هذه الصورة التي -قدر ما استطعنا- «حاولنا تجميع تفاصيلها المشتتة» كي تظهر.
أسرة الرئيس المعزول محمد مرسي، والمقصود هنا زوجته وأبناؤه فقط، كانت تسكن في منطقة التجمع الخامس منذ سنوات طويلة (حتى قبل أن يصبح رئيسًا للجمهورية).
هذه المعلومة معروفة لدى الجميع، وعليها تحركنا إلى هناك بهدف الإجابة على سؤال «كيف تعيش عائلة مرسي الآن؟»، حتى وإن كانت نسبة الاعتقاد بعدم وجودهم تصل إلى 95%.
بالفعل تأكد هذا الاعتقاد ولم نجدهم، ولم نجد أيضًا إجابة «كافية» لسؤالنا. ولكن كانت في انتظارنا إجابة أخرى لا تقل أهمية أبدًا عن «كيف كانت تعيش عائلة مرسي عندما كان رئيسًا؟».
في شارع متفرع من شارع «التسعين» الشهير بالتجمع الخامس، تظهر بيوت فخمة تليق بمنطقة يسكنها أغلب القيادات والمسؤولين، تميل إلى اللون الأصفر، ومتقاربة في الشكل إلى حد كبير. لم يكن من الواضح أي منها هي «بيت مرسي»، فليس هناك أي علامة مميزة تشير إلى ذلك، لذا كان الحل هو سؤال أي شخص يسير في الشارع.
لم يوجد في هذه المنطقة الهادئة -التي تكاد تكون خاوية- سوى عامل نظافة، الذي بمجرد سؤاله أشار إلى البيت بحماس يثير الانتباه، جعلني أسأله عن معرفته بهذه الأسرة، ليقول: «أنا عامل النظافة في المنطقة منذ 15 سنة، وكنت المسؤول عن جلب القمامة من داخل منزل مرسي».
كان الرجل يقف في منتصف الشارع، مرتديًا زي شركة النظافة التابع لها، و«طاقية» تحميه من شمس الساعة الثانية عشرة ظهرًا: «أسرة الدكتور مرسي كانوا ناس محترمين جدًّا، وبيعاملوني أحسن معاملة».
ولأنه وجد زملاءه جاؤوا ليساعدوه في جمع القمامة، بدأت نبرة صوته تتغير ويتحدث بصوت منخفض: «كل زمايلي دول كانوا بيحسدوني إني باروح بيت الريس، ويقولوا طبعًا بتاكل أحسن أكل، لكن ده كان عكس الحقيقة، أنا كنت باكل وجبة من وجبات عساكر الحراسة الخاصة بمرسي خارج الشقة، ودلوقتي يهاجموني لو قلت على مرسي وعيلته إنهم محترمين».
هو واحد من الأشخاص القليلين المسموح لهم بدخول هذا البيت، الذي يعتبر مكانًا تفرض عليه هذه الأسرة خصوصية شديدة، لذلك استطاع أن يؤكد أنه لم يرَ حدوث أي تغيير فيه يدل على أنه منزل رئيس جمهورية، بل كانت شقة «عادية جدًّا»، وساكنوها يعيشون ببساطة ملحوظة، يمكن أن يتذكر منها اعتيادهم على «شرب الينسون».
لم يكن لهذا الرجل صلة بأفراد الأسرة سوى ما يلمحه عند أداء عمله، وهو ما جعله يقول عن عبد الله، وهو الابن الأصغر لمرسي، إنه «لم يشاهده يدخن سيجارة حتى يتهموه في تناول مخدرات!» (ذلك في إشارة لاتهامه بحيازة مخدر الحشيش، والحكم عليه بالحبس عامًا في يوليو 2014).
أتذكر أنا أخبارًا قرأتها عن تنظيم عدة مظاهرات أمام منزل مرسي في الشهور الأخيرة قبل عزله، ويتذكر هو عندما كان يؤدي عمله في يوم من أيام تلك المظاهرات، أنه شاهد سيدة تقف على بعد أمتار من مرسي الذي كان يستقل عربته برفقة ابنه عبد الله، وقامت بسبه، ولم يفعل معها الحرس شيئًا، ويقول: «دي لو وقت مبارك كانت اتغربلت».
عندما قررت التوجه إلى ناحية البيت الذي كان هدفي من البداية قبل أن أجد هذا الرجل، استوقفني ليلفت نظري إلى أن الفيلا التي تجاوره هي فيلا الرئيس السيسي.
فيلا السيسي!
العقار 189 الذي يفصله بيتان عن عقار مرسي، هو فيلا رئيس الجمهورية الحالي عبد الفتاح السيسي، التي يمتلكها منذ أن كان مديرًا للمخابرات بجوار فيلا شقيقه الأكبر المستشار أحمد السيسي.
كان يعيش بها مع أسرته في تلك الفترة، ولكن لم يعد يأتي إليها بعد أن تولى وزارة الدفاع، وظل الساكنون حولها يعرفونها طوال السنوات التي سبقت ظهور السيسي في الصورة بأنها «فيلا رجل مهم يعمل في المخابرات».
من اتجاه شارع «التسعين» يجب أن تمر على هذه الفيلا أولًا لتصل إلى بيت مرسي، وبمجرد أن رآنا الحارس الذي كان يرتدي زيًّا مدنيًّا، أمسك السلاح الذي كان يسنده إلى الطاولة دون أن يتحدث، وهو ما دفعنا للمرور سريعًا، وتأجيل الذهاب إلى بيت مرسي، الذي أعطيت له علامة مميزة كي أعرفه بعد ذلك، وهى «كسر في سور شرفته»
في صباح اليوم التالي، ذهبت إلى بيت مرسي مباشرة، لكن هذه المرة من الاتجاه الآخر، من ناحية مسجد «فاطمة الشربتلي»، وهو الجامع الذي يبعد عن البيت أمتارًا قليلة، وكان يصلي فيه مرسي كل جمعة، وذلك حتى لا أمر مرة أخرى على فيلا السيسي.
كانت لدينا معلومة بأن الطابق الأول لا يزال يسكن فيه صاحب البيت، الذي أجَّر لمرسي شقة في الطابق الثاني، ويدعى الحاج عزت.
فتحت البوابة الحديدية زوجة بواب العقار، وكان أول ما رأيناه عند دخول مدخل العمارة -الموجود في الناحية الجانبية وغير الظاهر للمارة في الشارع- هى صورة محمد مرسي المكتوب أعلاها «الشعب يدافع عن الرئيس»، وأسفلها «شعار رابعة».
بجوار هذه الصورة كانت شقة الحاج عزت، الذي استقبلتنا زوجته «المنتقبة»، واعتذرت عن عدم قدرة زوجها على الحديث معنا لأنه أجرى عملية جراحية مؤخرًا أثرت عليه.
شرحت لها ما أريده.. رفضت في البداية، ثم وافقت بشرط عدم ذكر اسمها أو التصوير، وكان أول ما عرفته أن العلامة التي مَيزت بها البيت، وهي «الكسر في سور الشرفة»، كان بسبب تصادم السور بالزجاج الواقي من الرصاص عند إنزاله من شقة مرسي بعد عزله.
زوجة صاحب المنزل: شقتهم كانت 175 مترًا.. ومتعثرون الآن في دفع الإيجار
البيت المكون من 3 أدوار و6 شقق، كان محمد مرسي يشغل منه شقتين في الطابق الثاني، تقدر مساحة الواحدة بـ175مترًا، الأولى لأسرته، والثانية للسكرتارية واستقبال الزيارات بعد توليه الرئاسة.
في بداية الألفية الثانية -وحتى قبل ثورة يناير- لم يكن أغلب المواطنين يعرفون أعضاء مجلس الشعب أو يتابعون الجلسات أو يهتمون بالشؤون السياسية كثيرًا، وهو ما جعل هذه السيدة لا تعرف أن محمد مرسي الذي جاء عام 2007 ليؤجر منهم شقة في الطابق الثاني، كان عضوًا في مجلس الشعب، أو عضوًا في جماعة الإخوان، فكل ما كانت تعرفه عنه أنه أستاذ جامعي فقط.
عرفت السيدة وضع مرسي في جماعة الإخوان عندما علمت باعتقاله في سجن وادي النطرون صباح يوم 28 يناير2011، وعندما داهمت قوات الأمن البيت لتفتيش شقة أسرته وشقتهم.
قبل هذا الوقت كان مرسي وأسرته يأتون ليقيمون 3 أيام في هذه الشقة، و3 أيام في مسقط رأس الأسرة بالشرقية، ولكن بعد الثورة وتوليه منصب رئيس حزب الحرية والعدالة (الذراع السياسية لجماعة الإخوان) في إبريل 2011 أصبح مقيمًا بشكل دائم في التجمع الخامس.
أرادت زوجة الحاج عزت، ونحن نجلس على أريكة أمام مدخل العمارة، أن توضح أنها هى وأسرتها ليسوا من جماعة الإخوان، وذلك حتى لا يخدعنا مظهرها «الملتزم» أو تضامنها مع مرسي، مؤكدة أن هذا البيت لم يكن ملتقى قيادات الإخوان كما يدعي البعض، ولم يأت أي منهم هنا، لأنها حسب ما قالت تسكن الطابق الأول وترى كل من يصعد أو يهبط.
ترى هى أن محمد مرسي كان يختلف عن سابقيه أو من تلوه، وتذكر لتأكيد ذلك مواقف عدة فتقول: «كان متواضعًا وبسيطًا، وافتكر إن ابني الصغير كان يخرج بمظهر مش مناسب (نصف عاري) ليسلم عليه، وكان هو لا يسمح للحرس بمنعه».
التفتت السيدة لتنظر إلى الشارع، ثم أشارت إليه وأكملت: «والشارع ده كان زي ما أنتي شايفاه كده، على طول ماشي ولا مقفول ولا فيه حواجز، والجنينة اللي قصاد البيت دي كان بييجي مؤيدين يحتفلوا بمرسي يقعدوا فيها، فالزرع اتشال والرصيف اتكسر، ورغم كده هو ماجملش المنطقة ولا عمل أي شيء زيادة.. ده المحافظ بيجددوا له المنطقة كلها وده كان رئيس جمهورية!».
وقالت: «عرفت إن البدل الخاصة به كان يشتريها على حسابه، وكان يرفض الواسطة، يعني مثلًا ابني الكبير تخرج في كلية الحقوق بتقدير جيد جدًّا، ولم يُعين في النيابة رغم أن زميله كان جايب أقل ودخل. قدمنا شكوى للدكتور وقتها لأنه كان عامل صندوق للشكاوى، وكان رده أنها سترسل للجهة المعنية مثل بقية الشكاوى، لأنه لا يمكن أن يتدخل في عمل السلطة القضائية».
زوجة مرسي
من وجهة نظرها، لم يختلف تعامل مرسي مع الناس عن تعامل زوجته معهم، فهي وافقت أن تأخذ منها الحلوى الخاصة بفرح ابنها بعد أن منعها الأمن لأنها لم يتم تفتيشها، قائلة لهم: «دول جيرانا وحبايبنا.. يعني هيسمونا!».
لم يكن يزعج صاحبة البيت أن يكون أحد سكانه هو رئيس الجمهورية، ولكن الحرس الخاص بالرئيس، الذي كان يقدر عددهم بنحو 300 يتمركزون في جراج البيت، هو ما كان يضايقها أحيانًا. ذلك لأنهم قيدوا حركتها في بيتها، وهى سيدة ملتزمة لا ترغب في الاختلاط بالرجال كثيرًا، كما أنهم -حسب قولها- أفسدوا شكل حمام السباحة الموجود خلف البيت لأنهم كانوا يقفون عليه بـ«البيادات».
لم تذكر السيدة أي شيء عن يوم العزل، لأنها كانت هى وأسرتها في الإسكندرية، لكنها عادت بعد سماعها أن المتظاهرين سيقتحمون البيت، لكن ذلك لم يحدث ووجدت حجارة ملقاة في فناء المنزل من جراء المظاهرات، كما أنه لم يتبقَّ إلا أفراد قليلون من الحرس الجمهوري على باب البيت، ثم غادروا بعد أيام من 3 يوليو.
تركت أسرة مرسي الإقامة الدائمة في منزل التجمع الخامس، لكنهم لم يتركوا شقتهم، ولا زالت السيدة نجلاء محمود، زوجته -دون الحديث مع أحد عن أخبارهم- تأتي للاطمئنان على الشقة، ودفع الإيجار بشكل سنوي وفقًا لعقد إيجار مدته 5 سنوات، لكنهم أصبحوا في السنتين الأخيرتين متعثرين في الدفع حسب ما أكدته زوجة صاحب المنزل، ويقيمون الآن في مسقط رأسه بمحافظة الشرقية.
صحيفة التحرير المصرية