هذيان…في مستشفى البشير

هذيان…في مستشفى البشير

محمود الشمايلة


غرفة ال ICU تشبه خيمة كبيرة، موزع على أطرافها كابينات من الألمنيوم والزجاج بأحجام ومساحات متساوية، في داخلها سرير مزود بلوحة كهربائية للتحرك.
في الحائط يوجد لوحة مضاءة بألوان مختلفة وأرقام متغيرة موصولة بأسلاك مربوطة بجسدي المنهك، قناع لتزويد الأكسجين وكذلك ملقط ضاغط عرفت انه يستخدم لقياس نسبة الأكسجين بالدم…
في وسط القاعة هناك كاونتر للأطباء والممرضين بحيث يسمح لهم بمشاهدة جميع المرضي بل عناء.
لتخفيف الأم المرضى يتم حقننا بمواد مخدرة عالية التركيز. هذه المواد تسمح للمريض بالتحليق بالمه ربما يمكنه من كتابة قصيدة شعر ليست موزونة أو ربما يسب ويشتم كل الشعراء والادباد الذين تعرف عليهم ف ندوات النقد الأدبي.او في مطعم هاشم وسط البلد أو حتى في مجمع باصات الجنوب.
يجاوريني في كبينتي لاجئ سوري يدعى ابو حسن لا أستطيع أن أراه ولكن يمكنني سماع هذيانه بسهولة.
كان ابو حسن مصاب بمرض في التنفس بحيث ان الأطباء منعوا عنه الماء كجزء من خطة العلاج.
المهم أن ابو حسن كان يمتلك قدرة عجيبة على إدارة هذيانه ربما حسدته عليها. فقد كان يستحضر أولاده وبناته واحد تلو الآخر يتحاور معهم، مره اضحكهم وأخرى اغضبهم ومرة أخرى ابكاهم غير أنه في كل مره كان يطلبهم شربة ماء..
بلكنة شامية عميقة كان ابو حسن يخاطب الأشياء من حوله بدي ماي…
يا منيرة يا ابتسام بدي مااااي.
دخيلوا لالله بدي ميه يا ناس….
في لحظة ما صاح ابو حسن بالاه ليلعن اللجوء، ثم لعن الثورة، الحرب، كل كل شئ في الوطن..
ثم خفت صوته ببطء وهو يردد.
بدي امي ..
بدي امي امي..
حين سمعت نحيب جاري قررت أن أمنحه كأس ماء من عين ساره وان العن معه تجار الأوطان في كل مكان..
قررت أن اسب واشتم كل من يتاجر بالحرب.
كل من يتطاول على مقدرات الوطن.
فقد عرف ان أوطان العالم كلها لا تغني ابو حسن شربة ماء من ماء سوريا…
مات ابو حسن بعد أن رفض جسده اي ماء ليس من مياه الوطن..
في تلك الليلة. زارنا ملك الموت واختار ثلاثة من ظمنهم ابي حسن اما انا فقد كنت مشغول بالبكاء والنحيب..
ولا حول ولا قوة الا بالله.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى