هدايا مُدبَّرة!

مقال الخميس 19-9-2019
هدايا مُدبَّرة!
نحن الآباء طيبون جدّاً ، مقاتلون جداً، مسالمون جداً..مثل القطار نمضي كل نهار على سكّة الكدّ ،نقطع مسافات العمر بنفس السرعة ،نوصل الصاعدين فوقنا إلى حيث يريدون،ممنوع علينا السقوط ، ممنوع علينا التوقف ، سيقاننا سيقان سنديانة لا يجوز لها الانحناء أو الركوع ، علينا أن نظهر أقوياء وان كان يأكلنا الضعف ، ندعي الاكتفاء في قمة الفقر ، نتحامل على المرض ونمشي ،لا نشكو التعب الا نادراً..نفرح كثيراً لو صافح رذاذ الغيم نوافذنا أو علقت زهرة برية بين مفاصلنا من باب الصدفة نعتبر كل ذلك..هدايا مدبّرة.

لا يتذكّر الأولاد – عادة- ذكرى ميلاد الآباء الا قبل انقضاء اليوم بدقائق ، يتعثّر أحدهم بالتقويم وهو يرتّب مواعيده للأسبوع فيتذكّر السنين المعتقة تحت جلد الأب.. يصافحه على عجل ويقبّل رأسه ، يصبح التذكير بالعدوى لباقي الأشقاء “اليوم عيد ميلاد ابوي” يسابق الثاني دقات الساعة قبل أن ينقضي الليل ويدخل في اليوم التالي وتصبح “المعايدة بايتة” أما الثالث فقد نام مبكّراً ولا يعنيه كثيرا إحصاء الأيام..أما الرابع ما أن خرج من الحمّام حتى كان صاحب العيد يغط في نوم عميق..
الآباء طيبون جداً، في عيد الأم مثلا، تلتئم خلية التفكير في البيت قبل يومين من العيد ، يفكرون بنوع الهدية وقيمتها وكيفية تقديمها ، يقحم الأب نفسه ويشاركهم ويضع مساهمته الكبرى ، هو لا يشعر بنقص أبداً كيف يتذكّرون عيد الأم وينسونه وعيده ..هو يبحث عن رحيق الفرح أينما وجد..أن ارتوى منه فتلك نشوة ما بعدها نشوة ، وان خاب يكفيه أن تعلق يداه بعبير المحبة فهو فرح أيضاَ ..
نحن الآباء طيبون جدا، في العيد نشتري للأولاد ونستثني أنفسنا ولا ننساها، نحتال على حالنا بأسباب التوفير..نقول في حديث السر المهم أن يفرحوا هم ،ثم أن أعمارنا عتيقة لا يناسبها الرداء الجديد.. نختار لهم أحزمة لامعة ،ونغطّي بطرف القميص على حزامنا المهترىء واسع الثقوب ، نصلّح الحذاء عشرات المرّات ونقنع “الاسكافي” انه جديد لكن الطريق وعرة ، نوفر أجرة الطريق وندّعي قرب المسافة وكسب اللياقة..
نحن الآباء طيبون جداً ،نحن أطفال بمهنة آباء ، يرضينا القليل ،ويفرحنا العفوي البسيط…تفرحني مثلاً زهرة ياسمين ذبلت على طاولتي بعد أن وضعها أصغر الأولاد في غيابي..وتفرحني قصاصة مرسوم عليها قلب حبّ لون بتلوين دهني وخرجت الخطوط من القلب لا ادري ان وصلت غرفتي بالصدفة أم عن قصد ..ولأنني القطار الذي يفرح كثيراً لو صافح رذاذ الغيم نوافذه أو علقت زهرة برية بين مفاصله من باب الصدفة أعتبر كل ذلك هدايا مدبّرة..وأفرح!
احمد حسن الزعبي
ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. إن شاء الله يا أبا عبد الله ستبقى فارس الكلمة وقطار الإبداع في عملك الهدايا المدبرة من الطفل براءة جميلة لا يخالطها فكر الكبار و بحدود ما وفروا في حصالتهم لتلك المناسبة اما لأمهم فلها الثلاثة أضعاف بالفطرة السليمة تفضيلا عن الاب.بالمناسبة كل عام و انت بخير .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى