هتاف العاطفة في قصيدة “يا رب عونك ” للشاعر محمد الشيعاني

#سوايلف

#هتاف_العاطفة في #قصيدة#يا_رب_عونك ” للشاعر #محمد_الشيعاني

كتب .. زيد_الطهراوي

يا رب عونكِ حين تُخطئ وجهتي

وأتيه في درب الحياة طويلا

لولاكَ ربي ما عرفتُ هدايتي

ولسرتُ في درب الشقاء ذليلا

أنت المعين ومن سواكِ يُعيني

إن حار أمري وارتضيت خمولا

عالج فؤادي بالهداية إنني

أقبلتُ نحوك يا رحيم عجولا

جاءت هذه الأبيات ممتلئة بالتقريرية، بسيطة في بنائها ومباشرة في تعبيرها، لكنها مع ذلك جميلة تطرق الفؤاد برفق، وتذيب النفس بعفوية. فالعاطفة هي سر جمالها، وهي وقودها الفني الذي يساعد على انتشار القصيدة عبر الزمن والأجيال. إنها إقبال على الله وطلب للعون منه سبحانه، واعتراف بالضعف الإنساني، وفي ذلك يكمن عمقها ويتجذر صفاؤها ويتألق بوحها.

هذا البوح الصادق ينفع صاحبه باستغاثته بالله الرؤوف بعباده المتضرعين، وينفع القرّاء حين يعيشون مع الشاعر رقّته وخضوعه لله الذي بيده ملكوت كل شيء، فتسقط الدموع كاللآلئ الثمينة.

الشاعر صادق في عاطفته، فهو يناجي ربه الرحمن سبحانه وتعالى الذي ﴿كتب على نفسه الرحمة﴾. وهنا ينهض الشعر بعبء الوعظ من غير أن يتخلى عن عذوبته، إذ يبث صفاءً روحياً عبر التفعيلات التي لا غنى للشعر العمودي عنها، فتُحيي النفوس التي أتعبها الأرق والقلق. ولعل هذه التفعيلات، التي تُدرَس في علم العَروض كمبحث جامد، تزيد الأبيات عذوبة بموسيقاها الثرية.

يقول الشاعر:

يا رب عونكِ حين تُخطئ وجهتي

وأتيه في درب الحياة طويلا

قد يتبادر إلى الذهن أن الشاعر ضائع، ولذا يستنجد بالله هاديًا ومعينًا. ولكن من يعرف أهمية الدعاء ونفعه — مما نزل ومما لم ينزل — يدرك أن الشاعر هنا قد نجا من حفرة الضياع، ووضع قلبه ومساره على الطريق الصحيح بثبات. فمن استجار بالله تعالى فقد رَشَد، وقَوِيَ قلبه وزنده، وأدرك مبتغاه.

وإذا كانت تجربة الشاعر شخصية، فهي انعكاس حقيقي للتجربة العامة التي يمرّ بها المؤمنون حين يحتاجون إلى مساعدة وهداية، فلا يجدون وسيلة إلا الاستغاثة بالهادي سبحانه وتعالى. وهنا إشارة إلى أن العون من الله، كرامةٌ للعبد.

في الأبيات اللاحقة يظهر التباين بين ضعف الإنسان وقوة الله:

لولاك ربي ما عرفت هدايتي

ولسرت في درب الشقاء ذليلا

يدل هذا البيت على أن السير في طريق الهداية لا يكون إلا بالاستمرار في التضرع إلى الله تعالى بالثبات على الدين، وأن من يظن أنه يستطيع المضيّ في الحياة دون عون الله تعالى مخطئ.

ففي سورة الفاتحة نقرأ قوله تعالى: ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾، أي نعبدك يا رب ونستعين بك على العبادة. وكان رسول الله ﷺ يدعو فيقول: «اللهم يا مقلب القلوب، ثبّت قلبي على دينك». فالهداية من الله تعالى وحده، ويجب علينا أن نطلبها منه بإلحاح، كما قال سبحانه: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينَّهم سبلنا﴾.

وهنا يُبدع الشاعر في المقابلة بين الهداية التي هي النعيم الأبدي، والضلال الذي هو الشقاء الأبدي، مشيرًا إلى أن الخذلان من الله هو الذل الذي لا ذل بعده.

ويتابع الشاعر فيقول:

أنت المعين ومن سواكِ يُعيني

إن حار أمري وارتضيت خمولا

في هذا البيت تظهر ذروة التوسل والافتقار، إذ يعلن الشاعر عن يقينه بأن لا عون إلا من الله، وأن كل قوة بشرية تخبو إذا لم تستمد مددها من الخالق جل جلاله. فالشاعر هنا لا يكتفي بالاعتراف بالضعف، بل يقرّ بأن الله وحده هو مصدر القوة والنهوض بعد الخمول والفتور. وهنا تتكامل المعاني بين الأبيات، ليصبح الدعاء في مطلع القصيدة متصلًا بالمعونة في وسطها، والهداية في ختامها، في بناء معنوي دائري يرمز إلى عودة الإنسان الدائمة إلى ربه.

ثم يقول:

عالج فؤادي بالهداية إنني

أقبلت نحوك يا رحيم عجولا

العلاج في الأصل للجسد، لكن مرض القلب — بضعف التوكل أو الاستسلام للشبهات والشهوات — هو المرض الحقيقي الذي يؤدي إلى خسارة الدنيا والآخرة. إنها استعارة جميلة تُضفي على القصيدة شعلة فنية رفيعة.

وفي قوله: «أقبلت نحوك يا رحيم عجولا» صورة بديعة للإقبال على الله، يعكس فيها الشاعر شوق المؤمن إلى ربه. وهنا يحسن أن نذكر قول الله عز وجل:

﴿وما أعجلك عن قومك يا موسى * قال هم أولاء على أثري وعجِلت إليك رب لترضى﴾.

وقد ذكر المفسرون أن الله تعالى أشار في هذه الآية الكريمة إلى قصة مواعدته موسى عليه السلام أربعين ليلة وذهابه إلى الميقات، واستعجاله إليه قبل قومه. وذلك أنه لما واعده ربه وجعل له الميقات، أوصى موسى أخاه هارون أن يخلفه في قومه، ثم استعجل إلى الميقات فقال له ربه: وما أعجلك عن قومك يا موسى. فكان عذر موسى عليه السلام أنه ليس بعيدًا عن قومه، وأنه عجِل إلى ربه ليرضى عنه سبحانه.

فالإقبال على الله قد يكون بالجسد فقط حين يكون القلب معرضًا، وهذا لا يرضي الله، وقد يكون بهما معًا — بالجسد والقلب — حبًّا وتعظيمًا واشتياقًا، وهذا هو الإقبال الذي يرضى عنه ربنا سبحانه وتعالى.

لا رموز في هذه القصيدة، ولكنها صافية صادقة، عذبة في موسيقاها العَروضية، قد شقّت بعاطفتها طريقها إلى الفن الصادق. فأي صدقٍ أعظم من تصوير العلاقة بين العبد وربّه في عبادة سامية هي الدعاء؟

وهكذا تتجلّى في قصيدة الشيعاني روح المؤمن حين يذوب وجداً بين خوفٍ ورجاء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى