هتافٌ جماعيٌّ لحُنجرةٍ واحدة

هتافٌ جماعيٌّ لحُنجرةٍ واحدة / كامل النصيرات

كان هنا ؛ ولداً فوضى ؛ مثل تراتيلِ الدهرِ ؛ شهيّة روحٍ و عذابات ضلوعٍ ..يلبسُ وردَ الخوف ولا يبلى ..ويعانقُ شوقَ الخطواتِ ..يرى وطناً في كلِّ طريقٍ..راح يُجمِّعُ أوطاناً متناثرةً ..يحرسها من عينِ الحسّاد..يهرِّبُ فلفلهُ للشهقات..يبري قلماً كي يكتبَ في ألف فراغٍ : وطني وطني وطني ..!
لكنّ الوطنَ المسحوبَ إلى المعركةِ الكبرى يرفضُ أن يحلقَ شعرَ حبيبته..يرفضُ أن يرقصَ فوق عيونِ امرأةٍ كانت تطعِمُه وقتَ الجوع المؤمنِ و الجوع الكافرِ..كانت تتسلّلُ في الليلِ و تُهديه القبلات..وكانت تسرقُ من كُحلتها وتلاعبُ عينيه الناعستين لعلّ الولدَ التائهَ يأتي و يشارك في اللعبة ..!
كان هنا..ولداً خارطةً..يجمعُ طلاّب الصفِّ السادسِ ..يرسمُ بالطبشورةِ فوق الجدران..فيأتي الأستاذُ و يلقي القبضَ على الطقسِ الفالتِ :-
– لمَ لمْ ترسمْ فوق اللوحِ هنا يا حيوانُ..؟ لقد شوّهتَ الجدران و خرّبتَ بفوضاكَ الدنيا..!!
– لا يا استاذُ..رجاءً ..وطني ليس على اللوحِ فقطْ ..وطني فوق الجدرانِ وفوق الخزّانِ وفوق الدكّانِ و فوق الرمانِ وفوق الهذيانِ وفوق التوهانِ وفوق العمرِ الهاربِ في كلّ مكانٍ ..وطني فوق القلبِ و ليس نقيصَ الحظِّ لكي يتبروزَ في صورةِ خارطةٍ ضائعةٍ ..
غضب الأستاذُ وبرطمَ : يا أولادَ الوجعِ المنسيِّ كفاكم خرفنةً ؛ هوجنةً ؛ وجنوناً يُحرق فيه الأخضرُ واليابسُ..!! هاج الطلابُ وماجوا ..سرقوا كلَّ طباشيرِ الصفِّ وراحوا يضعون الوطنَ على كلّ جدارٍ ..ملأوا الدنيا وطناً ..صوتُ نشيجٍ يأتي من خلف الطلابِ..امرأةٌ تهتفُ للولدِ التائهِ و تشجِّعُهُ : وطني وطني وطني ..
هذا وطنٌ لا يعرفُهُ إلاّ من خبّأهُ في صُرةِ قلبٍ ..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى