نُقطَتان خَطيرَتان ورَدتا في المُؤتمر الصِّحافيّ الذي عَقَدَه الرَّئيسان بوتين وترامب بعد اختتامِ قمّتهُما في هلسنكي.. الأولى تتعلَّق بالوُجود الإيرانيّ في سورية.. والثَّانِية بأمْن إسرائيل.. لماذا وكيف؟ وهَل حَقَّق نِتنياهو أغراضه من هَذهِ القِمَّة التي كان الغائِب الحاضِر فيها؟
عبدالباري عطوان
للوَهلةِ الأولى يُمكِن القَول، ومن خِلالِ مُتابَعَةِ المُؤتمر الصِّحافيّ الذي عَقَده الزَّعيمان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب في أعقابِ القِمَّة التي جَمعتهُما في هلسنكي اليوم الإثنين أنّ هُناك اتِّفاقًا على أمرَين رئيسيين فيما يَتعلَّق بالأزمةِ السوريّة:
ـ الأوّل: العَمل بِشَكلٍ مُشتَركٍ للحِفاظ على أمن إسرائيل، وتفعيل العَمل باتِّفاقِ فَك الاشتباك المُتعَلِّق بهَضبة الجولان وجَرى توقيعه عام 1974.
ـ الثاني: عدم السَّماح لإيران بالاستفادةِ من هزيمة الدولة الإسلاميّة (داعش)، استمرار التَّنسيق بين القُوّات الروسيّة والأمريكيّة في الأراضي السوريّة.
كان لافِتًا أن الزَّعيمين لم يُعطِيا أيَّ تفاصيلٍ حول هاتَين المَسألتين، ولم تتم الإشارة بِشَكلٍ واضِحٍ إلى المَطالِب الإسرائيليّة بإنهاء الوُجود الإيرانيّ في سورية أو احتوائِه كحَدِّ أدنى، وهذا لا يَعني أنّه لم تَكُن هُناك اتِّفاقات أو خِلافات حدثت في قاعة الاجتماع المُغلَقة حول هاتِين النُّقطَتين بالذَّات، ولعلَّ ما قاله مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكيّ، من أنّ الكُرة في المَلعب الروسي فيما يَتعلَّق بسوريا ما يُوحِي بالكَثير في هذا المِضمار، فقادَة الدُّوَل العُظمى عندما يَجتَمِعون يَدخُلون في مُساوماتٍ وصَفقاتٍ، ولا تنازلاتٍ هُنا وهُناك دُون مُقابِل.
***
قضيّة اللاجِئين السوريين حَظِيت فيما يبدو بِمَساحَةٍ مُهِمَّةً في المُحادَثات، ويتَّضِح ذلك من ما وَرد على لِسان الرئيس بوتين عندما قال “نُؤكِّد على ضَرورة مُساعَدة الدُّول المُجاوِرة لسورية فيما يَتعلَّق بأزمَة اللاجئين، ممّا يُؤدِّي إلى تخفيف الضُّغوط على الدُّوَل الأُوروبيّة”، والمَقصود بهذه المُساعدة هي تركيا التي يتواجَد فيها 3.5 مليون لاجِئ سوري، وليس الأُردن ولبنان، وهذا أمر يُثير الحِيرة وأكثر من علامةِ استفهامٍ في الوَقتِ نَفسِه، فهَل جرى الاتِّفاق على تَسهيلِ عودة اللاجئين السوريين من تركيا مَثلاً، وبحث مَسألة إعادة الإعمار، ووضع خُطَطٍ لاستيعاب هَؤلاء؟
النُّقطة اللافتة في المُؤتمر الصحافي فيما يَتعلَّق بإيران وردت على لِسان الرئيس ترامب عندما قال “اتّفقنا مع روسيا على ألا نسمح لإيران بالاستفادةِ من هزيمة داعش في سورية”، وهذه الفَقرة التي لم تَجِد أيَّ تَعليقٍ أو تَوضيحٍ من الرئيس بوتين، قد تُثير قَلق المسؤولين الإيرانيين، لأنّها يُمكِن أن تُفَسَّر باتِّفاقِ الجانبين الروسي والأمريكي على العَمل سَوِيًّا على إنهاء الوجود الإيراني ليس في سورية فقط، وإنّما العِراق أيضًا، الأمر الذي يَدفعنا إلى التَّساؤل، وبِشَكلٍ جِدِّيّ: هل تَمَّت مُقايَضة رفع العُقوبات الأمريكيّة عن روسيا والتَّسليم بضَمِّها لشِبه جزيرة القُرم مُقابِل إنهاء، أو احتواء، الوُجود الإيرانيّ في سورية، وهِي المُقايَضة التي تَردَّد بقُوَّةٍ أنّ زعيم خليجي يَقِف خلفها؟
يَصعُب علينا إعطاء إجاباتٍ حاسِمة في هذا الصَّدد، فالمُؤتمرات الصحافيّة للزُّعَماء لا تقول كُل شَيء، وتنطوي على الكَثير من المُجامَلات ذات الطَّابَع الدِّبلوماسيّ في مُعظَم الأحيان، ولهذا لا بُد من انتظار هُدوء غُبار القِمّة، والاطِّلاع على التَّسريبات الصِّحافيّة، حول نُقاط الاتِّفاق والاختلاف بين الجانِبين في الصُّحُف الغربيّة خاصَّة، ومُتابَعة مُجرَيات القِمَّة الثُّلاثيّة التي سَتُعقَد في طِهران أواخر هذا الشَّهر بحُضور الرئيس الروسي بوتين، والتركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الإيراني المُضيف حسن روحاني، إلى جانب ما يُمكِن أن تَعكِسُه الصُّحُف الإسرائيليّة من آراءٍ وتَقويماتٍ لهَذهِ القِمّة التي كان بنيامين نِتنياهو الحاضِر الغائِب فيها.
***
إنّها قِمَّة انعَقدت بطَلبٍ من ترامب بالدَّرجةِ الأُولى، وبضَغطٍ من الحُكومةِ الإسرائيليّة ولوبيّاتِها، وبهَدف تبديد مَخاوِف الأخيرة من الخَطر الذي يُمكِن أن تُشَكِّله إيران وأذرُعِها العَسكريّة الضَّارِبة في المِنطَقة، وخاصَّةً “حزب الله” في جَنوب لبنان، فهل حقَّقت زِيارات نِتنياهو المُكَثَّفة لكُل من موسكو وواشنطن أهدافها في هذا المِضمار، وهل أقنع ترامب نَظيره الروسي بالانخراطِ في الحِصار الخانِق الذي يُريد فَرضه على إيران ومِحوِر ارتكازِه منع صادِراتِها النِّفطيّة ابتداءً من الرابع من تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبِل؟
لدينا شُكوكٌ كَبيرةٌ في هذا الإطار لأنّ الرئيس بوتين من الصَّعب أن يُفَرِّط بحُلفائِه وشُركائِه الإيرانيين ويَقِف في الخَندق الإسرائيليّ الأمريكيّ ضِدّهم، إرضاءً لترامب ونِتنياهو، والتضحية، بطَريقةٍ أو بأُخرَى، بإنجازاتِه الكَبيرة ليس في سورية فقط، وإنّما في مِنطَقة الشرق الأوسط بِرُمَّتِها.. واللهُ أعلَم.